في الوقت الذي يكون فيه لكل نقطة مياه قيمتها، ما هي الأسباب وراء فقد كميات هائلة من مياه الشرب في مصر؟
في الوقت الذي يكون فيه لكل نقطة مياه قيمتها، ما هي الأسباب وراء فقد كميات هائلة من مياه الشرب في مصر؟ في ظل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وما يمكن أن تمثله من تهديد لمواردنا المائية، ومع الزيادة المتسارعة في عدد سكان مصر والتهديد المتنامي جراء تغير المناخ، يصبح الاستخدام الفعال للمياه أكثر أهمية في السنوات المقبلة. وفي حين أنه من الصعب تحديد كمية المياه المهدرة، فقد اتفق الخبراء والمسؤولون الذين تحدثنا معهم على أن أساليب الزراعة القديمة ومشكلة تسريب مياه الشرب تؤدي إلى مستويات كبيرة وغير مستدامة من فقدان المياه.
دعونا نتعرف سويا على مصادر المياه التي تحصل عليها مصر. وفقا البيانات التي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حصلت مصر على 80.25 مليار متر مكعب من المياه في العام المالي 2019/2018، وكان معظمها (55.5 مليار متر مكعب) من نهر النيل. وحصلت مصر أيضا على 13.65 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة و9.45 مليار متر مكعب من المياه الجوفية.
فما هي أوجه استخدام هذه الكميات من المياه؟ تشير البيانات إلى أن الزراعة وحدها استهلكت 61.65 مليار متر مكعب من المياه في العام المالي 2019/2018، بينما استهلكت مياه الشرب 10.70 مليار متر مكعب، واستهلكت الصناعة نحو 5.4 مليار متر مكعب.
فما هي إذا كمية مياه الشرب المهدرة؟ تشير أدق التقديرات إلى أنها تتراوح ما بين 28-29% من إجمالي مياه الشرب، وفقا لما قاله ممدوح رسلان، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، في تصريحات لإنتربرايز. وقد توصل إلى هذه النسبة من خلال تحليل إجمالي فواتير الشركة، إذ بلغ إجمالي مياه الشرب التي ضختها الشركة القابضة في العام المالي 2019/2018 حوالي 8.9 مليار متر مكعب، في حين باعت الشركة 6.4 مليار متر مكعب فقط، أي أن هناك عجزا قدره 28.7%. وفي حين أن بعض الخبراء الذين تحدثنا معهم يشككون في صحة في المنهجية، ومن بينهم مي الإبراشي، مؤسسة ورئيس مجلس إدارة جمعية الفكر العمراني (مجاورة)، فإنه لا يشككون في حجم المشكلة. ونقلت صحيفة الجارديان عن تقارير لمنظمات غير حكومية قولها إن تلك النسبة تقدر بـ 35%، وهي نسبة يمكن استخدامها لتوصيل مياه الشرب إلى 11 مليون شخص إضافي.
هناك سببان رئيسان لمشكلة تسريب مياه الشرب:
السبب الأول هو تقادم شبكة المياه: قال النائب أمين مسعود، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، في تصريحات لإنتربرايز، إن البنية التحتية لشبكة المياه تعاني منذ أعوام من نقص الاستثمارات بها، كما أنها تدهورت على مدار الـ 30 عاما الماضية. وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عندما كان وزيرا للإسكان في عام 2016، إن هناك المشاريع التي جرى البدء بها في الماضي ولم تكن تستند إلى دراسات جدوى جيدة وعملت الدولة على استكمالها، ما خلق تحديا آخر أمام استثمارات تطوير شبكة المياه الحالية البالغ طولها 200 ألف كيلومتر.
السبب الثاني هو المباني المخالفة والعشوائيات، ففي الوقت الذي يلعب فيه تهالك شبكة المياه القائمة دورا في هدر المياه، فإن المباني المخالفة تعتبر الجاني الحقيقي، وفقا لما قاله رسلان. وأضاف أن هذا يتضح جليا عند إجراء مسح لجودة الخدمة في مناطق مختلفة. فعلى سبيل المثال، يبلغ عمر خط المياه الذي يغذي حي الزمالك 100 عام، ولكن نادرا ما تحدث مشكلات في تلك المنطقة، في حين تكثر مشكلات التسريب في خطوط المياه التي يبلغ عمرها 10 أعوام في مناطق أخرى تنتشر بها المباني المخالفة. وقال منصور بدوي، رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالجيزة، إنه جراء المباني العديدة التي أنشأت بشكل غير قانوني في المحافظة بدون ترخيص، يتعرض 37% من مياه الشرب للتسريب.
توصيل المياه للمباني بشكل غير قانوني يؤدي إلى إجهاد شبكة مياه الشرب للجميع: في أعقاب الاضطرابات التي أعقبت ثورة يناير 2011، قام العديد من المواطنين بتشييد المباني بشكل غير قانوني دون الحصول على التراخيص اللازمة. وحيث أن قوانين البناء في مصر تحظر توصيل المرافق إلى المباني غير القانونية، فقد لجأ أصحاب تلك المباني إلى الحفر في الأرض وتوصيل المياه من الشبكة، وهو الأمر الذي يزيد من الضغط على الشبكة ويتركها عرضة لحدوث أعطال يمكن أن تمتد إلى المقيمين في المباني المرخصة، وفقا لما قاله مصطفى مدبولي عندما كان وزيرا للإسكان في عام 2016.
كما يؤدي إلى استمرار مشكلة انقطاع المياه في جميع أنحاء البلاد: سواء كنت تعيش في القاهرة أو في أي مكان آخر داخل مصر، فمن المرجح أن تكون قد تعرضت لانقطاع المياه لعدة ساعات على الأقل. وحالات انقطاع المياه شائعة في منطقة القاهرة الكبرى وأماكن أخرى، وتتراوح أحيانا بين بضع ساعات أو حتى بضعة سنوات.
هناك مناطق أخرى لا تصل إليها مياه الشرب على الإطلاق: قال رسلان إن ما لا يقل عن 4% من المدن وما يصل إلى 25% من القرى في أرجاء مصر ليست متصلة بشبكة المياه وتعتمد على حفر الآبار وتركيب مضخات للمياه.
ودور للمدن الجديدة في تخفيف الضغط على الشبكات القائمة: حيث أن شبكة المياه ليست مركزية، فإن بناء مدن ومشاريع سكنية جديدة لا يزيد الضغوط على الشبكات القائمة، وفقا لما قاله حسين صبور، مؤسس شركة الأهلي صبور للتطوير العقاري. ويرى صبور أنه في كل مشروع تطوير عقاري جديد تعلن عنه الحكومة، يكون هناك دوما محطة مياه الشرب وأخرى لمعالجة مياه الصرف الصحي ضمن خطة التطوير. وقال صبور، والذي تشرف شركته على إنشاء البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في العاصمة الإدارية الجديدة، إن شبكة المياه في العاصمة الجديدة مستقلة بشكل تام عن شبكة المياه بالقاهرة. وأوضح أنه بمجرد البدء في الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، سيقل الضغط على الشبكة في العاصمة القديمة تدريجيا.
تشمل الحلول الاقتصادية إشراك القطاع الخاص وخفض الدعم: قال رسلان إن الدولة تدعم وبشكل كبير فواتير المياه مما يلقي بكل أعباء الصيانة وإنشاء خطوط جديدة على عاتق الحكومة. ويرى رسلان أن الحل يتمثل في زيادة مشاركة القطاع الخاص في تلك العملية وإعادة هيكلة منظومة الدعم.