الجائحة تعطل تعافي قطاع السيارات .. لكن ربما نشهد انتعاشا خلال الأشهر المقبلة
الجائحة تعطل تعافي قطاع السيارات .. لكن ربما نشهد انتعاشا خلال الأشهر المقبلة: بدا أن قطاع السيارات المصري يتعافى في الربع الأول من العام الجاري بعد سنوات من هبوط المبيعات، لكنه عاد للانتكاس مجددا بسبب "كوفيد-19". ومنذ منتصف مارس الماضي، واجهت شركات التجميع والموزعين صدمة مزدوجة في العرض والطلب معا، إذ تباطأت واردات السيارات وأجزائها بسبب اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، وفي الوقت نفسه توقف الطلب من المستهلكين في ظل إجراءات الإغلاق وعدم اليقين بشأن الكيفية التي سيؤثر بها الوباء على الاقتصاد.
ما حجم الضرر؟ حققت معدلات نمو المبيعات أرقاما واعدة خلال معظم الربع الأول، لكنها تراجعت في الأسبوعين الأخيرين من شهر مارس مع تراجع الطلب بسبب الوباء وتدابير التباعد الاجتماعي والإغلاق الجزئي للاقتصاد. وتشير البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات (أميك) إلى تراجع مبيعات سيارات الركاب بنسبة 26% خلال أبريل، إذ حققت 5800 سيارة فقط مقارنة بـ 8 آلاف سيارة تقريبا في أبريل من العام الماضي. وكان حال قطاع الشاحنات (الذي غالبا ما يعكس الطلب في قطاع الشركات) أسوأ بكثير، إذ شهد انخفاضا بنسبة 42% في المبيعات ليصل إلى 1500 فقط مركبة خلال الشهر. وبشكل إجمالي شهدت السوق هبوطا قدره 22%، إذ تراجعت المبيعات في أبريل الماضي إلى 8900 فقط، مقارنة بـ 11500 مركبة في أبريل 2019 . وأحجمت عدة شركات عن التحدث إلى إنتربرايز بشأن مبيعاتها في الفترة الأخيرة، لكن مسؤولا بارزا في إحدى الشركات أخبرنا أن "المبيعات تضررت بشكل ضخم خلال شهر رمضان وإجازة العيد التي استمرت لمدة أسبوع كامل".
ووجدنا بعض النقاط الإيجابية المفاجئة في الأرقام التي صدرت مؤخرا: ارتفعت مبيعات الأتوبيسات بنسبة 58% خلال أبريل، محققة 1600 أتوبيس مقارنة بألف فقط في العام الماضي. ولم يؤد التوقف الناجم عن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة إلى خفض المبيعات، إذ كانت المبيعات في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 أعلى بنحو 33% مما كانت عليه خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. ومع ذلك، فإن أرقام أبريل لم تكن رائعة، إذ هبطت المبيعات إلى أقل من المستويات التي حققتها في أبريل 2017، حين تراجعت المبيعات إلى 9500 وحدة فقط بسبب انخفاض قيمة الجنيه وزيادة التضخم، بالإضافة إلى التأثيرات المتبقية لأزمة سوق الصرف الأجنبية عام 2016. فماذا حدث؟
1. عدم اليقين في السوق: وسط تقارير تسريح الموظفين وخفض رواتبهم، أجل العديد من المستهلكين خططهم لشراء سيارات جديدة. وأبلغت شركة جي بي أوتو المقيدة في البورصة المصرية عن انخفاض حاد في عدد زوار معارضها خلال الأيام الأولى من الحظر. وفي تصريح لإنتربرايز، قال الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات خالد سعد: "لن يخاطر أحد بصرف مدخراته على سيارة لا يمكنه حتى قيادتها، بينما يوجد احتمال بأن يصير عاطلا ويحتاج إلى كل جنيه يمتلكه".
2. تعليق إصدار التراخيص الجديدة: حتى أولئك الذين خاضوا المغامرة وقرروا شراء سيارات جديدة لم يتمكنوا من ترخيصها، إذ كانت كل خدمات الإدارة العامة للمرور متوقفة في ذلك الحين، ضمن قرار تعليق معظم الخدمات الحكومية التي تتضمن تعاملا مباشرا بين المواطنين والموظفين. ولم يتمكن المستهلكون الذين سبق واشتروا سيارات مستعملة من نقل الملكية أيضا، بعد إغلاق مكاتب الشهر العقاري حينها أيضا.
3. منع البنك المركزي تجار السيارات من بيعها نقدا: حذر البنك المركزي من أنه سيفرض غرامات كبيرة على معارض السيارات التي تتعامل بالنقد (ضمن حملة طويلة لتقليل اعتماد الاقتصاد على النقد)، وفي الوقت نفسه وضع حدا أقصى مؤقتا للسحب النقدي والإيداع في البنوك. وتسبب ذلك في صداع كبير لمعارض السيارات التي تتعامل بالنقد، والتي لا تمتلك 95% منها تراخيص العمل المطلوبة، وبالتالي ليس لديها إمكانية الحصول على حسابات مصرفية تجارية، حسبما يقول رئيس رابطة تجار السيارات أسامة أبو المجد.
4. فرض حظر التجوال: اضطرت الشركات إلى تقليل ساعات العمل امتثالا لأوامر حظر التجوال الجزئي. وأثرت أوقات العمل الجديدة على مبيعات شركة السبع أوتوموتيف، والتي عادة ما يحدث معظمها في النصف الثاني من اليوم، وفق ما أخبرنا به الرئيس التنفيذي للشركة علاء السبع. وعلاوة على ما سبق، قررت الحكومة إغلاق المحال التجارية تماما لعدة أيام.
كل هذا بالإضافة إلى توقف غير مسبوق لسلاسل التوريد العالمية: تضررت شركات تجميع السيارات المحلية والموزعون بسبب الإغلاق العالمي، الذي أجبر مصنعي السيارات ومصدريها على إيقاف أو تقليل قدراتهم الإنتاجية بشكل كبير. ويشير السبع إلى أنه منذ تصاعد تفشي الفيروس في مارس، لم تستورد مصر أي قطع غيار أو مركبات.
تأجيل خطط التوسع: تتزايد قيود السيولة على الشركات، مما يجبر بعضها على تأجيل خطط التوسع، وهو ما يؤكده خالد سعد، الذي يشغل أيضا منصب رئيس شركة بريليانس بافاريان أوتو. واضطرت الشركة إلى تعليق خطط إنفاق 120 مليون دولار على خط إنتاج جديد بشكل مؤقت. ولجأت جي بي أوتو أيضا إلى تعليق برنامج الإنفاق الرأسمالي الخاص بها، وإطلاق برنامج متشدد لتقليل التكاليف.
الشركات تقلل الأسعار لتشجيع الشراء: أطلقت العشرات من متاجر السيارات والوكلاء حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلنت عن خصومات تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات لتحفيز السوق (انظر هنا وهنا على سبيل المثال). وحتى الشركات الكبرى في السوق مثل جي بي أوتو، عرضت خصومات تصل إلى 70 ألف جنيه على بعض السيارات.
الأزمة المزدوجة من جانبي العرض والطلب تضع الشركات في موقف صعب: بدلا من رفع الأسعار بما يعكس انخفاض المعروض من السيارات، اضطرت الشركات إلى خفض الأسعار نتيجة تراجع الطلب بسبب الحاجة إلى السيولة النقدية، حسبما يقول السبع. وأضاف السبع أن "السبب الوحيد الذي قد يجعل الشركات تقدم هذه العروض على السيارات هو الحاجة إلى السيولة، أي سيولة لتغطية مصروفاتها". وقلل نادر غبور نائب الرئيس التنفيذي لجي بي أوتو من تأثير تخفيض الأسعار على النتائج المالية للشركة، وقال للمستثمرين في مكالمة أرباح مؤخرا إن أي خفض في الهامش الإجمالي سيجري تعويضه بزيادة حجم المبيعات.
متي يمكن أن تنتعش المبيعات؟ كل من تحدثنا معهم يتوقعون استمرار تراجع المبيعات على الأقل حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي. وتتوقع جي بي أوتو أن يبقى قطاع سيارات الركوب تحت وطأة "ضغوط مستمرة" حتى نهاية الربع الثاني، وبعد ذلك فإن الشركة لديها "تفاؤل حذر" في الربع الثالث، وفقا لغبور. وقال مصدر بجي بي أوتو لإنتربرايز إن المبيعات بدأت تظهر "بعض التعافي" خلال الأيام الأولى من شهر يونيو، ولكنه أكد أن المبيعات لن ترتفع إلا عندما تخفف الحكومة من الإجراءات المفروضة وتعود ثقة المستهلكين كما كانت قبل الجائحة. وفي الوقت نفسه، يشير سعد إلى أن مبيعات هذا العام قد تتراجع بنسبة 70% مقارنة بمبيعات 2019.
هذه ليست مشكلة مبيعات "ضائعة" ولكن مبيعات مؤجلة: رغم شوارعنا المزدحمة فإن نسبة السيارات إلى المواطنين في مصر منخفضة مقارنة بدول المنطقة والأسواق الناشئة، ولكن تلك هي الحقيقة. لكل ألف شخص لدينا 45 سيارة، وفي العراق هناك 77 سيارة لكل ألف شخص، وفي الجزائر 114، وفي تركيا 140، وفقا لعرض للمستثمرين نشرته جي بي أوتو (بي دي إف).
أي توقعات بالطبع تأتي بشرط مهم: لا أحد يعرف ما ستسفر عنه الفترة المقبلة بشأن تفشي "كوفيد-19" في مصر. وعلى الرغم من أن قطاع السيارات مرحب بقرارات تخفيف الإجراءات الاحترازية الأخيرة، والتي شملت استئناف جميع الخدمات بوحدات المرور، وتقليل ساعات حظر التحرك لتصبح من الثامنة مساء إلى الخامسة صباحا، ولكن يبقى القطاع مهددا بركود إضافي إذا ساء الوضع الوبائي في البلاد.