البنك الدولي يطالب الحكومة بدعم التجارة وتحقيق الشفافية لجذب الاستثمارات الخاصة
الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة لم تظهر فوائدها على القطاع الخاص في مصر بعد. ورغم الاستقرار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في الأعوام الأخيرة، يتعين على صانعي السياسات إجراء المزيد من التغييرات الهيكلية كي تتمكن البلاد من جذب المزيد من الاستثمار الخاص، بحسب ما قاله البنك الدولي في تقرير له صدر أمس (بي دي إف). وأشار التقرير إلى أن حصة الاستثمار الخاص في الاقتصاد المصري آخذة في الارتفاع لكنها ما زالت أقل من المتوسط التاريخي، على الرغم من النمو الاقتصادي القوي وتحسن أوضاع المالية العامة. ولفت التقرير أيضا إلى أنه في حين أن مصر تعد حاليا الوجهة الأولى للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا، فإن التدفقات الوافدة إليها لا تزال منخفضة، بل وآخذة في التراجع وفق المعايير العالمية.
تعويم الجنيه فشل أيضا في تحفيز الصادرات: رغم أن قرار تعويم الجنيه في عام 2016 قلل من العجز التجاري للبلاد، فإن الشركات المصرية واجهت صعوبات في المنافسة على المستوى الدولي، كما أن الإيرادات لم تقترب من عائدات الدول النظيرة، وظل عدد المصدرين متراجعا بشدة، إذ بلغت نسبة المصنعين الذين يصدرون منتجاتهم للخارج 9% فقط.
لماذا؟ أوضح البنك الدولي أن مصر لديها القدرة على التطور لتصبح مركزا للتجارة في المنطقة، إلا أن العوائق الجمركية وغير الجمركية تقف في طريق الشركات المحلية لكي تصبح قادرة على المنافسة دوليا وتندمج في سلاسل القيمة العالمية. وأشار التقرير إلى اختناق المنافسة المحلية وارتفاع الأسعار واتجاه الشركات لتركيز جهودها محليا بسبب تعريفة الاستيراد، التي تبلغ في المتوسط الآن 19%، وهو ما يجعل الاقتصاد المصري ثاني أكثر الاقتصادات حماية في العالم. ولفت إلى وجود عدد كبير من العوائق غير الجمركية، مثل بطء التخليص الجمركي وانتشار البيروقراطية وتدني مستوى البنية التحتية، وهو ما يعيق تطور الصناعات المحلية ويحد من الاستثمار الأجنبي.
المزيد من تكافؤ الفرص: يرى البنك الدولي أن الاستثمار الخاص والأجنبي في مصر لا يجد لنفسه مجالا للمنافسة أمام المؤسسات المملوكة للدولة، والتي يؤدي وجودها في كل قطاع تقريبا إلى "تأصيل مفهوم التوسع المفرط". وقال التقرير إن الإعفاءات الضريبية الانتقائية لصالح المشاريع التابعة للدولة، وضعف التشريعات الخاصة بمكافحة الاحتكار، ونقص المعلومات العامة حول المؤسسات المملوكة للدولة، كل هذا يثير مخاوف بشأن نزاهة المنافسة في السوق المصرية. وأشارت مؤلفة التقرير هدى يوسف، التي تشغل منصب كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، خلال مؤتمر صحفي أمس إلى أن "الرسالة الرئيسية ليس مفادها أن المؤسسات المملوكة للدولة شيء سيء، بل الصعوبة التي تواجه المستثمرين في اتخاذ قرارات مدروسة بشأن أوضاع السوق أو قطاع معين بسبب غياب المعلومات المالية العامة".
الالتزام بتحقيق التعاقدات: يعتبر التعارض في تنفيذ العقود في المحاكم المصرية من العوامل التي تصعب على الشركات التنبؤ بظروف ببيئة الأعمال، مما يجعلها غير واثقة تماما بشأن وضعها القانوني. هذا بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف، وانتشار التأخير على نطاق واسع، مما يجعل الشركات الأجنبية في حالة من عدم يقين، ويعيق وصول معظم الشركات الصغيرة إلى النظام القضائي. وأكد التقرير أن كل هذه الأمور تمثل عوائق رئيسية أمام القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر، إذ يعد التدقيق القانوني وإمكانية التنبؤ شرطين أساسيين لإيجاد بيئة أعمال سليمة.
الشفافية والتجارة كمفاتيح للنجاح: قال البنك الدولي في التقرير إن تعزيز شفافية البصمة الاقتصادية للدولة وإزالة العوائق أمام التجارة سيسهم بشكل كبير في تحويل الصناعات المحلية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. وأشار إلى أن تحسين البنية التحتية لقطاع النقل وتبسيط الإجراءات والرسوم الجمركية، وأيضا تحديث نظام التقاضي سيساعد في جذب مزيد من رأس المال إلى البلاد. وأضاف التقرير أن القطاع الخاص بحاجة إلى أن يلعب دورا أكبر في صنع السياسات، مطالبا الحكومة بالتواصل بشكل أكبر مع الشركات بالتزامن مع بدء المرحلة الثانية من عملية الإصلاح الاقتصادي.
أحد الأهداف الرئيسية للبرنامج الذي أطلقه صندوق النقد الدولي مؤخرا يتمثل في جعل بيئة الأعمال أكثر ملاءمة للقطاع الخاص. وينص قرض اتفاق الاستعداد الائتماني الذي أقره مجلس إدارة الصندوق لمصر بقيمة 5.2 مليار دولارفي يونيو الماضي على إجراء المزيد من الإصلاحات الهيكلية المصممة لتحفيز نمو القطاع الخاص، بما في ذلك تحسين الشفافية في ما يتعلق بالمؤسسات المملوكة للدولة والحد من الروتين.
*** انتظرونا: في نشرة الغد تجدون المقابلة الحصرية والموسعة التي أجرتها إنتربرايز مع مؤلفة التقرير هدى يوسف، كبيرة الاقتصاديين لدى البنك الدولي.