كيف استمر نشاط الموانئ المصرية رغم تراجع حركة التجارة العالمية؟
كيف استمر نشاط الموانئ المصرية رغم تراجع حركة التجارة العالمية؟ في الوقت الذي تستعد فيه الشركات العالمية والمحلية لمواجهة التأثيرات الناجمة عن تباطؤ حركة التجارة العالمية بسبب جائحة "كوفيد-19"، يتواصل وبزخم كبير نشاط الشحن البحري والخدمات اللوجستية في الموانئ المصرية. الأزمة التي يمر بها العالم حاليا لم تؤثر على نشاط الموانئ المصرية أو على إيراداتها، والتي ظلت ثابتة أو حتى زادت في بعض الحالات في مارس وفي الربع الأول من 2020، وفق ما قاله مسؤولون بموانئ الإسكندرية ودمياط والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في تصريحات لإنتربرايز. وأشار المسؤولون أيضا إلى استمرار العمل في مشاريع تحسين وتطوير الموانئ وفقا للخطة الموضوعة. هذه التصريحات تثير عددا من التساؤلات حول ما إذا كان قطاع الخدمات اللوجستية قد انضم إلى قطاعي التعليم والرعاية الصحية كقطاعات دفاعية خلال الأزمة. والإجابة باختصار هي أنه أصبح كذلك في الوقت الحالي، وذلك لأن هذه المكاسب جاءت في معظمها من العقود طويلة الأجل وتراكم الواردات.
ارتفاع إيرادات الموانئ وزيادة حركة الشحن على الرغم من الأزمة: سجلت إيرادات الرسوم في ميناء شرق بورسعيد ارتفاعا بنسبة 80.5% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2020، حسبما جاء في بيان صادر عن يحيى زكي رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أمس. وأوضح زكي أن هذا الارتفاع جاء على خلفية الزيادة بنسبة 31.8% على أساس سنوي في عدد السفن التي استقبلها الميناء في الربع الأول من عام 2020، وأيضا الزيادة بنسبة 36.4% في عدد الحاويات التي جرى تداولها في الميناء. وأشار زكي إلى أن عدد السفن التي استقبلها الميناء ارتفع بنسبة 17.6% على أساس سنوي في شهر مارس الماضي، على الرغم من الإغلاق في كل من الصين وأوروبا وأماكن أخرى من العالم.
وظلت البيانات الخاصة بحركة الشحن في الموانئ الأخرى عند مستويات العام الماضي ولم تسجل تراجعا. وحافظ ميناء الإسكندرية – والذي يتداول 70% من إجمالي السلع التجارية التي تعبر خلال موانئ البلاد – على مستويات العام الماضي من حيث حركة البضائع، وسجل الميناء تداول ما بين 7 إلى 10 آلاف حاوية يوميا في مارس الماضي، حسبما أفاد رضا الغندور، المتحدث باسم الميناء، في تصريحات لإنتربرايز. وأشار الغندور أيضا إلى أن الميناء تداول عدد قياسي من الحاويات بلغ 11300 حاوية في يوم واحد الاثنين الماضي. كما قال مسؤولون في ميناء دمياط لإنتربرايز إن حركة الشحن وإيرادات رسوم الميناء استقرت عند مستويات العام الماضي. وحاولت إنتربرايز التواصل مع وزارة النقل لطلب المزيد من البيانات حول حركة الشحن وتداول الحاويات بالموانئ، ولكن لم يصلنا منها تعقيب حتى الآن.
وسجل ميناء الإسكندرية زيادة في الرسوم الجمركية لتصل إلى 3 مليارات جنيه الشهر الماضي (مع الأخذ في الاعتبار أن هذا لا يعد بالضرورة مؤشرا على تحسن حركة البضائع)، حسبما صرح به مسؤولو الجمارك لإنتربرايز. وارتفعت أيضا عائدات الجمارك من ميناء دمياط في حين تراجعت عائدات الركاب.
المنطقة الاقتصادية وشركة حاويات قناة السويس تتفقان على ضخ 50 مليون دولار وتخفيض الرسوم: اتفقت كل من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركة قناة السويس للحاويات على ضخ استثمارات بقيمة 50 مليون دولار لتطوير ميناء شرق بورسعيد إضافة إلى تخفيض الرسوم في الميناء، وفقا لرئيس الهيئة العامة للمنطقة، يحيى زكي (شاهد 7:47 دقيقة). ولم يحدد زكى مقدار التخفيض المستهدف. وستوجه الاستثمارات لزيادة ارتفاع ستة أوناش لنقل البضائع من السفن إلى الشاطئ لتتمكن من التعامل مع السفن العملاقة وتوفير 15 على الأقل من روافع الجسور المتنقلة بإطارات مطاطية.
العمل جار على وضع الخطط للاستثمارات المستقبلية: صرح زكي لإنتربرايز أن هناك مباحثات جارية بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركة موانئ دبي العالمية حول تطوير منطقة صناعية على مساحة 10 آلاف متر مربع والتي ستضم مصانع السيارات والأدوية والمنسوجات، وذلك في ميناء العين السخنة. وأضاف أنه من المتوقع الإعلان عن الاتفاق قريبا. وقال زكي أيضا إن الهيئة تواصل المباحثات بشكل نشط مع عدد من الشركات الصينية التي تعتزم إطلاق المزيد من الاستثمارات في السوق المصرية.
هل يمكن أن تتعرض أي مشاريع لخطر التأجيل؟ في رده على سؤال حول إمكانية الانتهاء من مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية، التي من المتوقع أن تجتذب استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، حسب الجدول الزمني الموضوع في 2020، قال زكي إن الوضع الحالي ما زال غير محدد، وسيتعين تقييم الأثر الإجمالي لفيروس "كوفيد-19" على المشاريع القائمة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
لماذا لم يؤثر التباطؤ في حركة التجارة العالمية على النشاط في الموانئ المصرية؟ يعود ذلك إلى العقود طويلة الأجل: أرجع كل المسؤولين الذين تحدثنا إليهم تواصل نشاط الموانئ في مصر إلى عقود الشحن طويلة الأجل. وأوضح الغندور أن مثل هذه العقود عادة ما تغطي فترة أطول بكثير من ثلاثة أشهر، وأشار إلى أن هذا النشاط الذي تشهده الموانئ يرجع في الأساس إلى هذه العقود.
الموانئ من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن إبطاء نشاطها: أكد زكي على أهمية الحفاظ على تدفق السلع التجارية عبر الموانئ، لا سيما خلال أوقات الأزمات، وأشار إلى أن هذا هو السبب في أن صناع القرار في جميع أنحاء العالم يمكنهم الإبقاء على غلق البنية التحتية للركاب، مثل المطارات، ولكن لا يمكنهم القيام بخطوة مماثلة بالنسبة للموانئ. وأشار إلى أن موانئ مصر تعمل حاليا بأقصى طاقة ممكنة. ومن جانبه، قال الغندور إن الحكومة المصرية أدركت هذا الأمر، إذ وجه وزير النقل كامل الوزير بمواصلة فتح جميع الموانئ على مدار الساعة، مضيفا أن شركات الشحن أدركت أيضا تلك الجهود، وكتبت رسائل – اطلعت عليها إنتربرايز – أشادت فيها بجهود السلطات لإبقاء الموانئ مفتوحة.
الصادرات تواصل دعمها لحركة السفن في الموانئ: قال الغندور إن من العوامل المساعدة أيضا أننا في منتصف موسم الصادرات الزراعية، وهذا هو السبب في تسجيل زيادة خلال الشهر الماضي في عدد السفن التي تحمل الصادرات. وقال زكي في تصريح سابق إن عدد الحاويات التي تحمل الصادرات والتي غادرت من ميناء شرق بورسعيد ارتفع بنسبة 78.7% على أساس سنوي خلال شهر مارس الماضي، في حين زاد عدد الحاويات التي تحمل الواردات بنسبة 7% فقط على أساس سنوي الشهر الماضي.
فهل سيستمر هذا النشاط في أبريل والفترة التي تليه؟ لم نحصل على تأكيد من أي من المسؤولين الذين تحدثنا إليهم. وقال زكي: "نأمل أن يستمر هذا المستوى من النشاط في أبريل، ولكن الوضع الحالي لا يمكن التنبؤ به وعلينا أن نواصل المتابعة وأن نجمع المزيد من البيانات لإعادة تقييم توقعاتنا". ويتساءل أحد المسؤولين، والذي فضل عدم ذكر اسمه، ما إذا كانت العقود طويلة الأجل تدعم حركة السفن حتى الآن، وإلى متى سيتواصل هذا الأمر؟ ويتساءل أيضا ما إذا كانت هناك عقود شحن جديدة يجري توقيعها في الوقت الحالي. ويرى البعض، ومنهم غندور، أننا لن نشهد التأثير الحقيقي لـ "كوفيد-19" على نشاط الموانئ في مصر حتى سبتمبر المقبل، وذلك بسبب هذه العقود طويلة الأجل. وأضاف غندور أنه حتى في هذه الحالة، فقد لا يكون الوضع خطيرا إلى هذه الدرجة نظرا إلى أن نشاط التصنيع بدأ في التعافي ببطء في أماكن مثل الصين.
وفي غضون ذلك، تعتزم الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس المضي قدما في تقديم الحوافز التي من شأنها أن تعزز من حركة السفن في المنطقة، وفقا لما صرح به زكي، والذي أوضح أن الهيئة أعددت مجموعة من الحوافز التي تدرسها الحكومة حاليا، والتي ستكون في الغالب على شكل تبسيط الإجراءات وتسهيل عمليات رسو وتحميل السفن، كما يمكن أن تشمل حوافز ضريبية. وكان من المقرر أن تعقد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مؤتمرا في 21 مارس للإعلان عن هذه الحوافز، ولكنها قررت تأجيله نظرا لتصاعد حدة الأزمة الحالية.