"الأوروبي لإعادة الإعمار": الإجماع على "الحكومات الصغيرة" قد ينتهي .. وهو أمر ليس سيئا بالضرورة
الإجماع على "الحكومات الصغيرة" قد ينتهي، وهي الحكومات التي لديها تدخل أقل في الاقتصاد، وهذا ليس بالضرورة أمرا سيئا، وفقا لما قاله البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. وقال البنك، في تقرير حديث له، إن فيروس "كوفيد-19" يتسبب في حدوث تحول لدى الرأي العام في الاقتصادات الناشئة نحو تفضيل مشاركة اقتصادية أكبر للدولة وأن يكون لها دور أكبر في إدارة الأزمات العامة. وأشار التقرير إلى أن المؤسسات والبنوك المملوكة للدولة يمكن أن تتدخل بنجاح لتقديم المساعدة الاقتصادية والاجتماعية، شريطة أن تكون الدولة مجهزة بمؤسسات قوية وتتمتع بمستويات جيدة من الحوكمة.
لقد اتبعت الدول في جميع أنحاء العالم خلال هذا العام نهجا يتسم بمزيد من المشاركة العملية، إذ دفعت جائحة "كوفيد-19" الحكومات إلى اتخاذ إجراءات طارئة لحماية اقتصاداتها والحفاظ على الصحة العامة لمواطنيها. كذلك ارتفع العجز في موازنات تلك الدول بشكل كبير بعد أن لجأت الحكومات إلى مواردها المالية لتمويل الأجور، وإعانات البطالة، وسداد الديون، ودعم الشركات. كما أن العديد من المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي تخلت عن مواقفها المتشددة ماليا ودعت الحكومات إلى زيادة الإنفاق بشكل أكبر لمنع حدوث تراجع اقتصادي.
هناك أيضا شهية متزايدة لتدخل الدولة في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، إذ أبدى حوالي 45% من الأشخاص الذين يعيشون في اقتصادات ما بعد الشيوعية والذين شملهم الاستطلاع الذي أجراه البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية دعمهم لوجود لدولة أكبر، كما قال 33% من المشاركين في الاستطلاع من الذين يعيشون في الاقتصادات المتقدمة الشيء نفسه (ارتفاعا من 27% منذ عقدين سابقين). وأشار التقرير إلى أن الكثير من هذا التغير في الآراء يرجع إلى إضفاء الطابع الاجتماعي على المخاطر في الأعوام الأخيرة، والتي تحمل فيها الأشخاص من أصحاب الدخل المنخفض وطأة المخاطر الاقتصادية.
أشار التقرير إلى أنه يمكن للمؤسسات المملوكة للدولة أن تعمل كعامل استقرار للاقتصادات، وأن توفر فرص العمل في القطاع العام أثناء التراجعات الاقتصادية وفي المناطق الأكثر فقرا. وقال إن تلك المؤسسات يمكنها أيضا أن تتأكد من توفر خدمات مثل المرافق أو الاتصالات على نطاق واسع وبأسعار معقولة. إلا أنه حذر من أن وجود أوجه قصور وضعف في إدارة المؤسسات المملوكة للدولة يمكن أن يؤدي إلى عرقلة مسيرة النمو والإنتاج.
تزايدت أيضا أهمية البنوك المملوكة للدولة، إذ أن العديد منها يفرض معايير إقراض أقل تشددا، بالإضافة إلى انخفاض هوامش صافي أسعار الفائدة لديها، وقدرتها الأكبر على التحمل فيما يتعلق بالقروض المتعثرة. ومع ذلك، يمكن أن تكون تلك البنوك هي أيضا معرضة بشكل أكبر لأوجه القصور الناجمة عن التدخل السياسي مما يؤدي إلى ضعف النمو الاقتصادي، بحسب ما جاء في التقرير.
سيتعين أيضا على الدولة أن تقوم بدور نشط في دفعنا نحو الاقتصادات الصديقة للبيئة. قال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار إنه ينبغي على المناطق التي يتواجد بها أن تنشئ نقاط تحول إلى الاقتصاد الأخضر في خططها للتعافي من جائحة "كوفيد-19"، لا سيما وأن تلك المناطق عادة ما تخفق في تحقيق أهدافها الخاصة بالحد من انبعاث الكربون. ودعا البنك الحكومات إلى اتباع نهج أكثر "إقداما" لدعم الصناعات التي سيكون مستقبلها خالي من انبعاثات الكربون، وقال إنه سيحتاج إلى معالجة إخفاقات الأسواق من خلال طرح المزيد من المحفزات وتقديم المزيد من الدعم ووضع المزيد من اللوائح لإعادة تخصيص الموارد من أجل بناء اقتصاد أكثر اخضرارا.
تتوقف قدرة الاقتصادات الناشئة على تقديم سياسات ناجحة وسط التأثير المتزايد للدولة على جودة المؤسسات والحوكمة، وفقا للتقرير. ويمكن للمؤسسات الضعيفة أن تستنزف الموارد من المحتاجين إليها وأن تقع تحت سطوة الفساد والمحسوبية. أما على الجانب الآخر، فإن الحوكمة الجيدة من شأنها أن تقود مسيرة التحول نحو اقتصاد أكثر اخضرارا، كما أن مؤسسات الدولة التي تتسم بالشفافية والابتعاد عن السياسة والتي يكون لديها مسؤوليات محددة ستكون ضرورة إذا ما أرادت الحكومات أن تزيد من مشاركتها في توجيه مسيرة البلاد نحو الخروج من الأزمات الحالية.
وفي سياق ذي صلة، جاء ذكر البنك الأهلي المصري في مقال للرأي كتبه كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ونشرته صحيفة فايننشال تايمز، تحت عنوان "كوفيد-19 تجعل مشاركة أذرع الدولة أكثر ظهورا، ولكن هناك أيضا مخاطر ينبغي تجنبها.