كيف تتغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة على ارتفاع إيجارات المكاتب؟
كيف تتغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة على ارتفاع إيجارات المكاتب؟ أصبحت مشكلة استئجار مقار للشركات أزمة في السنوات الأخيرة خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة وسط ارتفاع سريع للأسعار التي يقدمها ملاك المنشآت التجارية. وفي حين تستطيع الشركات الكبيرة أن تتكيف مع ارتفاع الإيجارات، وهو ما دفع العديد من الشركات الأخرى لارتكاب مخالفات بينها القيام بأعمالها في شقق سكنية. ومؤخرا ظهر حل بديل للشركات الصغيرة والمتوسطة وهو المساحات المكتبية المشتركة. ونتناول في هذا العدد من هاردهات جذور المشكلة وما هي الأسباب التي جعلت الشركات الصغيرة مستبعدة من سوق العقارات التجارية.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية قفزت إيجارات العقارات. وارتفع سعر العقار في القاهرة، وهو الأعلى في أنحاء مصر، بنسبة 18.5% في المتوسط ما بين 2017 و2019، ليبلغ 22.36 دولار لكل متر مربع، بحسب تقرير لـ “فيتش سوليوشنز” عن الربع الثالث من 2020. ومن المتوقع أن تواصل الأسعار الارتفاع في العام الجاري بنسبة 13.5% لتصل إلى 25.37 دولار للمتر المربع خلال عام واحد فقط. وشهدت أسعار العقارات في الجيزة والإسكندرية، رغم كونها أقل تكلفة من أحياء بالقاهرة، زيادات ملحوظة. وارتفع متوسط سعر المساحات المكتبية في الإسكندرية بأكثر من 20% ليسجل 13.57 دولار للمتر المربع بينما بلغت الأسعار في الجيزة 13.42 دولار للمتر المربع بزيادة 13.6% عن 2017. ومثل القاهرة، توقعت “فيتش” زيادة كبيرة في المحافظتين العام الجاري بنسبة 7.6% في الإسكندرية لتصل 14.6 دولار للمتر المربع وفي الجيزة بنسبة 8.8% لتصل 14.6 دولار للمتر المربع.
ما السبب؟ أسعار الأراضي بشكل أساسي. يقول رئيس غرفة التطوير العقاري في اتحاد الغرف التجارية المصرية طارق شكري إن أسعار الأراضي التي تقدمها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لإنشاء عقارات سكنية في القاهرة الجديدة تعد أرخص 3 مرات عن الأراضي المتاحة للنشاطات الأخرى. وفي الوقت نفسه، فإن طلب الشركات على الأراضي في القاهرة الجديدة يعد بين الأعلى في أنحاء مصر، وفقا لشكري.
وشجع ذلك المطورين العقاريين على إنشاء عقارات سكنية، في حين تمكن كبار المطورين فقط من إنشاء عقارات تجارية ومكاتب بفضل وجود سيولة كافية لسداد التكاليف الباهظة للأراضي والتراخيص اللازمة، بحسب شكري. ويضيف أن ذلك خلق فجوة بين العرض والطلب وسط صراع بين الشركات حول المساحات المكتبية القليلة.
ويتركز الطلب في القاهرة الجديدة بالتحديد، حيث تقبل البنوك والمؤسسات الاقتصادية وكبرى الشركات على الانتقال إلى هناك بفضل القرب من مطار القاهرة الدولي ووجود خدمات أفضل ووفرة الوحدات الجديدة، بحسب فيتش. وعلى الرغم من صعوبة تحديد عدد الوحدات المتاحة، يظهر موقع بروبرتي فايندر أن هناك 774 وحدة متاحة في أنحاء القاهرة بينها 500 في القاهرة الجديدة وحدها، يليها حي المعادي ومن ثم المناطق الأخرى في أنحاء العاصمة.
وعلى الضفة الأخرى من نهر النيل، تقول فيتش إن معظم العقارات المتاحة في محافظة الجيزة تعود لعشرين وثلاثين عاما مضت وعفا عليها الزمن وهو ما يثني الراغبين في الاستئجار عن التوسع هناك. ومع ذلك يظل الطلب من المستأجرين المحليين والأجانب على حد سواء هناك بفضل انخفاض الأسعار مقابل جودة المعروض مقارنة بالقاهرة، وخاصة منطقة الشيخ زايد.
وشمالا إلى البحر المتوسط، يعد تضخم أسعار العقارات التجارية في الإسكندرية متوسطا ويعتبر الأقل بين المناطق التي تناولها تقرير فيتش. ولكن لا يتوقع الخبراء في القطاع أن يدوم ذلك طويلا في ضوء زيادة الطلب هناك مع تدشين مدينة العلمين الجديدة المجاورة، مرجحين ارتفاع الأسعار إذا ظل المعروض عند المستويات الحالية.
ومن المتوقع أن يزيد حي الأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة من المعروض في القاهرة، ولكنها لن تكون رخيصة الثمن. ومن المتوقع الانتهاء من الحي في 2022 وسينافس القاهرة الجديدة في تقديم المساحات المكتبية الأعلى سعرا. ومن المتوقع أن تتراوح الأسعار بين 19.1 و31.7 دولار للمتر المربع بمتوسط قدره 25.4 دولار للمتر المربع.
ولسنوات تحايلت شركات صغيرة ومتوسطة وناشئة على ارتفاع أسعار المساحات المكتبية بالقيام بأعمالها في المباني والشقق السكنية، بحسب خالد إسماعيل، مؤسس ورئيس صندوق كيانجل للاستثمار الملائكي في الشركات الناشئة في طورها الأول. ومع عدم وجود إحصائيات يمكن معرفة عدد الشركات المخالفة بمراجعة الأحياء السكنية. ففي مدينة نصر والمهندسين، لا يزال سائدا قيام أطباء باستئجار شقق سكنية لإقامة عيادات، فيما أقامت العديد من الشركات مصانع داخل شقق بوسط البلد، وبينها مصانع للملابس.
وتعد ذلك مخالفة صريحة لقوانين تخطيط المناطق التي تحدد أغراض المباني في المناطق المختلفة سواء كانت إدارية أو تجارية أو سكنية، وفقا لشكري. وعلى سبيل المثال يقضي قانون البناء بوجوب أن يحتوي المبنى الإداري على جراج للسيارات للعاملين به وأن يحصل على موافقة من القوات المسلحة، وهو ما ليس مفروضا على العقارات السكنية. لذلك تقيم العديد من الشركات مقراتها في شقق سكنية.
وبسبب صعوبة تطبيق القانون استمرت تلك الممارسات دون توقف، وهو يرجعه إسماعيل لقلة التنسيق بين إدارات الدولة والشركات غير المسجلة رسميا. وعلى الرغم من أنها غير قانونية يمكن للشركات أن تؤسس داخل شقق سكنية وأن تستمر لسنوات قبل أن تصطدم بالسلطات المعنية، بحسب إسماعيل.
وحتى إذا رغبت الحكومة في تطبيق القانون يمكن أن يكون الوضع قد تعدى نقطة اللاعودة. ويوضح إسماعيل أن ذلك الوضع مستمر منذ عقود والآن من المستحيل تعديله. وتعمل مئات الآلاف من الشركات الصغيرة والمتوسطة إضافة لمحاسبين وأطباء من داخل شقق سكنية ويعد إخراجهم مهمة صعبة. وبجانب تعطيل أرزاق آلاف المصريين سيعزز ذلك من الفجوة بين العرض والطلب في سوق العقارات التجارية ويخفض من أسعار العقارات السكنية، على حد قوله، مضيفا أن الوضع القائم سيكون مفيدا للجميع.