الموسيقى: تاريخ من الفخر الوطني
عبد الحليم حافظ .. العندليب الأسمر الذي صب عواطفه في أغانيه: وصل المغني والملحن والممثل عبد الحليم حافظ إلى أوج شعبيته في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، لكنه لا يزال مرتبطا بصورة وثيقة في عقول كثير منا بالعصر الذهبي للسينما المصرية وثورة 1952. درس عبد الحليم في معهد الموسيقى العربية، ويعتبر من أعظم الموسيقيين الذين مروا على الوطن العربي. بدأت حياته المهنية كعازف للمزمار في الإذاعة المصرية، وهو ما كان تدريبا مفيدا له للتحكم في طريقة تنفسه كمطرب لاحقا.
ترسخت مكانة حافظ كرمز غنائي بسبب قدرته على إظهار المشاعر بصوته، والذي لم يكن قويا لتلك الدرجة، لكن إحساسه هو ما ميزه. ظهر في 16 فيلما موسيقيا تضمنت بعضا من أشهر أغانيه، مثل "أهواك" و"بتلوموني ليه"، كما عُرف بصوت ثورة 1952 بفضل أغانيه الوطنية.
أم كلثوم .. أيقونة موسيقية وثقافية لا تتكرر: بعد مرور ما يقرب من قرن على وصولها للقاهرة وبداية رحلتها الفنية، لا تزال أم كلثوم بحضورها الموسيقي وإرثها جزءا لا يتجزأ من الثقافة المصرية. يمكنك سماع أغنياتها في سيارات الأجرة والمحلات والمطاعم وخلال المناسبات العامة، ويشكل صوتها خلفية لصخب القاهرة، ويضمن إثارة المشاعر لدى المصريين بغض النظر عن عمرهم أو طبقتهم الاجتماعية.
شجاعتها الفنية ومدى صوتها كانا سببا في شعبيتها: كان لأم كلثوم صوت قوي ورنان مكنها من الأداء أمام جمهور كبير بدون ميكروفون. وكان لصوتها مدى كبيرا، وتلاعبت بالمقاييس والعبارات اللحنية المستخدمة في الموسيقى العربية التقليدية لإمتاع جمهورها. وصفت مغنية الأوبرا العالمية ماريا كالاس صوتها بأنه "لا يضاهى". وامتدت حياتها الفنية 60 عاما، سجلت خلالها ما يقرب من 300 أغنية، تناول معظمها موضوعات الحب والفقد والهوية الوطنية. استمدت أم كلثوم بعض أغنياتها من الشعر العربي، بينما جاء بعضها الآخر من الموسيقى المصرية الشعبية في الأربعينيات والخمسينيات.
هذا التنوع ساعد في تأجيج شعبيتها الواسعة: حظيت أم كلثوم بحب كل من النخبة وحشود العامة في المنطقة العربية، وكان من المعتاد خلو الشوارع خلال الموعد الأسبوعي لغنائها على الراديو والذي استمر قرابة 40 عاما. وجسدت القومية العربية أيضا، فكانت لديها علاقة استراتيجية قائمة على المنفعة المتبادلة مع جمال عبد الناصر، مكنت كليهما من تعزيز وجهات النظر المشتركة حول الوحدة العربية والهوية الوطنية. وكان التأثير الموسيقي العالمي لأم كلثوم عميقا كذلك، إذ وصفها روبرت بلانت المغني الرئيسي في فرقة ليد زيبلين بأنها "هزت مفهومه عن الغناء". لكن رغم ذلك لم تغني الفنانة المعروفة باسم "الهرم الرابع" في أوروبا سوى مرة واحدة فقط، وكان ذلك حين اعتلت مسرح الأولمبيا في باريس عام 1967، وهو ما قالت عنه بعدها إنه "ليس بإمكان أحد أن يصف مقدار اعتزازي عند زيارتي باريس، فقد وقفت في قلب أوروبا ورفعت صوتي باسم مصر".