لماذا تعاني شركات الشحن واللوجستيات رغم نشاط الموانئ؟
لماذا تعاني شركات الشحن واللوجستيات رغم نشاط الموانئ؟ استعرض عدد سابق من "هاردهات" الشهر الماضي كيف حافظ نشاط الشحن البحري والخدمات اللوجستية بالموانئ المصرية في الإسكندرية ودمياط والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس على استقراره وبزخم كبير في الوقت الحالي على الرغم من التبعات الاقتصادية لوباء "كوفيد-19"، لكن شركات الشحن واللوجستيات تعاني. وتتزايد التحديات بانخفاض أسعار النفط، والذي شجع المزيد من خطوط الملاحة على استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، وتجنب المرور من قناة السويس.
لماذا يؤثر التباطؤ الحالي على أداء شركات الشحن بينما لم تتأثر الحركة بالموانئ؟ الإجابة المختصرة هي الزراعة، التي ساعدت على استمرار نشاط الموانئ خلال الربع الأول من 2020. ومع بدء بعض دول العالم في تخفيف القيود المفروضة ضمن عمليات الإغلاق، والتي من أهمها الصين وإيطاليا واللتان تعتبران من أهم الشركاء التجاريين لمصر، يتوقع خبراء في القطاع انتعاشة مرتقبة في الطلب على خدمات شركات الشحن، لكن لن تتمكن تلك الشركات من جني هذه المكاسب ما لم تقدم الحكومة الحوافز المناسبة لها.
ما هو حجم الخسائر التي تكبدتها شركات الشحن البحري خلال هذا العام؟ سجلت حركة الحاويات القادمة إلى الموانئ المصرية تراجعا قدره 20% في شهر أبريل الماضي مقارنة بنفس الفترة قبل عام، وفقا لما قاله محمد مصيلحي، وكيل الخط الملاحي "يانج مينج" ورئيس مجلس إدارة غرفة ملاحة الإسكندرية. وأضاف أن حركة الحاويات منذ بداية أزمة "كوفيد-19" في منتصف يناير الماضي تراجعت بنسبة 10% إلى 20% مقارنة بمستويات شهر ديسمبر 2019.
وتكبدت شركات الشحن البحري خسائر جراء هذا التراجع في حركة الحاويات، إذ هبطت إيراداتها من الموانئ المصرية ما بين 50 إلى 70% في الشهر الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من 2019، حسبما صرح أحمد مصطفى، نائب رئيس الاتحاد الدولي لرابطات وكلاء الشحن (الفياتا). وقدر مصيلحي حجم الانخفاض في إيرادات شركات الشحن بنحو 50%.
التأثيرات السلبية للأزمة الحالية انعكست أيضا على أرباح شركات الشحن البحري المدرجة بالبورصة المصرية، ومن بينها الشركة العربية المتحدة للشحن والتفريغ والتي كشفت في إفصاح إلى البورصة عن ارتفاع خسائرها خلال الـ 9 أشهر الأولى من العام المالي 2020/2019 بنسبة 20.8% متأثرة بالتراجع بنسبة 70% على أساس سنوي في حمولة الشحن الذي تناولته الشركة، فيما أظهرت بيانات شهر مارس تراجعا بنسبة 20% على أساس سنوي في إيرادات الشركة على خلفية انخفاض حمولة الشحن بنسبة 100%. وأعلنت أيضا شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، في بيان للبورصة عن تراجع إيراداتها خلال فترة الـ 9 أشهر بنسبة 12.3% على أساس سنوي جراء الانخفاض بنسبة 4% في عدد الحاويات التي تناولتها الشركة في شهر مارس. وقالت شركة إيجيترانس، في بيان للبورصة إنها تتوقع أن تتأثر عملياتها سلبا بتداعيات "كوفيد-19" خلال الفترة المقبلة. ولم تعلن الشركة بعد عن نتائجها المالية خلال هذا العام.
الخسائر التي تكبدها قطاع الشحن في مصر جاءت متوافقة مع البيانات العالمية، ونقلت بي بي سي عن ألان ميرفي، كبير المحللين لدى مؤسسة "سي إنتليجانس"، قوله إنه من المتوقع أن تسجل حركة الشحن العالمية تراجعا بنسبة 25% خلال النصف الأول من 2020. وأيضا قال لارس جينسين، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "سي إنتليجانس"، في تصريحات لشبكة يو بي إس إن حركة الشحن العالمية يمكن أن تشهد تراجعا بنحو 17 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدما، وهو ما يعادل حوالي 10% من حجم حركة الشحن العالمية. وأشار جينسين إلى أنه من المحتمل أن تسجل الموانئ والمحطات الطرفية خسائر بنحو 80 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدما من حجم المناولة، مضيفا أن حركة الشحن العالمي تتكبد خسائر أسبوعية بنحو 350 مليون دولار. ووفقا لتقرير صادر عن شركة استشارات الشحن "ألفالاينر"، والذي نقلته جريدة المال ، يلعب التباطؤ في حركة الشحن بموانئ الصين دورا رئيسيا في هذا الانخفاض، إذ تشير التوقعات إلى تراجع عدد الحاويات التي خرجت من تلك الموانئ بنحو 6 ملايين وحدة مكافئة لعشرين قدما خلال الربع الأول من 2020.
التحديات الجيوسياسية المتعلقة بالنفط تجعل قطاع الشحن في مصر عرضة للمخاطر: بالإضافة إلى التباطؤ الذي حل بالتجارة العالمية، كان لانهيار أسعار النفط تأثيرا سلبيا على حركة الشحن ومناولة الحاويات في الموانئ المصرية، من خلال تحفيز عدد من كبرى شركات الشحن العالمية لتغيير مسار سفنهم عبر بلدان أخرى تقوم بتحصيل رسوم أقل من مصر في موانئها. وقام تحالف 2M الذي يضم خط ميرسك الحاويات وخط إم إس سي MSC، أكبر خطين ملاحيين في العالم، بتحويل مسار بعض السفن التابعة له من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح كخط بديل لقناة السويس للمرور بين آسيا وأوروبا. وجاء ذلك عقب إعلان خط CMA- CGM الفرنسي مطلع أبريل الماضي عن تحويل خط سير سفينة واحدة لطريق رأس الرجاء الصالح، سعيا لخفض تكاليف التشغيل. يستغرق الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح مسافة ومدة زمنية أطول، لكنه أقل تكلفة في ظل أسعار النفط الحالية مقارنة بتكلفة عبور قناة السويس. وأوضح مصيلحي أن العديد من شركات الشحن يمكنها في أوقات هبوط أسعار النفط قطع مسافات أطول مقابل رسوم أقل، لافتا إلى أن الموانئ اليونانية والقبرصية خفضت رسومها بنسب تتراوح بين 25 إلى 30%.
وربما لن يساعد خفض إنتاج النفط في حل المشكلة: يرى محمد السعيد وكيل الشحن في شركة ساراتوجا للملاحة والتجارة إنه رغم التباطؤ الحالي في المعروض من خام النفط والذي ساهم في ارتفاع أسعار خام برنت على مدار الأيام الأربعة الماضية، إلا أنه قدر يكون ضارا لأنه يعني تباطؤا في نشاط ناقلات النفط.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الظروف كان لها تأثيرا محدودا على نشاط الشحن في الموانئ: نوهنا الشهر الماضي إلى أن ميناء شرق بورسعيد شهد زيادة بنسبة 36.4% على أساس سنوي في عدد الحاويات المتداولة خلال الربع الأول من العام الجاري. واستقرت الحركة في ميناء الإسكندرية الذي تمر من خلاله نحو 70% من البضائع التجارية التي تمر عبر موانئ البلاد، بمتوسط يومي بلغ 7 إلى 10 آلاف حاوية خلال مارس الماضي. وحول تأثير قرار شركات الشحن العالمية بتغيير مسار أساطيلها، قال يحيى زكي، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإنتربرايز، إن كبرى شركات الشحن العالمية تواصل عملها في مصر وأن خفض الموانئ المنافسة رسومها كان تأثيره محدودا. ويبقى السؤال: لماذا لم ينعكس الهبوط في حركة الشحن العالمية على نشاط الموانئ المصرية؟
الصادرات الزراعية هي كلمة السر: أكدت معظم شركات الشحن والمسؤولين في الموانئ الذين تواصلت معهم إنتربرايز أن موسم التصدير الزراعي حافظ على زخمه في الموانئ المصرية بوتيرة منتظمة. وثمة زيادة بنسبة 4-5% في حركة الشحن للخارج (الحاويات الصادرة) بفضل موسم التصدير، وفق مصيلحي. وقفز عدد السفن التي تنقل المحاصيل الزراعية عبر ميناء الإسكندرية بنسبة 21% على أساس سنوي بالربع الأول من 2020، حسبما صرح المتحدث باسم الميناء رضا الغندور لإنتربرايز. وشهد الميناء ارتفاعا في حجم السلع الزراعية المتداولة بنسبة 37% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام بواقع 205.8 ألف طن.
وعزا مسؤولون تحدثت إليهم إنتربرايز الشهر الماضي النشاط المستمر في الموانئ المصرية إلى تراكم شحنات عقود طويلة الأجل.
ولكن صناعة الشحن لم يجن ثمار جراء هذا النشاط: بالنسبة للمبتدئين، فإنك إن لم تقم بشحن المحاصيل الزراعية أو غيرها من السلع الأساسية الأخرى خلال أزمة "كوفيد-19" فإنك سيء الحظ ، إذ شهدت التجارة العالمية تراجعا في كافة السلع غير الأساسية على عكس السلع الأساسية التي حافظت على نشاطها، وفق محمد مصطفى، نائب رئيس "الفياتا"، لافتا إلى أن معظم العقود طويلة الأجل هي في الأساس تعاقدات على سلع أساسية. من جانبه، نوه مصيلحي إلى أن رسوم وتكاليف السفن الواردة إلى الموانئ المصرية وتداول الشحنات الواردة يعد أعلى بكثير على شركات البحرية مقارنة بتكاليف ورسوم الحاويات الصادرة وشحنات التصدير. وبذلك تفوق الخسائر في أنشطة الاستيراد مكاسب أنشطة التصدير، وفق مصيلحي. ونوه وكلاء شحن آخرين في تصريحات لإنتربرايز إلى أن زيادة عدد السفن لا تعني زيادة في الربحية. وأضاف الوكلاء أن عدد الحاويات والحمولات هي جوهر الصناعة وبالتالي فإن المزيد من السفن التي تنقل حمولات أقل يعمق من الخسائر.
لكل شيء نهاية، فالارتفاع الحالي في الصادرات الزراعية قد لا يستمر بنفس الوتيرة على المدى الطويل كما ستنتهي العقود طويلة الأجل. ولم يستطع المسؤولون الذين تحدثت إليهم إنتربرايز متى يحين هذا الوقت، لكنهم ألمحوا إلى انخفاض حركة الشحن البحري إذا استمرت الجائحة أكثر من ذلك.
وربما يكون تخفيف إجراءات الإغلاق هو بصيص الأمل للصناعة: مع استمرار النقاش العالمي حول موعد تخفيف عمليات الإغلاق واستئناف النشاط الاقتصادي، فإن شركات الشحن تعلق آمالها على أن يحدث ذلك عاجلا وليس آجلا. ويعزز تلك الآمال تخفيف الإغلاق في الصين، والولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر مستورد للملابس المصرية، وإيطاليا ثالث أكبر شريك تجاري للبلاد. ويرجح مصطفى أن تلك اللحظة المنتظرة ستأتي بحلول منتصف يوليو، مضيفا أنه يتوقع حينها قفزة "كبيرة" في نشاط الشحن.
وحتى لو حدث ذلك، سيتعين على الموانئ المصرية أن تكون أكثر تنافسية لاقتناص تلك المكاسب: في استجابة لقرار قبرص واليونان بخفض رسوم موانيها، ضغط قطاع النقل البحري على ميناء الإسكندرية لدراسة خفض الرسوم. ويبدو أن تلك الخطوة قد بدأت بالفعل. وأعلنت هيئة قناة السويس الأسبوع الماضي تخفيض رسوم سفن الحاويات القادمة من الساحل الشرقي الأمريكي وموانئ شمال غرب أوروبا والمتجهة مباشرة إلى منطقتي جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا بنسبة تتراوح بين 60 إلى 75% حتى نهاية يونيو المقبل. ومنحت الهيئة أيضا سفن الحاويات القادمة من موانئ شمال غرب أوروبا، بما في ذلك ميناء طنجة، وحتى ميناء الجزيرة الخضراء، المتجهة مباشرة إلى ميناء بورت كيلانج وما شرقه من موانئ جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى تخفيضا قدره 17% من رسوم العبور العادية اعتبار من أول مايو وحتى نهاية يونيو. ويظل السؤال: هل ستكون هذه الإجراءات كافية؟