ما بعد الوباء: اقتصاد بلا عولمة
هل تعكس الجائحة تيار العولمة؟ تسبب العام الماضي في إبطاء تدفقات التجارة العالمية، مما أجبر الشركات والمستهلكين على حد سواء على التفكير والإنفاق بشكل محلي أكثر، وبالتالي تسريع عملية تراجع عولمة الاقتصاد. ومع الإغلاق الذي عرقل السفر ونقل البضائع بطريقة لم يكن لنا أن نتخيلها من قبل، هل يُحدث 2020 تحولا دائما في تدفق السلع والبشر والأفكار عبر الحدود؟
سلطت "كوفيد-19" الضوء على عيوب سلسلة التوريد المعتمدة على الصين، مما دفع إلى إعادة التفكير في العقلية التقليدية التي تدفع الاقتصاد في عصر العولمة إلى الجري خلف أقل تكاليف للإنتاج أينما كان مكانها. وبصفته رئيس غرفة التجارة بالاتحاد الأوروبي في الصين، قال يورج ووتكي لوكالة بلومبرج: "طريقة العولمة التي تضع كل شيء حيث الإنتاج أكثر كفاءة.. لقد انتهت". لكن بصرف النظر عن الوباء، هناك حروب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك العقوبات المفروضة على هواوي والتي تمنعها من استخدام التكنولوجيا الأمريكية، وهو ما يعني أن الشركات عليها البحث عن بدائل محلية. ومع تسارع تراجع العولمة، من المحتمل أن نشهد تكرارا لما حدث مع هواوي في دول أخرى، وأن تعود النظريات الاقتصادية التنموية مثل "الدفعة القوية"، التي تشجع الاقتصادات النامية على توجيه نفسها بعيدا عن التصدير ونحو الأسواق المحلية.
من ناحية أخرى، ربما ينتهي الأمر بالوباء إلى إلهامنا بنوع مختلف من العولمة. ويوضح مؤشر الارتباط العالمي لعام 2020 لشركة دي إتش إل للشحن أنه بينما انخفضت تدفقات رأس المال على مستوى العالم وتراجعت حركة الأشخاص إلى مستوى شوهد آخر مرة في عام 1990، شهدت حركة الإنترنت عبر الحدود زيادة بنسبة 48% من منتصف عام 2019 إلى منتصف عام 2020، وهو ما يمكن أن يعزز أنشطة التجارة الإلكترونية. ووجد التقرير أيضا أن النشاط التجاري قد انتعش بسرعة أكبر من المتوقع منذ الربيع، إذ وصل إلى 3-4% فقط أقل من مستوياته قبل انتشار الفيروس. وفي حين أن هذه قد تكون ظاهرة مؤقتة بسبب التخزين، يتوقع بنك إتش إس بي سي أن تنتعش التجارة العالمية في عام 2021، مع حدوث بعض التعديلات في سلاسل التوريد إثر تطلع الشركات إلى التحوط ضد المخاطر المستقبلية من خلال التوسع إلى قواعد متعددة وتوفير المزيد من المواد محليا.
بالنسبة للأسواق الناشئة مثل مصر، فالاقتصاد غير المعتمد على العولمة يمكن أن يفرض قيودا خطيرة على النمو، خاصة بالنسبة للصناعات التي تعتمد بشكل كبير على المواد المستوردة. ولا تزال نسبة الصادرات العالمية إلى الناتج المحلي الإجمالي تواصل الانخفاض، إذ تراجعت 5% عن الأزمة المالية العالمية في 2008 إلى 2020، مما يشير إلى تراجع النمو المرتبط بالتجارة. وقد يؤدي ذلك إلى توجيه ضربة قوية للاقتصادات النامية التي تحاول اللحاق بنظيرتها الغربية من خلال الاعتماد على النمو الذي تقوده الصادرات. ومن ناحية أخرى، كتب شريف كامل عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن إزالة العولمة يمكن أن تقدم فرصة للصناعات التحويلية في مصر، مع بحث الشركات الإقليمية عن موردين أقرب إلى الأسواق النهائية، مما يسمح لمصر بالعمل كبوابة إلى أفريقيا وترسيخ نفسها بقوة أكبر في سلاسل العرض الإقليمي.