فيتش تحذر: السيولة الأجنبية في البنوك المصرية لا تزال ضعيفة وعرضة للتقلبات
فيتش تحذر أن السيولة الأجنبية في البنوك المصرية لا تزال ضعيفة في ضوء توقعات بأن يستغرق التعافي من الجائحة وقتا أطول من الموجة البيعية التي عصفت بالأسواق الناشئة في 2018: قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقرير أصدرته مؤخرا إن نزوح استثمارات المحافظ الأجنبية في مصر على مدى الأشهر العديدة الماضية بسبب جائحة “كوفيد-19” كان “أكثر حدة” من تأثيرات الموجة البيعية التي ضربت الأسواق الناشئة في عام 2018، والتعافي منها سيستغرق وقتا أطول. ولفت التقرير إلى تراجع صافي الأصول الأجنبية للبنوك ليسجل عجزا بقيمة 5.3 مليار دولار في نهاية أبريل لخدمة هذه التدفقات الخارجية. وحذرت مؤسسة التصنيف الائتماني أن السيولة الأجنبية في البنوك المصرية لا تزال ضعيفة، وعرضة لتقلبات شهية المستثمرين حول ديون الأسواق الناشئة وتراجع الاحتياطي الأجنبي بسبب الوباء.
مصر على طريق التعافي لكن الانتعاش الكامل سيستغرق بعض الوقت: تلقت مصر تمويلات بإجمالي 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي تضمنت تمويلا طارئا بقيمة 2.8 مليار دولار، وترتيب استعداد ائتماني لمدة عام بقيمة 5.2 مليار دولار، وإلى جانب ذلك فقد جمعت مصر 5 مليارات دولار في طرح سندات دولية، وهو ما ساهم في زيادة الاحتياطيات الرسمية للبلاد إلى 38.2 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، من 36 مليار دولار في مايو وتخفيف الضغط على السيولة على المدى القصير، لكنها أكدت أن التحسن المستدام في الأصول الأجنبية مرهون باستئناف الموارد الرئيسية للعملة الأجنبية، وهو ما يتوقف على العوامل الاقتصادية الخارجية. وتشمل تلك العوامل تأثير تراجع الطلب الدولي على إيرادات قناة السويس وكذلك كبح الصادرات، علاوة على احتمالات أن تتقلص تحويلات المصريين العاملين بالخارج. وتتوقع فيتش اتساع عجز الحساب الجاري في مصر إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي في خلال العام الجاري مقارنة بـ 3.6% في 2019، مما يزيد من الضغط على احتياطيات العملة الأجنبية.
ولا تزال احتمالات حدوث موجة جديدة من التدفقات الخارجة قائمة: بدأ نزوح رؤوس الأموال الأجنبية في التراجع بحلول نهاية يونيو، وعادت شهية المستثمرين الأجانب لديون الأسواق الناشئة ذات العائد المرتفع، في ضوء خطط التحفيز التي أطلقتها البنوك المركزية الأجنبية. واستثمرت المؤسسات وصناديق الاستثمار الدولية نحو 3 مليارات دولار في السوق المصرية خلال الشهر الماضي، وفق ما ذكرته صحيفة المصري اليوم في وقت سابق من هذا الأسبوع، نقلا عن مصدر مصرفي. ووفقا للمصدر فإن التدفقات تتسارع خلال يوليو، إذ شهد يوم الخميس الماضي نحو 592 مليون دولار استثمارات جديدة للمحافظ الأجنبية، وهو أكبر رقم مسجل في يوم واحد منذ تفشي جائحة “كوفيد-19” في مارس الماضي، كما شهد يوم الأحد تدفقات داخلة بنحو 367 مليون دولار.
لكن فيتش تحذر من إمكانية أن تشهد مصر مجددا موجة أخرى التدفقات الخارجة إذا كان هناك انخفاض حاد في الجنيه المصري. وأضافت أن حدوث موجة بيعية جديدة في الأسواق الناشئة سيوجه ضربة شديدة إلى السيولة بالعملة الأجنبية وصافي الأصول الأجنبية لدى البنوك، لا سيما أن الودائع بالعملة الأجنبية تمثل 20% من ودائع القطاع المصرفي في مصر وهي مستقرة إلى حد كبير. ونوهت الوكالة إلى أن الحيازات الأجنبية لأذون الخزانة المصرية بلغت 7.5 مليار دولار في نهاية أبريل، وهو ما يمثل حوالي 20% من احتياطيات العملة الأجنبية، ويعكس ضعف سيولة العملة الأجنبية، وتعرضها لعمليات البيع في الأسواق الناشئة.
اتفق الخبير الاقتصادي هاني جنينة التحليل مع مؤسسة التصنيف الائتماني في أن الفجوة في ميزان المعاملات الجارية خلال العام الجاري جرى تمويلها وقتيا بتمويلات صندوق النقد الدولي والسندات الدولارية وبعض التدفقات في أذون الخزانة. وتابع: “هذه المصادر ساهمت في سد الفجوة وليس في حل المشكلة الأساسية وهي انخفاض التدفقات الأساسية. ولذلك نجد أنه رغم ارتفاع سعر الفائدة في مصر، فإن تدفقات المستثمر الأجنبي لا تزال ضعيفة في أسواق السندات، وهذا أمر طبيعي وتعاني منه عدة دول، فعلى سبيل المثال، جرى تخفيض التقييمات السيادية للمكسيك والأرجنتين والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا خلال الأشهر القليلة الماضية لأسباب مشابهة. وتخفيض التصنيف السيادي يتبعه تخفيضا لتقييمات الشركات و البنوك”.
ونوه هاني أبو الفتوح الخبير المصرفي ورئيس القطاع المؤسسي في ميداف القابضة، أن التمويلات التي حصلت عليها الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي وحصيلة طرح السندات الدولية ساهمت في تخفيف الضغوط على السيولة ومنحت الجنيه المصري مكاسب في الآونة الأخيرة. لكن يبقى التحدي الأكبر في تحسن مصادر العملة الأجنبية في الجزء المتبقي من العام مع الفتح التدريجي للأعمال وفقا لخطط التعايش مع فيروس كورونا المستجد. وأشار إلى أن نجاح بنكي الأهلي ومصر-أكبر بنكين مملوكين للدولة- في منع عودة ظاهرة الدولرة مرة أخرى من خلال طرح شهادات ذات عائد 15% لأجل عام.
لا يوجد ما يدعو للقلق: قالت مونيت دوس محلل الاقتصاد الكلي بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار “لسنا قلقين لأننا نعتقد أن الضغط على سيولة العملة الأجنبية بدأ ينحسر نسبيا وهو ما انعكس بتراجع سعر الصرف إلى 16 جنيها للدولار مقارنة بـ 16.25 جنيه قبل أسابيع قليلة”. وأضافت دوس في تصريح لإنتربرايز أن أذون الخزانة المصرية عند هذه المستويات تقدم عوائد جذابة معدلة حسب درجة المخاطر، إلى جانب تراجع تقلبات العملة ساهمت في استعادة اهتمام المستثمرين الأجانب مجددا. وترى منى بدير محلل أول الاقتصاد الكلي في برايم للاستثمار أن المستوى الحالي الاحتياطات الخارجية للبنك المركزي المصري الرسمية وغير الرسمية قوى بما يكفي لدعم صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك بما يحول دون حدوث أزمة سيولة.
والجانب المشرق يتمثل في تراجع طلب المصريين على العملة الأجنبية بشكل ملحوظ جراء الوباء، وفق ما ذكره الخبير المصرفى محمد عبد العال عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس في تصريح لإنتربرايز. فرغم أن قرار مصر بوقف حركة الطيران تسبب في شلل القطاع السياحي وانزلاق إيراداته إلى ما يقرب من الصفر، لكنه أدى أيضا إلى عدم إقدام المواطنين على سحب عملة صعبة من القطاع المصرفي لأغراض السفر للخارج سواء للسياحة أو العلاج أو التعليم أو العمرة والحج، وهو ما وفر كميات كبيرة من العملة الأجنبية، وفقا لعبد العال. وأضاف أن تراجع الطلب على الصادرات المصرية باستثناء الصادرات الزراعية خلال الأشهر الماضية، قابله انخفاضا مماثلا في الواردات. ولفت إلى أن رصيد الاحتياطي النقدي حاليا يوفر احتياجات مصر الاستيرادية الاستراتيجية لفترة تصل إلى 6 أشهر، ما يحد من مخاوف القصور المستقبلي في السيولة بالنقد الأجنبي.