هل مصر في طريقها لأن تكون مركزا إقليميا لنقل البيانات؟
هل تصبح مصر مركزا إقليميا لنقل البيانات؟ الجزء الأول -وضع مراكز البيانات: تضع الحكومة على رأس أولوياتها ترسيخ مكانة مصر كمركز لنقل البيانات. وفي 2018، ألمح وزير الاتصالات السابق ياسر القاضي إلى استراتيجية قومية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للبيانات، وذلك بعدما أعلنت الشركة المصرية للاتصالات المملوكة للدولة أنها تستهدف وصول مساهمة إيرادات مراكز البيانات بالشركة إلى 25% من إجمالي إيراداتها خلال 5 سنوات. وكان من المتوقع أن يرتفع إجمالي الإنفاق في مصر على تكنولوجيا المعلومات بمعدل نمو سنوي مركب قدره 18.6% ليصل إلى 87.7 مليار جنيه خلال الفترة من 2019 حتى 2022، كما أن هناك المزيد من الاستثمارات الضخمة التي يجري تنفيذها في مراكز البيانات. لكن التحول إلى مركز للبيانات، يستوجب تحسين فعالية التكلفة والبنية التحتية، وجذب كبار المستثمرين، وفق ما ذكرته مصادر لإنتربرايز. وفي الجزء الأول من هذه السلسلة، نسلط الضوء على الوضع الحالي لمراكز البيانات في مصر.
وتهدف استراتيجية الحكومة إلى زيادة عدد مراكز البيانات والاستثمارات فيها بالبلاد: تتضمن استراتيجية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات جذب المزيد من الاستثمارات في صناعة مراكز البيانات بمصر واستقطاب المزيد من مراكز البيانات العالمية إلى البلاد، وفق ما أعلنه القاضي في 2018 خلال قمة مستقبل صناعة مراكز البيانات.
ما هو المقصود بمراكز البيانات؟ مركز البيانات هو مرفق مادي تستخدمه المؤسسات لاستضافة التطبيقات والبيانات المهمة، حسبما توضح شركة سيسكو. مراكز البيانات الخاصة بالشركات أنشأها ويمتلكها ويشغلها مؤسسات منتجة للبيانات في أماكن عملها. وتدار مراكز بيانات الخدمات المدارة بواسطة طرف ثالث، إذ تقوم المؤسسات المنتجة للبيانات بتأجير المعدات والبنية التحتية. وتستضيف مراكز البيانات المشتركة البيانات للعديد من الكيانات المنتجة للبيانات، وتوفر الطاقة والتبريد والتأمين لاستضافة الأجهزة والخوادم "السيرفرات". وتستضيف مراكز البيانات السحابية البيانات والتطبيقات عبر مزودي الخدمة السحابية (التخزين الافتراضي) مثل أمازون ويب سيرفسيز (AWS) ومايكروسوفت (أزور) وآي بي إم كلاود.
كيف يمكن تحديد حجم الطلب على المزيد من مراكز البيانات في مصر؟ لا نستطيع، وفق ما صرح به عمرو فاروق رئيس قمة مراكز البيانات لإنتربرايز. وتابع "يعكس الاستثمار الهائل في الأجهزة والبرامج لبناء مراكز البيانات هنا أن الطلب مرتفع، ولكن هذه هي أداة القياس الوحيدة لدينا حاليا". ويعتقد فاروق أن توافر لمحة عامة أو نظرة شاملة لإجمالي الطلب سيكون ذا قيمة للسوق.
وربما يصل إجمالي استثمارات الحكومة والقطاع الخاص في سوق مراكز البيانات بالسوق المحلية خلال العامين الماضيين إلى مليار دولار، حسبما ذكر فاروق.
مصر في وضع مثالي للهيمنة على سوق مراكز البيانات على الصعيد الإقليمي: من المتوقع أن تحقق عائدات سوق مراكز البيانات في القارة الأفريقية معدل نمو سنوي مركب يزيد عن 12% في الفترة 2019-2025، لتتخطى 3 مليارات دولار. وبحلول عام 2025، قد يصل إجمالي الاستثمار في البنية التحتية لمراكز البيانات إلى حوالي 7 مليارات دولار. وتقود مصر، إلى جانب جنوب أفريقيا وكينيا والمغرب ونيجيريا، هذا النمو. لكن البداية ضعيفة، إذ يوجد في أفريقيا 69 مركزا للبيانات في 13 دولة، مقارنة بـ 135 مركزا في الشرق الأوسط في 16 دولة، و1257 مركزا في 23 دولة في أوروبا الغربية و1974 مركزا في أمريكا الشمالية.
مصر في موقع استراتيجي يؤهلها لقيادة أسواق مراكز البيانات في أفريقيا والشرق الأوسط، حسبما يقول شريف المصري، العضو المنتدب لشركة التكنولوجيا كورنيت إلفيتيد ومقرها الولايات المتحدة. ويضيف المصري أن محتوى الفيديو الذي يبث في أفريقيا قادم إما من أوروبا أو من آسيا، أي أن تلك البيانات تحتاج إلى الانتقال من هناك. وموقع مصر الجغرافي في المنتصف يؤهلها لتأسيس مراكز بيانات هنا تقلل وقت وتكلفة نقل البيانات بنحو النصف. ويرى المصري أن توفر العمالة الماهرة، والطاقة النظيفة، والعدد المحدود لمراكز البيانات في المنطقة، كل ذلك يجعل نقل البيانات مجالا واعدا بالنسبة لمصر.
تتركز مراكز البيانات في مصر وعددها 13 مركزا بشكل أساسي حول القاهرة: ويمتلك هذه المراكز ويقوم بتشغيلها الشركة المصرية للاتصالات، وإي جي آي دي، وإي سي سي سولوشنز، ولينك، وإيجيبت نتوورك، وراية، ولايف، وجي بي إكس، وسيتي نت، واتصالات.
تختار المؤسسات مراكز البيانات الخاصة بها بناء على الحاجة إليها، وفق ما صرح به يوسف أمين مدير بيانات السوق في شركة مصر لنشر المعلومات (إي جي آي دي)، التي تمتلك وتدير واحدا من الـ 13 مركزا السابق ذكرها أعلاه. تستضيف إي جي آي دي حوالي 150 تيرابايت من البيانات وتخدم نحو 120 مؤسسة.
وغالبا ما تفضل البنوك وغيرها من المؤسسات الكبرى في مصر مراكز البيانات المشتركة، لأنها في حاجة إلى بنية تحتية موثوقة ومساحة كبيرة لأجهزتهم، حسبما يوضح أمين. وأضاف أنه في ضوء تعامل أن هذه الكيانات مع معلومات حساسة، فإن المخاوف بشأن خصوصية البيانات ربما تجعلهم أيضا حذرين من استخدام نظم التخزين السحابية.
وتميل الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الموارد الأقل إلى مراكز البيانات المدارة: يقول أمين إن الشركات الصغيرة والمتوسطة على الأرجح تستخدم الأجهزة الافتراضية التي توفرها مراكز البيانات أو الاستضافة السحابية لأن متطلباتهم من السعة تكون أقل. ويدير مركز البيانات كل شيء، من إدارة الخوادم إلى الاتصال بالشبكة والطاقة، وحتى توفير الوصول إلى الخوادم.
بالنسبة للشركات التي تعتمد على البيانات مثل أرقام إف سي، يصل التخزين السحابي إلى المستوى المطلوب من سهولة الوصول وكفاءة التكاليف: تخزن أرقام إف سي تقريبا كل البيانات الخاصة بها على أمازون ويب سيرفيسيز، ومقرها الاتحاد الأوروبي، وفق ما ذكره الرئيس التنفيذي للشركة على الفخراني. يتضمن ذلك تخزين بيانات تقدر سعتها بعشرات التيرابايت، وتزداد الكمية كل ثانية. وأضاف أن الشركة تنفق مئات الآلاف من الدولارات على تخزين البيانات سنويا، لكنها تكلفة مستحقة. عند اختيار مزود لتخزين تعطي الشركات الأولوية للوصول إلى البيانات والتكلفة ودعم المجتمع: "نريد أن نكون قادرين على الوصول إلى بياناتنا بنسبة 100% طوال الوقت. التكلفة عامل مهم. نحن نحتاج إلى متعهد موثوق ومعروف مجتمعيا يمكننا الاعتماد عليه في الحصول على الأدوات والمستندات"، وفق الفخراني.
وقد تستفيد الشركات متعددة الجنسيات من خدمات مختلفة، اعتمادا على البنية التحتية والتصميم: قد يلجأ البعض إلى تخزين كل البيانات على السحابة، لكن آخرين يكون لديهم خوادم ثانوية في مصر والخارج، وفقا لأمين. وتابع "لكن ذلك يتوقف على تطبيقاتهم أيضا. إذا كانوا يستضيفون بشكل أساسي أشياء كالبريد الإلكتروني فيكون تخزينها سحابيا، ولكن إذا كانت لديهم تطبيقات معقدة يرغبون في تخزينها محليا، فيمكنهم اختيار مركز بيانات محلي في مصر".
ومن المنطقي أن نتصور أن العديد من الشركات المصرية المحلية تعتمد على نفسها في تخزين البيانات الخاصة بها، بحسب المصري، والذي أضاف "بما أنه لا يوجد الكثير من مراكز البيانات فإن المؤسسات يجب أن تمتلك وحدات التخزين الخاصة بها".
القطاع لا يزال صغيرا جدا للتحول إلى مركز بيانات إقليمي: تعد مراكز البيانات الحالية في مصر صغيرة نسبيا، فكل منها يوفر ما يصل إلى 250 حاملا لتخزين الخوادم – ما يقرب من واحد ميجاوات من الكهرباء – حسبما أفاد أحد المصادر لإنتربرايز. ومعظم هذه المراكز تعمل منذ 15- 20 عاما. وأوضح المصدر أن مراكز البيانات العملاقة، المطلوبة لتخزين البيانات كبيرة الحجم والتخزين السحابي، تتطلب نحو 1000 حامل على الأقل، ما يعادل 4 ميجاوات من الكهرباء. "كي تصبح مصر مركزا للبيانات، فهي تحتاج مراكز بيانات ضخمة تسمح بالتوسع السريع. لن يهتم مقدمو الخدمات السحابية أو خدمات بث المحتوى عبر الإنترنت، واللذان يسيطران على حركة ومحتوى الإنترنت، بمراكز بيانات صغيرة الحجم"، كما يقول المصري.
وثمة استثمارات ضخمة حاليا في مراكز بيانات جديدة: تتطلع شركة الاتصالات الأفريقية ليكويد تيليكوم إلى زيادة استثمارات ذراعها لمراكز البيانات في مصر، وذلك بعد عامين من إعلانها عن خطة استثمارية مدتها ثلاث سنوات بقيمة 400 مليون دولار لتطوير البنية التحتية لمراكز البيانات في مصر. وأعلنت المصرية للاتصالات عن بناء مركز بيانات ضخم في القرية الذكية يتسع لألفي حامل خوادم، وذلك ضمن خطتها لضخ استثمارات بنحو 17 مليار جنيه والتي أعلنتها في عام 2019، كما تعتزم بناء من 4 إلى 5 مراكز بيانات. ووقعت المصرية للاتصالات ونوكيا في مارس الماضي اتفاقيتين لإنشاء أول بنية تحتية سحابية في مصر حصريا لخدمات إنترنت الأشياء، باستخدام شبكة (WING) العالمية لإنترنت الأشياء والتابعة لنوكيا كمنصة لإطلاق خدمات إنترنت الأشياء لقطاع الأعمال خلال هذا العام. وكذلك تعاقدت الشركة مع مايكروسوفت العالمية لإنشاء أول شبكة سحابة حاسوبية في البلاد. وووقعت شركة أورنج اتفاقية إنشاء تشغيل وإدارة مركز بيانات جديد في العاصمة الإدارية لمدة 5 سنوات باستثمارات 135 مليون دولار.
وبينما يرى البعض أن الخيار الأمثل هو تخزين كل شيء في السحابة، فإن كل شيء يتوقف في النهاية على البنية التحتية والفعالية من حيث التكلفة، بحسب المصادر. المزيد من التفاصيل في هذا الصدد في الجزء الثاني من هذه السلسلة.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- السكة الحديد بين مصر والسودان: وافق الصندوق الكويتي للتنمية من حيث المبدأ على تمويل خط السكك الحديدية الذي يربط مصر والسودان بطول 900 كيلومتر.
- خطوط المونوريل: تبدأ شركة بومباردييه في تصنيع قطارات خطي المونوريل للعاصمة الإدارية الجديدة والسادس من أكتوبر في الربع الأول من العام 2021.
- محطة فرز البلاستيك: تعتزم شركة بريق التابعة لراية القابضة تأسيس أكبر محطة فرز للبلاستيك في مصر والأسرع في العالم بالسادس من أكتوبر، بعد أن حصلت على تمويل من شركة كوكاكولا.
- الميناء الجاف في 6 أكتوبر: تحالف "السويدي-شينكر-ثري أيه إنترناشونال" يوقع خلال أسبوع عقود مشروع الميناء الجاف في مدينة 6 أكتوبر باستثمارات 176 مليون دولار مع الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة، وفقا لجريدة البورصة.
- مركز تحكم وتوزيع الكهرباء بالحلمية: وقعت الشركة القابضة لكهرباء مصر عقدا مع تحالف السويدي وتويوتا لإنشاء مركز تحكم وتوزيع الكهرباء بقطاع الحلمية بقيمة 90 مليون دولار، بتمويل من وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا)، حسبما ذكرت جريدة المال.
- مركز قومي للتحكم في الكهرباء بالعاصمة الإدارية: وقع تحالف مكون من شركتي سيمنس الألمانية وحسن علام للإنشاءات أمس الثلاثاء عقدا مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء لإنشاء مركز ذكي للتحكم القومي في الكهرباء بالعاصمة الإدارية الجديدة، باستثمارات تصل إلى 838 مليون جنيه.