هل تجتذب الجامعات الأهلية والدولية الجديدة في مصر الطلبة الراغبين في الدراسة بالخارج؟
هل تجتذب الجامعات الأهلية والدولية الجديدة في مصر الطلبة الراغبين في الدراسة بالخارج؟ يسعى الطلاب المصريون إلى الدراسة في الجامعات في الخارج خارج بأعداد متزايدة، ما يساهم في تدفق العملة الصعبة إلى خارج البلاد ويؤدي إلى ظاهرة "هجرة العقول". وللحد من تلك الخسائر تعمل وزارة التعليم العالي حاليا على وضع خطة لرفع جودة التعليم في الداخل، والإبقاء على الطلاب المصريين، إضافة لجذب الطلاب الأجانب، بحسب المتحدث باسم الوزارة، حسام عبد الغفار. وحققت خطط مشابهة نجاحات في دول لم تكن معروفة بجودة تعليمها الجامعي مثل الإمارات وقطر.. فهل تحقق نجاحا في مصر؟
وينفق حوالي 20 ألف طالب مصري ما يساوي 20 مليار جنيه للدراسة في الخارج حاليا، وفقا لتصريحات سابقة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي خالد عبد الغفار. وازداد عدد الطلاب المصريين في الخارج أكثر من 3 مرات خلال 20 عاما، من 8.8 ألف طالب في العام 2000 إلى 34.9 ألف في العام الدراسي 2018/2017 بحسب بيانات منظمة اليونسكو.
ويأمل العديد من طلاب أفضل المدارس الدولية بمصر أن يستكملوا دراستهم في جامعات الخارج، خاصة الأوروبية والأمريكية. ويستكمل حوالي 100% من خريجي مدرسة كايرو أمريكان كولدج دراستهم الجامعية في الخارج، ومن بينهم أكثر من 50% في الولايات المتحدة والباقي في كندا أو بريطانيا أو أوروبا وعدد أقل في آسيا أو أستراليا، بحسب مدير المدرسة جاريد هاريس. ويستكمل نحو 70% من خريجي المدرسة الأمريكية الدولية دراستهم الجامعية في الخارج سنويا، ومعظمهم يتجهون للجامعات الأوروبية، وفقا للمدير كابونو سيوتي. ومن بين خريجي مدرسة شوتز الأمريكية بالإسكندرية يتوجه ما بين الثلث والثلثين من الخريجين لاستكمال دراستهم الجامعية في الخارج، بحسب مساعد مدير المدرسة ماسيمو لاتيرزا. ويتفق سيوتي ولاتيرزا على أن معظم أولياء الأمور ممن يطمحون في استكمال أبنائهم الدراسة في الخارج يبدأون التفكير في الجامعات الأجنبية المقترحة مع بلوغهم الصف التاسع أو العاشر.
ومن بين الجامعات المصرية، لا يعتبر هؤلاء أولياء الأمور أي من الجامعات المصرية مناسبة لأبنائهم باستثناء الجامعة الأمريكية في القاهرة والجامعة الألمانية في القاهرة، طبقا لسيوتي. ويلتحق 25% من خريجي مدرسة شوتز بالجامعة الأمريكية في القاهرة ويليها الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، خاصة للطلاب ممن لا يود أولياء أمورهم أن يسافروا بعيدا أو ممن لديهم ميزانية أقل، حسبما يقول لاتيرزا.
ويعتبر العاملون في دول الخليج من أهم عوامل زيادة عدد الطلاب المصريين الدارسين بالخارج، إذ يدرس نحو ثلث الطلبة المصريين في الخارج بدول الخليج العربي، خاصة في السعودية والإمارات وقطر، بينما يتجه آخرون لماليزيا. بحسب تقرير لمؤسسة وورلد إيديوكيشين سرفيسز. وعلى المستوى الإقليمي، ارتبطت أنماط هجرة العمالة المصرية تاريخيا باتفاقيات التعاون الأكاديمي بصورة وثيقة، وفقا لما جاء في ورقة بحثية أعدها معهد سياسات الهجرة. هناك 2.9 مليون مصري في السعودية و765 ألفا في الإمارات، وهما اثنتان من أعلى أربع وجهات يقصدها المصريون في الخارج، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (بي دي إف). وتقدم المملكة العربية السعودية برامج منح دراسية سخية للطلاب الدوليين.
ولكن استراتيجيات التدويل هي ما جعل الإمارات والسعودية وقطر وماليزيا أهم الوجهات العالمية للطلاب الأجانب: وتشمل هذه الاستراتيجيات تحسين تصنيف الجامعات، والتركيز على الشراكات الدولية والمنح الدراسية، وزيادة الجامعات العامة والخاصة، ووضع سياسات لإنشاء فروع للجامعات الدولية. السعودية مثلا كانت تضم 18700 طالب دولي عام 2008، وبفضل سياساتها ارتفع العدد في 2017 إلى أكثر من 73 ألف طالب. وتعد ماليزيا واحدة من أكبر الأسواق العالمية للتعليم العابر للحدود، إذ بلغ عدد الطلاب الدوليين لديها 100 ألف في عام 2014، أي أكثر من ضعف العدد عام 2007، كما أنها تضم أعلى عدد من الطلاب البريطانيين في آسيا (بي دي إف) في 2018.
تطور دول مثل ماليزيا لتصبح مراكز تعليمية يعني استراتيجيات التدويل تجذب الطلاب الأجانب وتحافظ كذلك على الطلاب المحليين: توفر سياسات التدويل مزيدا من الفرص التعليمية للمواطنين من خلال برامج التعليم العابرة للحدود، بالإضافة إلى جذب الطلاب الأجانب. وفي 2012، كان لدى ماليزيا 563 برنامجا أجنبيا معتمدا، وأغلب الطلاب من المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة. كان هذا جزءا من خطة لتحويل البلاد إلى اقتصاد متطور قائم على المعرفة، وذلك في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008.
أما في مصر، فتعد السياسات الحكومية أحد دوافع الطلاب للدراسة في الخارج: تتمتع الحكومة المصرية بتاريخ طويل من تقديم المنح الدراسية للطلاب للالتحاق بالجامعات في الخارج لاستيراد المعرفة والمهارات، خصوصا تلك التي تركز على التقدم العلمي في المستقبل، وفقا لتقرير أصدرته القنصلية البريطانية عام 2014 (بي دي إف). ووصلت الميزانية السنوية للمنح الدراسية التي تمولها الدولة لدراسة الدكتوراه بين عامي 2007 و2012 إلى نحو 80 مليون دولار.
لكن يبدو أن تشجيع المزيد من الطلاب على الدراسة في الخارج يسهم في هجرة العقول، إذ أظهر استطلاع جالوب العالمي بين عامي 2010 و2018 أن 77% من أصل 5 آلاف مصري في الخارج شملهم الاستطلاع يريدون الاستمرار بالخارج، بينما يرغب 9% فقط في العودة إلى مصر.
مصر تتبنى استراتيجية دولية مماثلة للاحتفاظ بالطلاب الآن: وهذا يشمل بناء جامعات عامة وخاصة جديدة، والعمل على رفع تصنيف الجامعات الحالية، وإصلاح السياسات لجذب فروع جامعية دولية إلى مصر، كما يقول مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي لشؤون العلاقات الدولية محمد الشناوي. ومنذ إقرار قانون فروع الجامعات الأجنبية في مصر (بي دي إف) يوليو 2018، افتتحت ثلاث جامعات على الأقل فروعا في العاصمة الإدارية الجديدة. وتلزم الحكومة الآن الجامعات الجديدة والجامعات الحالية التي ترغب في إطلاق كليات وأقسام جديدة بتشكيل شراكات أكاديمية مع جامعات في الخارج، وهو ما تناولناه في فبراير الماضي. ويهدف التدويل أيضا إلى جذب مزيد من الطلاب الدوليين إلى مصر، كجزء من خطة لمضاعفة أعداد الطلاب الأجانب إلى أربعة أضعاف والوصول إلى 200 ألف طالب في غضون ثلاث سنوات، والتي أعلنتها الحكومة في عام 2015 باستثمارات تقدر بنحو 50 مليون دولار.
هل لدينا التمويل والموارد اللازمة؟ الحكومة تزيد من إنفاقها على التعليم العالي بالفعل: دول مجلس التعاون الخليجي التي أصبحت مراكز تعليمية فعلت ذلك من خلال ضخ استثمارات ضخمة في التعليم بموازناتها. ففي موازنتها لعام 2019، خصصت الحكومة السعودية 51 مليار دولار للتعليم بدلا من 35 مليار دولار في 2011، بما يمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وخصصت الحكومة المصرية ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على الصحة والتعليم في موازنة 2021/2020، مع تخصيص 424 مليار جنيه للتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، بحسب ما ذكرناه في يونيو الماضي. وأكد وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار أن مصر تنفق حاليا 90 مليار جنيه على التعليم العالي وحده.
لكن الاستثمار الخاص لا يزال مهما: بالتأكيد لا بد من زيادة هذا الإنفاق عن طريق استثمارات القطاع الخاص في الجودة والمرافق الجديدة، وذلك في سبيل إنجاح الخطة وإبقاء الطلاب في مصر. ونحن نشهد بعض التقدم على هذا الصعيد، إذ تجاوزت الاستثمارات في 3 فروع جديدة للجامعات الدولية في مصر ملياري جنيه. ويبدو أن شركات القطاع الخاص، مثل القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا)، واصلت زيادة إنفاقها الرأسمالي على مشروعات التعليم خلال جائحة "كوفيد-19". ولم يتضح بعد ما إذا كانت السياسات الجديدة ستشجع تلك الشركات على الاستمرار في ما يتعلق بتدويل التعليم.