كيف تتعامل الشركات الناشئة العاملة في مجالات البنية التحتية مع أزمة "كوفيد-19"؟
كيف تتعامل الشركات الناشئة العاملة في مجالات البنية التحتية مع الجائحة: هل تغلق، أم تتعايش مع الوضع، أم تنمو؟ تسببت أزمة "كوفيد-19" في لجوء البشر إلى التكنولوجيا والاعتماد عليها بشكل لم نعهده من قبل، فهناك التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والتعليم الإلكتروني، وكلها مجالات ازدهرت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة. لكن الوضع ليس بهذا الوضوح بالنسبة للشركات الناشئة المرتبطة بمجالات البنية التحتية، والتي تعتمد خدماتها على أشياء مادية وملموسة كالطرق والموانئ والمستشفيات والمرافق العامة. ويبدو أن الشركات التي ستنجو من الضربة القوية التي يوجهها الوباء إلى هذا القطاع، هي التي ستنجح في تخفيف اعتمادها على تلك الأشياء الملموسة.
إنه عصر الرعاية الصحية وخدمات التوصيل والنقل: ازداد الطلب بصورة كبيرة في الأسابيع الأخيرة على المنتجات الصحية، وكذلك على خدمات التوصيل التي تسمح للمستهلكين بالبقاء في المنازل وتفادي التفاعل الشخصي، وهو ما يؤكده لإنتربرايز عدد من قادة الشركات الناشئة مثل ألجبرا فينتشرز وفلات 6 لابز وسواري فينتشرز وفلك للمشاريع الناشئة. وعلى سبيل المثال، شهدت خدمات توصيل البقالة مثل جودزمارت زيادة كبيرة في الطلب، وفق ما يقوله كريم حسين الشريك الإداري لشركة ألجبرا فينتشرز.
كلما زاد التباعد الاجتماعي، ازدادت أرباح قطاع التكنولوجيا الصحية: بالنظر إلى ارتباط سمة السرعة بالعصر الحالي، فقد صارت الرعاية الصحية من مجالات البنية التحتية المهمة بعيدا عن التعريف التقليدي للكلمة. وشهدت تطبيقات توصيل الدواء الناجحة، مثل "شفاء" التابع لفلات 6 لابز، و"علاجي" الذي تحتضنه مسرعة الأعمال فلك، ارتفاعا كبيرا في الطلب خلال الشهر الماضي. وقبل "كوفيد-19" كان تطبيق علاجي يوصل ما يقرب من 100 طلب في اليوم، والآن يتضاعف الرقم مرتين وأحيانا ثلاث مرات. بالإضافة إلى أن الشركة وصلت إلى مرحلة متقدمة من المباحثات بشأن تمويل من الفئة A، مع تنامي اهتمام صناديق الاستثمار المحلية والإقليمية بالقطاع بسبب الوضع الحالي، وفق ما صرح به العضو المنتدب لفلك يوسف السماع، لإنتربرايز. وبدورها، تمكنت شركة شفاء مؤخرا من إتمام جولة تمويل من الفئة ذاتها، حسبما تقول دينا الشنوفي مديرة الاستثمار في فلات 6 لابز.
"فيزيتا" تقتنص الفرصة لإطلاق خدمات الاستشارات الطبية عبر الهاتف: دفع الانتشار السريع للفيروس منصة الرعاية الصحية على الإنترنت فيزيتا، التي جمعت 40 مليون دولار ضمن جولة تمويل من الفئة D قبل شهرين، إلى التعجيل بإطلاق خدمة الاستشارات الطبية عبر الهاتف، والتي كان من المخطط إطلاقها في يونيو المقبل، حسبما صرح أمير برسوم الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس للشركة. وقبل "كوفيد-19"، كان عدد الحجوزات الشهرية عبر منصة فيزيتا يتراوح بين 300 و320 ألفا في الشهر، لكنها الآن وصلت إلى ما بين 230 و249 ألفا باستثناء خدمة الاستشارات الهاتفية، وذلك وفقا لبرسوم الذي يؤكد أن منصته تبلي بلاء حسنا، حتى في ظل هبوط قطاع الرعاية الصحية عالميا بنسبة 30-50%، سواء في المعاملات أو حجم الصناعة ذاتها.
خدمات النقل بأنواعه تواجه بعض الصعوبات: يميل المستهلكون في الوقت الحالي إلى تجنب خدمات النقل المشتركة، كما تقول دينا الشنوفي. وشهدت منصة واصل للنقل بين المحافظات تراجعا كبيرا في الطلب، وتأثرت إيراداتها بانخفاض عدد الرحلات التي تجريها بنسبة 50% خلال أول أسبوعين من تطبيق حظر التجوال، حسبما يوضح المؤسس والرئيس التنفيذي أحمد الراوي. وكانت شركة ماي داي، التي تقدم المساعدة على الطريق للسيارات، من بين الشركات الأكثر نجاحا في محفظة فلك قبل "كوفيد-19"، كما يؤكد السماع، فقد أبرمت اتفاقيات مع شركات مثل كريم وشل، وحققت إيرادات تبلغ 1.2 مليون جنيه في الربع الأول من 2020، وجمعت تمويلات بنحو 3 ملايين جنيه. ولكن مع هجوم الوباء، شهدت الشركة انهيارا في الطلب لتتراجع الطلبات من نحو 50 يوميا إلى 7 أو 8 فقط.
شركات النقل اللوجستي ومعاملات الشركات هي الأقل تضررا: استفادت شركة تريلا، وهي منصة تربط بين مقدمي خدمات نقل البضائع والأغراض بالشاحنات وبين طالبي تلك الخدمات في مرحلة ما بعد التمويل الأولي، من وجود تنوع في العملاء وسلسلة توريد متكاملة في مصر، بما في ذلك التجارة الداخلية في المنتجات الخام والمصنعة والتوزيع، بحسب كريم حسين من ألجبرا فينتشرز. ورغم أن "كوفيد-19" أعاد تشكيل قاعدة عملاء الشركة من المعاملات عبر الحدود إلى معاملات محلية فيما بين المحافظات، فإنها لم تتأثر كثيرا بسبب تعامل معظم شركات الشحن التابعة لها في السلع الأساسية. ويوضح حسين أن تريلا اكتشفت لدى عملائها ميلا إلى إدخال التكنولوجيا في عمليات الدفع واستخراج الوثائق المطلوبة، مثل أوراق إثبات الاستلام، وهو ما أدى إلى تحسين كفاءة الأعمال وخفض التكاليف، وكل هذا لم يكن ليحدث لولا الجائحة. ومن الواضح أن القطاع يستفيد من العمل في مجال السلع الأساسية، ولكن علينا ألا ننسى أن العامل الأساسي في نجاحه هو تقليل التعاملات الشخصية بشكل فعال.
الشركات الناشئة في مجال النقل توصلت إلى أن التأقلم أصبح ضرورة للبقاء: تحولت بسرعة شركة النقل الجماعي "حالا" لتقديم خدمات توصيل الطلبات مع إمكانية التقسيط لعملائها وذلك لتعويض خسارتها الناتجة عن انخفاض الطلب على وسائل المواصلات، وفق حسين. كما عدلت "واصل" من عملياتها المالية لتصبح أكثر توفيرا إضافة لزيادة عمليات التعقيم، طبقا لأحمد الراوي. وتقوم كل من الشركتين باتباع أسلوب أوبر وكريم في إطلاق خدمات توصيل الطلبات وزيادة إجراءات التعقيم لتلبية احتياجات العملاء واحتواء مخاوفهم من التقارب الجسدي.
لكن قطاع الطاقة المتجددة قد تلقى ضربة ربما تستمر لمدة عامين: تتأهب شركات الطاقة لانخفاض في الاستهلاك خلال عام ونصف إلى عامين مقبلين، بحسب توقع كل من المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ "كرم سولار" أحمد زهران والمدير التنفيذي لـ "كايرو سولار" حاتم توفيق. ويوضح زهران أن الموقف الحالي لن يؤثر على المشروعات التي تعتزم "كرم سولار" تنفيذها ولكنه سيخفض على الأرجح من استهلاك الطاقة في تلك المشروعات على المدى المتوسط. ويقول توفيق إن "كايرو سولار" كانت تتوقع مضاعفة إيراداتها خلال العام الجاري من 25 مليون جنيه إلى 50 مليون جنيه، ولكن بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي خفضت الشركة توقعاتها إلى 12.5 مليون جنيه. وأضاف أن الشركة تعتزم التأقلم مع الوضع من خلال برنامج لتخفيض النفقات والذي تضمن تطوع الموظفين بتخفيض رواتبهم.
لكن ارتباط تلك الصناعة بشتى القطاعات يؤهلها للتعافي: يرى زهران أن التأثير سيختلف بين القطاعات، فالسياحة مثلا أكثر تضررا من قطاعي الأغذية والزراعة. وتابع أن "كرم سولار" تؤمن بأهمية إدارة الأزمات ولكنها كذلك تؤمن بأهمية التحرك الاستراتيجي. ويوضح "نحن نستثمر أيضا في بنية الآخرين التحتية للطاقة ونتوقع أن يزداد الطلب على منتجاتنا بعد انتهاء الأزمة. لذلك نحن نحاول أن نتأهب لتحديد كيفية اختيار من سنعمل معه".
واضطرت الشركات الناشئة في مجال البيئة التي تعتمد على جمع المخلفات أو التوعية الشخصية المباشرة لتوسيع أو تغيير خدماتها. ودفعت الظروف الحالية شركة إدارة المخلفات وإعادة التدوير، موبيكيا، إلى تخفيض طاقتها الإنتاجية بنحو 20-30% وإيقاف اتفاقاتها مؤقتا مع 5 من أصل 7 ورش تتشارك معها، طبقا لمؤسس الشركة إبراهيم أبو جندي. وتقوم "موبيكيا" بتنظيم عملياتها لتقليل الحاجة للتواصل البشري المباشر وزيادة تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر الأخبار والفيديوهات البيئية وتعليم الناس كيفية القيام بإعادة التدوير بأنفسهم. ويقول أبو جندي إن ذلك قد يؤسس لأن تصبح "موبيكيا" سوقا للمنتجات المعاد تدويرها، حيث سيكون بإمكان الناس أن يبيعوا مصنوعاتهم إضافة لتأسيس حركة بيئية أوسع. وحصلت الشركة على تمويل مبدئي بقيمة 100 ألف دولار مع تأسيسها قبل 3 سنوات كما حافظت على نموها من خلال المبيعات منذ ذلك الحين.
كما عجل "كوفيد-19" بالتحول الحتمي نحو الرقمنة. ويصف السماع "كوفيد-19" بأنه نظرة على المستقبل. وأضاف أن "الشركات التي تزدهر الآن هي تلك التي تعتمد على التكنولوجيا، وكانت لتزدهر بعد 10 سنوات من الآن ولكن الفيروس سرع من نموها. وأعتقد أن ذلك سيستمر وتلقائيا سيجد أي مستثمر أن هذه النماذج مثيرة للاهتمام".
وبالنسبة لشركات البنية التحتية، العامل الأساسي للنجاح هو تقليل التفاعل الجسدي. وسيبقى التباعد الاجتماعي ضرورة لفترة غير محددة مستقبلا. وسيغير ذلك من السلوك البشري وستعتمد القرارات المستقبلية على التوازن بين الضرورة للتفاعل المباشر ومخاطره، طبقا لأحمد الألفي رئيس شركة سواري فينتشرز و"جريك كامبس" والمؤسس المشارك لفلات 6 لابز. إذا فمن المنطقي أن يستمر مستقبلا الاتجاه الحالي للشركات الناشئة بمجال البنية التحتية في تقليل التواصل البشري المباشر أو إلغائه كليا سعيا للنجاة، أو الازدهار، خلال الفترة الحالية.