نشاط الطروحات العالمية يحطم الأرقام القياسية في الربع الأول من 2021 .. لماذا؟
سجل نشاط الطروحات العالمية أفضل ربع أول عبر التاريخ، بعد جمع حصيلة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2021 تجاوزت ستة أَضعاف الفترة نفسها في 2020. وبلغت حصيلة الطروحات في البورصات العالمية حتى نهاية مارس نحو 220 مليار دولار، مقارنة بـ 37 مليار دولار تقريبا في الربع الأول من 2020. التفاؤل بانتشار اللقاحات، وانخفاض أسعار الفائدة في الدول المتقدمة، وحزم التحفيز المالي الجديدة، قادت البورصات العالمية إلى أكثر من 600 طرح عام أولي، وهو أكبر رقم مسجل على الإطلاق في الشهور الثلاثة الأولى من بداية أي عام، حسبما سبق وذكرت بلومبرج. ورغم هذا الازدهار، فإن شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص التي قادت الطفرة الضخمة في نشاط الطروحات، أصبحت تواجه قيودا تنظيمية على نحو متزايد مؤخرا، فيما ترتفع تكاليف الاقتراض في ظل الارتفاع الكبير في عوائد سندات الخزانة الأمريكية.
الشركات تدرك أهمية الاكتتاب في أسواق المال، وكفاءة زيادة رأس المال من خلال الطروحات العامة الأولية في البورصة، حسبما قالت ستاسي كونينجهام رئيسة بورصة نيويورك يورونكست في تصريحات لبلومبرج (شاهد 9:39 دقيقة). وسارعت الشركات أيضا إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام في الأشهر الماضية للاستفادة من ارتفاع طلب المستثمرين والتقييمات غير المسبوقة للأسهم. وبدأت أوروبا كذلك في الخروج من فترة ركود الطروحات العامة التي امتدت لعامين، إذ جمعت شركة فانتدج تاورز التابعة لفودافون نحو 2.8 مليار دولار عبر طرح في بورصة فرانكفورت خلال مارس.
لكن هل تنفجر فقاعة شركات الاستحواذات ذات الغرض الخاص؟ أكثر من نصف حصيلة الطروحات منذ بداية العام الجاري تمت من خلال شركات الاستحواذ غرض الخاص (SPACs)، والتي ليس لها أي نشاط فعلي سوى جمع الأموال عبر طروحات البورصة بغرض الاستحواذ في المستقبل على شركات غير مدرجة، دون حتى تحديد ماهية الشركات المستهدف الاستحواذ عليها. جمعت شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص مبالغ مذهلة من المال في الشهور الأخيرة رغم المخاطر الواضحة التي تنطوي عليها. وبينما تجمع شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص المزيد والمزيد من الأموال، فإن 75% منها لم تعلن بعد عن أي شركة تستهدف الاستحواذ عليها، وسيكون عليها إعادة الأموال التي جمعتها إذا لم تتمكن من إتمام أي استحواذ خلال عامين. وإذا نجحت تلك الشركات في تنفيذ استحواذ، فإن ذلك يعني طروحات أقل محتملة في المستقبل، لأن كل استحواذ على شركة خاصة يضيع فرصة طرحها للاكتتاب العام.
الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة تخشى من نهاية مأساوية لحُمى شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص. وطلبت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية مؤخرا معلومات من عدد من بنوك وول ستريت حول مشاركتها في أنشطة الاكتتاب بشركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص، وكيف تدير البنوك المخاطر في تلك الأنشطة. وبدأ المراهنون على تراجع الأسهم في الدخول في ما يبدو على نحو متزايد سوقا هابطة، إذ أن نشاط الاقتراض بغرض البيع الذي يراهن على تراجع أسهم شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص قد تضاعف ثلاث مرات منذ بداية العام، لتصل قيمته الإجمالية إلى 2.7 مليار دولار.
وكذلك الطروحات العابرة للحدود قد تنطوي على مخاطر خفية: الطفرة في نشاط الطروحات العابرة للحدود والتي تقودها الصين، مدفوعة بالمزيد والمزيد من الشركات الأجنبية الباحثة عن تقييمات مرتفعة ومستثمرين ذوي خبرة في الولايات المتحدة، لكن ذلك يأتي بمجموعة من المخاطر، حسبما كتب بورك ماسترز في مقال بصحيفة فايننشال تايمز. أكثر من 40% من الطروحات في الولايات المتحدة هذا العام كانت لشركات غير أمريكية، وهي أعلى نسبة خلال 20 سنة تقريبا، وفقا لبيانات شركة ريفنتيف. ويجد المستثمرون الأمريكيون تلك الطروحات جذابة لأنها تمنحهم فرصة النمو في الأسواق الخارجية من خلال بورصاتهم المحلية. إلا أن هذه الاستثمارات ربما تحمل مخاطرة أكبر، لأن تلك الشركات عرضة لتغييرات يصعب توقعها في ما يتعلق بالقواعد والإجراءات التنظيمية في بلدانها، كما يمكن للهيكل التنظيمي لتلك الشركات أن يحد من حقوق مساهمي الأقلية.
شركة آر إل إكس تكنولوجي مثال حي على ذلك: في الأسبوع الماضي، تراجع سهم الشركة التي تعد أكبر مصنعي السجائر الإلكترونية في الصين والمدرجة ببورصة نيويورك بصورة كبيرة، بعد صدور تقارير تقول إن بكين ستشدد القيود على تدخين السجائر الإلكترونية. وتجدر الإشارة إلى أن سعر سهم الشركة قد تضاعف يوم طرحه بالبورصة في وقت سابق من هذا العام. وكذلك تضررت أسهم الشركات الصينية الأخرى المدرجة في بورصات الولايات المتحدة، بعد إعلان أن إدارة بايدن ستمضي قدما في خطط الرئيس السابق ترامب، التي تهدف لشطب الشركات الصينية من بورصات الولايات المتحدة بسبب الافتقار للشفافية المالية، بحسب مسؤولين أمريكيين.
المزيد من التقلبات المتوقعة: يتزايد قلق المستثمرين من التحول بعيدا عن شركات التكنولوجيا وما يسمى بـ "أسهم البقاء في المنزل"، وهي تلك التي استفادت من إجراءات الإغلاق المصاحبة لـ "كوفيد-19". ويمكن أن يؤدي ارتفاع عوائد السندات الأمريكية إلى جذب المستثمرين بعيدا عن أسواق الأسهم أيضا. وقال لويس جرانت مدير المحافظ لدى الذراع العالمية لشركة فيديريتد هيرميس، إن "الطلب على الطروحات لا يزال مرتفعا، رغم أن ارتفاع العوائد قد يعني مراجعة بعض التقييمات المرتفعة للأسهم عند الطرح". وكان أحد المؤشرات التي تتبعت أسهم شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص قد تراجع بنسبة 17% مقارنة بأعلى مستوياته في فبراير، ما يشير إلى أن منحنى الصعود لأحد أهم محركات نشاط الطروحات العامة لم يصعد مجددا.