قطاع التعليم يثبت قوته بالنسبة للإنفاق الرأسمالي في مواجهة "كوفيد -19"
من ناحية الإنفاق الرأسمالي، أثبت التعليم معدنه القوي في مواجهة “كوفيد -19”: ناقشنا سابقا كيف تجاوز قطاع التعليم عاصفة “كوفيد-19″، التي ضربت أسواق الأسهم وتسببت في تراجع أغلب القطاعات الأخرى، مما يؤكد مكانته كقطاع دفاعي مهم. واليوم نلقي نظرة مماثلة على استثمارات التعليم على أرض الواقع، ونبحث ما إذا كان الوباء والإغلاق قد أثرا سلبا على الإنفاق الرأسمالي. وفي سبيل هذا، طرحنا ذلك السؤال على عدد من أكبر المستثمرين والعاملين بالقطاع، مثل جيمس، وسيرا، والمدرسة الأمريكية الدولية، ومدرسة الألسن.
ما توصلنا إليه هو أن إجمالي الإنفاق الرأسمالي يظل ثابتا رغم وجود بعض التأخير في التنفيذ، فالتباعد الاجتماعي والتكاليف الإضافية وتأخر شراء الإمدادات أدى إلى تباطؤ مخططات بناء المباني والمرافق المدرسية الجديدة هذا العام، وهو ما أكده ممثلو المدارس الخاصة لإنتربرايز. لكن الاستثمار والإنفاق الرأسمالي لم يتوقف، ومن المتوقع أن ينمو مع استمرار ارتفاع الطلب على المدارس الجديدة. وقالت المصادر التي تحدثنا إليها إن تأثير الوباء كان محسوسا إلى حد كبير في المصروفات الجارية، والتي ارتفعت بسبب التدابير الاحترازية.
الوباء لم يؤثر على الخطط الاستثمارية الخاصة بجيمس: كانت مجموعة جيمس مصر للتعليم تخطط لاستثمار 300 مليون دولار خلال عامين ونصف العام لبناء 30 مدرسة جديدة تخدم ما بين 25-30 ألف طالب، حسبما قال الرئيس التنفيذي أحمد وهبي في أبريل الماضي. وتدير جيمس أربع مدارس في مصر بسعة تصل إلى 7 آلاف طالب، وتخطط لزيادة العدد إلى 20 مدرسة قادرة على استيعاب 20 ألف طالب خلال 3-5 سنوات، وفق ما أخبرنا به وهبي، موضحا أن “هذه الخطط لم تتغير، وتظل نظرتنا لمصر كسوق استثمارية إيجابية، ونعتزم زيادة وجودنا هنا”. ويتوقع وهبي أن يظل إجمالي استثمارات جيمس في حدود 200-250 مليون دولار، مشددا على عدم تأجيل أي استثمارات في مصر.
أما المدرسة الأمريكية الدولية فقد علقت الإنفاق الرأسمالي بالفعل قبل الوباء، مع عدم اعتباره عاملا مهما في تحديد موعد استئناف التوسعات، كما يقول مالك المدرسة تمام أبو شقرة. وأكد أبو شقرة أن “كوفيد-19” ليس له تأثير طويل الأجل على النفقات الرأسمالية أو خطط الاستثمار بالمدرسة، رغم أنه قد يكون له تأثير قصير المدى على التوسعات، مضيفا: “لو لم تحدث الجائحة … لربما كنا الآن نعمل على مشروع جديد. لكن على المدى الطويل، ما زالت وجهة نظرنا نحو مصر متفائلة جدا وإيجابية للغاية”. وكانت المدارس الأمريكية الدولية أجلت خطة عام 2015 لفتح مجمع مدرسي في أب تاون كايرو بالشراكة مع إعمار مصر إلى أجل غير مسمى، وذلك قبل تفشي وباء “كوفيد-19″، لكن المجموعة تلقت طلبات كثيرة من عدة شركات عقارية لتطوير فروع جديدة لها، كما يقول أبو شقرة، مضيفا: “سندرس دخول استثمارات جديدة، ونحن متفائلون بشأن مستقبل مصر كسوق ودولة”.
بينما تسير الخطط التوسعية بشكل طبيعي لدى سيرا: بلغ إجمالي استثمارات شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا) في الأصول غير المتداولة أكثر من 1.7 مليار جنيه في مايو 2020، ارتفاعا من 931 مليون جنيه في مايو 2019، وفقا لنتائج أعمال الشركة. وفي الشهر الماضي، شدد الرئيس التنفيذي محمد القلا على أن الوباء لم يتسبب في إبطاء الخطط التوسعية لشركته، مؤكدا لإنتربرايز أن “كل شيء يسير على الطريق الصحيح، وقد التزمنا بتنفيذ كل مشروعاتنا في الموعد المحدد منذ عام 2018”. ووقعت سيرا اتفاقية مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في أكتوبر من العام الماضي، للحصول على تمويل قيمته 25 مليون يورو لإنشاء جامعة جديدة بمدينة ناصر في أسيوط. وفي ديسمبر التالي، أعلن القلا ضخ استثمارات بأكثر من ملياري جنيه لتطوير العديد من المشروعات الحالية والمستقبلية.
تأخرت أعمال البناء في بعض المدارس عن الجدول المحدد: أجبر “كوفيد-19” مدارس جيمس على إضافة شهرين إلى ثلاثة أشهر للإطار الزمني الذي سبق وحددته للتجديدات الصيفية وبناء مدرسة دولية جديدة، حسبما يقول أحمد وهبي. وكانت سيرا تخطط لإطلاق سبع كليات جديدة تابعة لجامعة بدر خلال العام الجاري، وهو ما نجحت في الانتهاء منه بالفعل قبل الوباء، أما خططها لبناء مدرسة في المنصورة الجديدة فقد تأخرت 48 يوما عن موعدها في أبريل الماضي، طبقا للقلا. لكن الشركة في طريقها لافتتاح المدرسة في الوقت المحدد، وساعدها في ذلك تأخر موعد بدء العام الدراسي الجديد. وكان من المقرر افتتاح مدرسة المنصورة الجديدة في سبتمبر 2020، اعتبارا من يناير هذا العام.
ومع تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي، بدأت المدارس في تعويض الوقت الضائع: اتخذت المؤسسات التعليمية خطوات لتسريع وتيرة البناء بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية. سيرا مثلا قررت تشغيل نوبتي عمل على مدار اليوم، وبهذا استمر البناء طوال النهار والليل. أما جيمس فدرست خيارات مختلفة للتصميم، ورفعت التدفقات النقدية لشراء ما تحتاجه مبكرا، وخططت بعناية لاستيراد المواد الخام والمعدات، وحافظت على علاقاتها القوية مع الموردين.
إلا أن الجائحة تسببت في زيادة المصروفات الجارية: في حين أن الإنفاق الرأسمالي (الاستثمار في المشروعات والمرافق المدرة للدخل) ظل ثابتا في معظمه، فقد زادت أسعار المصروفات الجارية والسلع نتيجة انتشار فيروس “كوفيد-19″، بما في ذلك الإنفاق على مستلزمات مثل المطهرات والكمامات.
مدرسة الألسن وجدت نفسها مضطرة لزيادة الإنفاق هذا العام بنسبة 15-20%، وفقا لما أخبرنا به المدير التنفيذي كريم روجرز. ورغم أن هذه التكاليف ليست بالملايين وإنما بمئات الآلاف من الجنيهات، فإنها لا تزال ضخمة. ويقول روجرز: “أنفقنا للتو 100 ألف جنيه لشراء أجهزة قياس الحرارة فقط، لكن هذا ضروري كي نعيد فتح أبوابنا بأمان”.
ورفع الوباء تكلفة السلع المباعة أيضا بالنسبة لسيرا، وعجّل كذلك بدفع تكاليف الصيانة: أضافت إجراءات التطهير 5-7% إلى تكلفة السلع المباعة، بينما اضطرت الشركة إلى التعجيل بدفع تكاليف الصيانة بنحو 25% لمدة عامين على الأقل، وفقا للقلا.
أكبر زيادة واجهتها المدارس الأمريكية الدولية كانت في المصروفات الجارية، بحسب أبو شقرة، الذي يوضح أن معظم المصروفات الزائدة كانت لتغطية نفقات العاملين، إذ تعمل المدرسة على تعيين مزيد من المدرسين المساعدين لتلبية احتياجات الطلاب. ولا يعتبر أبو شقرة أن هذه النفقات تشكل ضغطا كبيرا بالنسبة لمدرسة بحجم “الأمريكية الدولية”.
وفي جيمس، ارتفع الإنفاق على العناصر التي يمكن تصنيفها في خانة النفقات الرأسمالية، إلى جانب المصروفات الجارية. وزاد الإنفاق الرأسمالي للمجموعة من 15% إلى 20% بسبب التدابير الاحترازية الخاصة بالوباء. وشهد برنامج التجديد الأساسي لجيمس استثمارات إضافية لمكافحة الفيروس، بتوفير غرف عزل جديدة ومستويات إضافية من التطهير. وكان من الضروري زيادة الإنفاق الرأسمالي والمصروفات الجارية بنسبة 30-40% للسيطرة على الأمور، كما يقول وهبي، إلى جانب تكلفة الإجراءات الاحترازية لضمان التباعد الاجتماعي وتوفير معدات الوقاية الشخصية في موقع البناء.
ورغم عدم تأثر الاستثمارات، فرض “كوفيد-19” نوعا من إعادة التفكير في المشروعات الضرورية: “الاستثمار في التعليم ضروري للاقتصاد، والحكومة تشجعه، ولكن يتعين على المستثمرين والمدارس تحديد أي الاستثمارات يستحق الاهتمام أكثر”، وفقا لروجرز. وتعمل المدارس على الموازنة بين خطط التوسع والمخاطر الاقتصادية المترتبة على “كوفيد-19″، إذ تتوقف احتياجاتها على نماذج الأعمال الخاصة بها. لذلك فإن سيرا تحاول الموازنة بشكل استراتيجي بين بناء مدارس دولية عالية الجودة في مناطق غير مطورة بعد، ومواصلة الاستثمار في مدارس جديدة مثل مدرسة مانهاتن أو مدرسة هارفارد، مثلما يخبرنا روجرز، الذي يعتقد أن “المدارس الجديدة ستحتاج إلى إنهاء استثماراتها، بينما على معظم المدارس العاملة مراجعة ميزانياتها بعناية بسبب حالة عدم الاستقرار الاقتصادي. المدارس الجديدة تحتاج إلى البحث عن طلاب، بينما لا نحتاج إلى ذلك”.
في النهاية، يعد الطلب المتزايد على الخدمات التعليمية هو العامل الأساسي الذي يدفع الاستثمار، وهو عامل مستمر في الارتفاع طوال الوقت. وتجاوزت معدلات الالتحاق بالمدارس الأمريكية الدولية التوقعات هذا العام، خصوصا مع تدفق العائلات المصرية العائدة من الخليج بحثا عن تعليم دولي لأطفالهم، وفقا لأبو شقرة. بينما يعتقد القلا أنه على الرغم من التأخير في الاستثمار، خاصة للمشغلين الجدد، فإن الطلب المستمر سيجعل الاضطراب الاقتصادي وضعا مؤقتا.
إجمالا، من المرجح أن يستمر الإنفاق الرأسمالي في النمو لتلبية الطلب على التوسع المادي، حتى مع استمرار التكاليف الأخرى مرتفعة. ويوضح وهبي أنه لا يزال يسمع أخبارا عن الكثير من المشروعات الجديدة، وأنه لا يتوقع أن يتغير هذا قريبا: “قد ترتفع تكلفة بناء المدارس، لكنها عملية لن تتوقف أبدا”.
لكن في حالة الانكماش الاقتصادي، هل تتحول حدود ملكية الأجانب إلى قيد يجب مراجعته بسبب ارتفاع التكاليف؟ وفقا للقلا، نعم. في العام الماضي، قررت الحكومة فرض حد أقصى لمساهمة الأجانب في المدارس الخاصة بنسبة 20% من أسهم الشركة فقط، وهو ما تسبب في تراجع أحد صناديق الاستثمار المباشر عن خطة لاستثمار أكثر من 100 مليون دولار في مجال التعليم قبل الجامعي، بحسب تصريح مدير الصندوق لإنتربرايز آنذاك. ويؤكد القلا وجوب إعادة النظر في تلك الخطة، لأن “مصر تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي المباشر دون شك”. ويحث القلا على مراجعة هذه النسبة في حالة الشركات الراغبة في تأسيس مدارس خاصة بمناطق ذات تمثيل منخفض، مثل الصعيد والدلتا.
ورغم سلامة الدوافع وراء قرار تحديد ملكية الأجانب، فإن عملية تنفيذه وتحديد الاستثناءات منه يجب أن تكون أسرع، كما يقول وهبي، مضيفا: “تحديد النسبة مهم، لكن وجودها دون استثناءات صحيحة يعرقل الاستثمار”.