تأخر تطوير المناطق الصناعية .. الأزمة في المرافق أم جدية المستثمر؟
تأخر تطوير المناطق الصناعية .. الأزمة في المرافق أم جدية المستثمر؟ تصاعد الخلاف بين الحكومة ومستثمري المناطق الصناعية هذا العام، بعد إسراع الحكومة في استرداد الأراضي التي يتأخر المستثمرون في بناء مصانعهم عليها. ومن جانبهم، يلقي المستثمرون الذين تحدثنا معهم باللوم على نقص المرافق في المناطق الصناعية. ومع دخول مجلس النواب إلى الصراع، وتطلع الحكومة إلى تنفيذ خطة طموحة للتنمية الصناعية، تحاول الهيئة العامة للتنمية الصناعية حل المأزق عن طريق إنشاء لجنة لمراجعة حيازة الأراضي.
هل المشكلة في البيروقراطية؟ يبدو أن الهيئة تخصص الأراضي بشكل أسرع مما يستغرقه توصيل المرافق إلى تلك الأراضي، ووزارة الإسكان لا تشرع في تطوير البنية التحتية حتى يصلها التمويل من الحكومة.
الحكومة تسرع وتيرة استرداد الأراضي غير المستغلة في المناطق الصناعية: أكبر مشكلة تواجه مستثمري المناطق الصناعية اليوم هي سرعة استرداد الحكومة للأراضي، وهو ما أكده لإنتربرايز رئيس جمعية مستثمري السادس من أكتوبر، محمد خميس شعبان. وأضاف شعبان أن كثيرا من المشاريع توقفت بسبب نقص المرافق. ولم تصدر هيئة التنمية الصناعية أي أرقام رسمية عن حجم الأراضي التي استردتها من المستثمرين، موضحة لإنتربرايز أن الوضع يتغير باستمرار. لكن نظرة سريعة على الصحافة المحلية تخبرنا بأن الحكومة استعادت أكثر من ألف قطعة أرض منذ أكتوبر 2019، وفق تصريحات سابقة لمدير الهيئة مجدي غازي. ووردت عدة تقارير باسترجاع الأراضي من محافظات مختلفة، منها وادي النطرون، حيث استعادت المحافظة 2175 فدانا خلال الشهر الجاري، طبقا لما نقلته صدى البلد .
يبدو أنها مشكلة تواجه المناطق الصناعية خارج القاهرة. وأخبرنا سمير عارف، رئيس مجلسي إدارة شركة الأهرام لنظم الأمان وجمعية مستثمري العاشر من رمضان، أن "مشكلة المرافق منتشرة في المناطق الصناعية الجديدة بالمحافظات".
وتقول الحكومة إن الجدول الزمني الذي منحته للمستثمرين لبناء مصانعهم يتناسب مع الزمن اللازم لتركيب المرافق. قال غازي لإنتربرايز إن بناء المصنع يستغرق في غضون 18-24 شهرا، وهو وقت أكثر من كاف لحل مشاكل المرافق، مضيفا: "وبهذا ستكون البنية التحتية الضرورية موجودة بحلول الوقت الذي يكون فيه المصنع جاهزا للتشغيل".
إذا، ماذا يفعل المستثمر الصناعي ليصير "جادا"؟ تمهل الحكومة المستثمرين الذين حصلوا على تصاريح صناعية وأراض من هيئة التنمية الصناعية فترة قدرها ستة أشهر منذ استلام الأرض لبدء بناء المصنع. وبمجرد بدء عملية البناء، يحصل المستثمر على 18-24 شهرا للانتهاء. وأوضح غازي أنه لو لم يتمكن المستثمر من الوفاء بهذا الجدول الزمني، تمنحه الهيئة تحذيرا وفترة سماح مدتها 90 يوما، قبل أن تتخذ قرارا باسترداد ملكية الأرض وإعادة بيعها إلى مستثمرين جدد بقيمتها الحالية.
والمستثمرون يشددون على أن التأخير سببه الافتقار إلى المرافق: قال شعبان إنه "لا يمكن إنكار حل بعض المشكلات"، مشيرا إلى الانتهاء من الطريق السريع الذي يربط المنطقة الصناعية في السادس من أكتوبر بميناء الإسكندرية، لكن ليس المرافق الأخرى، بما فيها المياه والصرف الصحي والاتصالات. وأكد أن الحكومة تركز على بناء مناطق صناعية جديدة، في حين أن المناطق الحالية مساحتها ضخمة بالفعل، ولا يزال المستثمرون ينتظرون توصيل المرافق إليها كي يتمكنوا من بدء بناء المصانع.
ما الذي يعطل المرافق؟ أحد التفسيرات هو اشتراك عدة جهات حكومية في عملية تخصيص الأراضي وتطوير المرافق، فالهيئة العامة للتنمية الصناعية هي المسؤولة عن إصدار التصاريح وتخصيص الأراضي، بينما وزارة الإسكان هي المنوط بها تجهيز البنية التحتية. ومن أجل بدء بناء المرافق، تحتاج وزارة الإسكان إلى تكليفها بالمشروع من قبل الهيئة، فيما تحتاج الحكومة إلى توفير التمويل اللازم للوزارة بناء على طلب من الهيئة أيضا، وفق تصريحات مساعد وزير الإسكان طارق الرفاعي لإنتربرايز.
الحصول على التمويل هو العائق الأساسي في العملية، بحسب الرفاعي. وبعد الحصول عليه، يتعين على وزارة الإسكان طرح مناقصات البناء على المقاولين، ثم يستغرق الأمر 18-24 شهرا للانتهاء من توصيل المرافق. وربما يكون من الصعب توصيل المياه إلى المصنع لو كان بعيدا عن شبكة مياه قائمة بالفعل، ولهذا يجب بناء مضخات أو محطات مياه جديدة. وأشار الرفاعي إلى أنه لو كانت الأرض الصناعية تندرج ضمن اختصاص المحافظة، عندها تصير طرفا في العملية، وهو ما يتحول إلى مشكلة عند توصيل مرافق المياه.
ولمواكبة خطة التنمية الصناعية الطموحة، يبدو أن هيئة التنمية الصناعية قد تخصص الأراضي بصورة أسرع مما يتطلب الأمر لتطوير المرافق. وكشف غازي أن الحكومة شرعت في تنفيذ خطة لتأسيس 25 منطقة صناعية جديدة بتكلفة 11 مليار جنيه خلال العامين المقبلين. وقال غازي لإنتربرايز إن الهيئة ستكون مستعدة لطرح 3 ملايين متر مربع من الأراضي الصناعية بنهاية العام الجاري.
على المدى الطويل، تعمل هيئة التنمية الصناعية على حشد التمويل لتحديث المرافق في المناطق الصناعية: تتضمن الخطة البالغة تكلفتها 11 مليار جنيه تحديث وتطوير كافة المناطق الصناعية في البلاد وعددها 129 منطقة. وخصصت الموازنة العامة الجديدة للعام المالي المقبل 2021/2020 خمسة مليارات جنيه لتجهيز 13 منطقة صناعية في أنحاء البلاد، من بينها 7 مناطق في صعيد مصر، وفق غازي. وأشار غازي إلى أن الهيئة أنفقت 5 مليارات جنيه على برنامج تنمية صعيد مصر خلال العام المالي الجاري، وتعتزم إنفاق 6 مليارات على تحديث 4 مناطق صناعية في محافظتي قنا وسوهاج حتى عام 2023. وتقوم الحكومة والبنك الدولي بتمويل البرنامج، ويرتبط التمويل بمؤشرات الصرف لتحقيق أفضل استغلال للتمويل عبر توجيه الاستثمارات في البنية التحتية للمرافق، والخدمات، وتحديث عمليات الإدارة.
وعلى المدى القصير، يبدو أن لجنة التظلمات التي قامت الهيئة تشكيلها مؤخرا تنال رضا المستثمرين: قال غازي إن الهيئة شكلت لجنة تظلمات للنظر في نزاعات استعادة حيازة الأراضي مع البت في كل حالة على حدة. إذا استطاع المستثمر أن يثبت أن المرافق كانت العائق في المسألة، يمكن التراجع عن أمر استعادة ملكية الأرض. وعقدت اللجنة أول اجتماع مع المستثمرين يوم الأربعاء الماضي، وقد أشاد المستثمرون بهذه الجهود، ومن بينهم محمد جنيدي رئيس مجموعة جي إم سي الصناعي، والذي أعرب عن تقديره الشديد لجهود الوزارة. ويعتقد مستثمرون تحدثوا إلى إنتربرايز وكذلك مسؤولون حكوميون أن الجدول الزمني لاستعادة الأراضي عادل ولم يبدوا رغبة في تغييره.
وما موقف البرلمان بعد أن وصلت إليه القضية؟ وصلت القضية إلى مجلس النواب وجرى مناقشة الأمر خلال اجتماع لجنة الصناعة في وقت سابق من الشهر الجاري، وفق ما صرح به عضو اللجنة النائب طارق متولي لإنتربرايز، دون أن يكشف عن القرارات التي اتخذت خلال الاجتماع.
يبدو مستثمرو المناطق الصناعية أكثر قلقا حيال الوباء الحالي وسياسات تخفيف الأعباء في الوقت الراهن: القضية ليست فقط مجرد قضية المرافق، وفق ما ذكره جنيدي، مضيفا أن المستثمرين الصناعيين في حاجة إلى المزيد من الدعم، بما في ذلك صرف مستحقات دعم الصادرات والمزيد من الخفض لأسعار الغاز حتى يمكنهم مواجهة أزمة "كوفيد-19". ويواجه مستثمرو المناطق الصناعية أيضا صعوبة في الاستفادة من بعض المبادرات التي أطلقت لتخفيف الأعباء خلال الجائحة. وقال شعبان إن البنوك كانت بطيئة في تنفيذ مبادرات البنك المركزي ومن بينها برنامج التحفيز البالغة قيمته 100 مليار جنيه والذي أطلق في ديسمبر الماضي.