المنظومة الدراسية بعد "كوفيد-19": حوار مع أميرة كاظم المسؤولة الأولى بقطاع التعليم بالبنك الدولي
المنظومة الدراسية بعد "كوفيد-19: حوار مع أميرة كاظم مسؤولة العمليات الأولى في مجموعة الممارسات العالمية المعنية بالتعليم في البنك الدولي. على مدار 10 أشهر أو أكثر بدأنا نشرة "بلاكبورد" الأسبوعية المتخصصة في قطاع التعليم، احتلت تأثيرات "كوفيد-19" على التعليم جانبا كبيرا منها. وبالطبع تلقت المنظومة التعليمية في مصر صدمة غير مسبوقة. مع إغلاق المدارس بالبلاد، اضطر ملايين الأطفال بين ليلة وضحاها إلى الدخول في منظومة التعلم عن بعد. وتتصدى وزارة التربية والتعليم حاليا لمهمة لا تحسد عليها، وهي محاولة إعادة ضبط المنظومة التعليم، بطريقة تنهي أشهر الاضطراب الماضية، وفي الوقت نفسه تمنع تفشي الفيروس مجددا.
لنتعرف على المزيد حول التغييرات التي ستحدثها الجائحة في المنظومة الدراسية على المدى الطويل، تحدثنا مع أميرة كاظم، مسؤولة العمليات الأولى في مجموعة الممارسات العالمية المعنية بالتعليم في البنك الدولي، والتي أطلعتنا على كيفية استجابة البنك الدولي للأزمة، وكيف تنظر إلى الفترة المقبلة. عملت أميرة، الخبيرة الاقتصادية في التنمية البشرية، في البنك الدولي منذ عام 1998، حيث ساهمت في مشروعات التعليم في مجالات تنمية المهارات والتعليم الأساسي والعالي.
أبرز ما جاء في الحوار:
- تمويلات البنك الدولي للتعليم لن تتأثر بجائحة "كوفيد-19".
- الفجوة الرقمية تتسع أسرع من أي وقت مضى …
- … ولكن التكامل السريع للتكنولوجيا في المنظومة التعليمية قد يوفر حلا لتلك المشكلة
- التعليم داخل الفصول سيظل أمرا ضروريا حتى بعد أن أصبح التعليم عبر الإنترنت ركيزة أساسية
- ينبغي على القطاع الخاص المساهمة بصورة أكبر كشريك أساسي في الإصلاحات التي تقوم بها كي يتحقق النجاح
وإليكم مقتطفات محررة من الحوار:
التعليم كان جزءا أساسيا من استجابة البنك الدولي للجائحة: حشد البنك الدولي أنواعا عديدة من الدعم كرد فعل على أزمة "كوفيد-19". وعلى الرغم من أن الكثير من العمليات الطارئة لدعم استجابة الدول للأزمة كانت تركز على الصحة، فإنها شملت أيضا التعليم. وقدم البنك الدولي تقييما مبدئيا لحجم الخسائر التي سببتها الجائحة في العملية التعليمية. وإضافة إلى ذلك، وبالاشتراك مع اليونيسيف، واليونيسكو، وبرنامج الغذاء العالمي، طور البنك الدولي إطار عمل يضع الإرشادات لإعادة فتح المدارس. قرار فتح المدارس من عدمه هو قرار صعب، ويحتاج إلى التوازن بين احتواء الفيروس والحاجة إلى استئناف الدراسة بالفصول. وبمجرد اتخاذ قرار فتح المدارس، هناك العديد من البروتوكولات والشروط الواجب توافرها من أجل عودة آمنة مع ضوابط تعليمية سليمة.
من المستبعد أن تؤثر الجائحة على تمويل البنك الدولي للتعليم في مصر: لا نتوقع أي تأخير أو إعادة توجيه للتمويلات المتفق عليها في الوقت الراهن. يجري فريق البنك محادثات مع وزارة التعليم لبحث إجراء تغييرات على المشروع يمكن أن تحسن الاستجابة للجائحة، وتدعم خطط الوزارة لإعادة فتح المدارس على نحو أفضل. وعلاوة على ذلك، لم نناقش بعد التمويلات المستقبلية ومستمرين في التركيز على المشروع الحالي.
بالمقارنة بالدول الأخرى، فإن الاضطرابات التي شهدتها المنظومة التعليمية في مصر طفيفة نسبيا، ويعود جانب من الفضل في ذلك لرد فعل الوزارة: نحن نقدر الاستجابة السريعة للوزارة للجائحة. لقد أنشأت وأطلقت محتوى رقمي لكل الصفوف الدراسية من خلال بنك المعرفة المصري، وعبر البث المباشر على الإنترنت، إضافة إلى تأسيس منصة رقمية جديدة للفصول الدراسية الافتراضية، وبرامج تعليمية تلفزيونية لمن لا تتوفر لديه الأجهزة الرقمية. التقييمات والامتحانات أيضا تكيفت مع الظروف المتغيرة، من الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي تم الاعتماد على المشروعات البحثية للتقييم والانتقال للصف التالي، وأدى طلاب الصف الأول والثاني الثانوي الامتحانات إلكترونيا.
برنامج إصلاح التعليم في مصر أسس الربط الإلكتروني، والمواد التعليمية الرقمية، والتقييم المعتمد على الكمبيوتر، على نحو غير موجود في المنطقة العربية (خارج منطقة الخليج). وتعد مصر الدولة الأقل تأثرا من بين دول المنطقة من حيث اضطراب العملية التعليمية، لكن ذلك لا يعني أنها لم تتأثر بشكل كبير، وهناك حاجة لعمل المزيد.
الجائحة أظهرت اتساع الفجوة الرقمية .. وتسببت في تحول إيجابي نحو التكنولوجيا: قدمت الجائحة أدلة إضافية على ضرورة سد الفجوة الرقمية، وسرعت الجهود نحو سدها. خلقت الأزمة سياقا استلزم الابتكار والإسراع والتوسع في استخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية في مصر. وأدى ذلك إلى تحول هائل في الثقافة، من مقاومة التغيير إلى التقدير وارتفاع الطلب على استخدام الحلول التكنولوجية.
وبنفس قدر الأهمية كان هناك تغيرا في ثقافة التعلم والامتحانات. في مصر، غيرت الأزمة وتجربة تقييم الطلاب بناء على مشروعاتهم البحثية من طريقة التفكير بين المعلمين وأولياء الأمور حول طرق التعليم والامتحانات، بالابتعاد عن الحفظ والتلقين والاختبارات التقليدية والتوجه نحو مقاربات أشمل وأكثر ثراء.
دور المعلم حيوي للغاية، وهم يحتاجون إلى التدريب على استخدام التكنولوجيا والتواصل مع الطلبة بصورة أكثر مواكبة للعصر. في بلدان مثل مصر تتجه بعيدا عن التعليم من خلال الحفظ، فإن التدريب عن بعد، وقبل وأثناء الخدمة للمعلمين يعد أمرا ضروريا. وينبغي استخدام العديد من قنوات الاتصال كي يبقى أولياء الأمور والمجتمع على دراية واسعة ومتصلين بالتغيرات التي تحدث في أساليب التعليم.
ينبغي وضع الآليات لحل أي مشكلات طارئة وتصحيح المسار على الفور وقتما تقتضي الحاجة. فبالنظر إلى التغييرات العديدة التي يجب تطبيقها سويا بسبب الظروف الحالية، من المتوقع ألا يعمل كل شيء بسلاسة.
التعليم عن بعد جاء ليبقى ولكن التعلم داخل المدارس سيبقى أمرا ضروريا: سيصبح التعليم عن بعد ركيزة أساسية في نظام التعليم في المستقبل، ولكنه لن يحل محل الدور الحيوي للمعلم وللفصل الدراسي. التطورات بشأن "كوفيد-19" لا تزال غير واضحة. ومع ذلك، لا شيء يمكن أن يحل محل التجربة الاجتماعية الغنية التي يخلقها التواجد في المدرسة، وليس هناك شيء يحل محل الحضور الفعلي، خاصة بالنسبة لطلبة التعليم التمهيدي والابتدائي. وبالتالي، فإن التعليم عبر الإنترنت يعد جزءا من التدابير التي اتخذت كاستجابة للوباء. ومن المرجح أن يأخذ التعلم عن بعد (مقارنة بالتعلم عبر الإنترنت)، حيزا أكبر بينما نتجه نحو "الوضع الطبيعي الجديد"، ليشمل التعلم عبر الإنترنت، إلى جانب البرامج التعليمية بالتلفزيون والإذاعة للطلبة الذين لا تتوفر لديهم الأجهزة الرقمية.
ربما تكون جائحة "كوفيد-19" ساعدت وزارة التعليم على تسريع تقبل المجتمع للتكنولوجيا، بما في ذلك تغيير تصورات أولياء الأمور وتطوير مهارات المعلمين. في العام الدراسي المقبل، ربما تطبق الوزارة نظاما تعليميا هجينا، وستعمل على التوسع في إتاحة الأجهزة، والموارد، والمنصات التعليمية، لأكثر من 20 مليون طالب.
القطاع الخاص يحتاج إلى المشاركة كشريك رئيسي في إصلاح العملية التعليمية: القطاع الخاص هو بالتأكيد المستفيد الأول من تطوير نظام التعليم الحكومي، والضحية الأولى لعدم إصلاح هذا النظام. وإذا أدركنا ذلك، يجب أن يبادر أصحاب الأعمال والقطاع الخاص على المشاركة بشكل أكبر في تطوير التعليم باعتبارهم من أهم الأطراف أصحاب المصلحة، وأن يكونوا مستعدين لاستثمار الأموال في التعليم العام، وليس فقط التعليم الخاص. في الوقت الحاضر، يمكنك أن ترى نماذج ملهمة لمشاركة القطاع الخاص في المدارس التكنولوجية في التعليم الفني. وتجد أيضا ناشرين من القطاع الخاص يشاركون في محتوى بنك المعرفة المصري. وتحتوي التجارب الدولية على ثروة من الأمثلة حول طرق إشراك القطاع الخاص في التدريب الصيفي، والتوجيه المهني، وتدريب المدربين، والتدريب بغرض التوظيف، وغيرها من الأمثلة الأخرى التي يمكن أن تحسن عملية الانتقال من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل.
ولكن يجب أن تكون هناك ضوابط وتوازنات. نعم، ولكن مع زيادة المساءلة ومراقبة الجودة. الحصول على كرسي أكبر على الطاولة يأتي بمسؤوليات إضافية وخطوط واضحة للمساءلة. لا يمكن أن تزدهر الإصلاحات التعليمية في مصر إلا من خلال التعاون بين جميع الأطراف أصحاب المصلحة.
دعم إصلاح التعليم: في سبتمبر 2018، شرعت مصر في برنامج رئيسي لإصلاح التعليم. الهدف من إصلاح التعليم الحكومي هو "إعادة الدراسة إلى الفصول الدراسية"، وتزويد الطلاب بالمهارات التي تعدهم للحياة وكذلك لسوق العمل. يستهدف هذا البرنامج 22 مليون طالب و1.3 مليون معلم، و50 ألف مدرسة حكومية، ويركز على تعزيز أسس التعليم لتطوير المهارات التي تهم المواطنين والعاملين في القرن الحادي والعشرين.
يسعى "مشروع دعم إصلاح التعليم في مصر" الذي يموله البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار، إلى دعم الإصلاحات الحكومية، وعلى وجه التحديد مجموعة من الأهداف المتفق عليها والتي تشمل التوسع في إتاحة التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وتحسين جودته، وتنمية قدرات المعلمين والمديرين التربويين والموجهين. ويساعد المشروع على تحفيز استخدام الموارد الرقمية في التعليم والتعلم، وإدخال نظام اختبار جديد قائم على الكمبيوتر ينظم تقييم طلاب المرحلة الثانوية وقبولهم في الجامعات.
مثل كل المشاريع الأخرى الممولة من البنك الدولي، يجري تنفيذ هذه المبادرة من خلال الحكومة. ولكونه مشروعا يعتمد على النتائج، يدعم البنك الدولي التنفيذ ويصرح بالصرف بمجرد تحقيق النتائج المتفق عليها والتحقق منها بواسطة طرف ثالث. ويعني ذلك أن الوزارة تتولى دورا رائدا في إشراك شركات القطاع الخاص الدولية والمحلية لدعم الإصلاح وتنفيذ المشاريع.
ويقدم البنك الدولي الدعم الفني أيضا في عدد من المجالات المتفق عليها مسبقا مع الوزارة. وقد يكون ذلك من خلال بناء القدرات أو تقديم الرأي والتقييم في مسودات الوثائق. على سبيل المثال، يقدم البنك الدولي – مع دعم مالي إضافي من السفارة البريطانية في القاهرة – دعما لتطوير دراسة تشخيصية لمرحلة رياض الأطفال، حيث يطور فريق البنك تصميم البحث، وأخذ العينات، وتدريب جامعي البيانات، وتحليل البيانات، فيما يقوم مشروع دعم إصلاح التعليم بتمويل وإدارة الأنشطة الفعلية لجمع البيانات.