هل ستكون مصر مستعدة لـ "عاصفة تنين" أخرى؟
هل ستكون مصر مستعدة لـ "عاصفة تنين" أخرى؟ من المؤكد أننا تأثرنا جميعا بموجة الطقس السيئ التي شهدتها البلاد يومي الخميس والجمعة الماضيين، والتي عرفت بـ "عاصفة التنين"، إذ تسببت الأمطار الغزيرة والعواصف في مقتل ما لا يقل عن 20 شخصا وانهيار عدة مباني، وتسببت أيضا في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، وأدت إلى انهيار أجزاء من الطرق السريعة لتعطل بذلك حركة السفر، وأدت أيضا إلى حادث تصادم قطاري ركاب، كما أحدثت أضرارا بالغة بالبنية التحتية للمدن. وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن مصر لم تشهد مثل تلك الظروف الجوية منذ ما يقرب من 35 أو 40 عاما. ومما زاد من تعقيد الأمور هو أن تلك العاصفة وقعت في وقت تكافح فيه مصر وباقي العالم من أجل التغلب على فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والذي يمثل كارثة غير مسبوقة.
حجم السيول التي شهدتها البلاد (وهو ما تم توثيقه بشكل جيد على وسائل التواصل الاجتماعي) يعد مؤشرا على أن تلك العاصفة كانت غير مسبوقة. ومن الواضح أن بنيتنا التحتية لم تؤسس للتعامل مع هذا القدر الكبير من الأمطار في مثل هذا الوقت القصير. ولكن بعد أن أصبح تغير المناخ حقيقة واقعة هنا وعلى مستوى العالم، تتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة، ومن بينها هل يمكن للبنية التحتية في مصر أن تتحمل "عاصفة تنين" أخرى؟ وما الذي يتطلبه الأمر حتى يكون لدينا بنية تحتية قادرة على التعامل معها مرة أخرى؟ وهل يستحق الأمر تحديث البنية التحتية؟
حصر الأضرار الناجمة عن عاصفة التنين: عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعا أمس مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء لاستعراض الأضرار الناجمة عن العاصفة على البنية التحتية لمصر، وقدرت الخسائر الأولية بقيمة 1.2 مليار جنيه، وفقا للبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية. وقد وجه الرئيس السيسي باستخلاص الدروس المستفادة، وعلاج أي مشاكل قد تكون ظهرت جراء تلك الظروف غير المسبوقة، وأيضا تعزيز التنسيق والتعاون بين مختلف الجهات المعنية لعلاج التداعيات والآثار الناجمة عنها، مشددا في هذا الصدد على الإصلاح الفوري لكافة الأضرار الناتجة عن تلك الظروف الجوية. كما وجه الرئيس بالحصر الدقيق والدراسة التفصيلية للتحديات التي واجهت مختلف جهات الدولة في التعامل مع تلك الظروف. وجاءت الأضرار الناجمة عن العاصفة كما يلي:
- 650 مليون جنيه تكلفة تطوير منطقة الزرايب بحلوان والتي تأثرت بشكل بالغ نتيجة الهطول الشديد للأمطار.
- خسائر في البنية التحتية لشبكة الكهرباء بقيمة 400 مليون جنيه.
- خسائر بقيمة 100 مليون جنيه تعرضت لها الطرق والمحاور القديمة، إلى جانب بعض التلفيات والخسائر في قطاعات السكك الحديدية والموانئ والنقل البحري.
من الجيد أن يكون لدينا شبكة لتصريف مياه الأمطار، ولكن هل يستحق الأمر التكلفة الباهظة لإنشائها؟ ازداد الحديث منذ العاصفة عن ضرورة إنشاء شبكة جديدة لتصريف مياه الأمطار تعمل بالتوازي مع شبكات الصرف الصحي في مصر. ولكن في حين أن هناك شبه إجماع بين كل من استطلعنا رأيه على أهمية وجود تلك الشبكة، يرى الجميع أن إنشاء مثل هذه الشبكة أمر غير ممكن وغير مجدي. وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد في مداخلة هاتفية مع برنامج "صالة التحرير" في أكتوبر الماضي إن عدم وجود شبكة لتصريف مياه الأمطار في مصر يمثل مشكلة كبيرة، ولكن إنشاء مثل هذه الشبكة في القاهرة الكبرى سيكلف ما بين 200 إلى 300 مليار جنيه (شاهد 6:08 دقيقة). وتسأل سعد عما إذا كان الأمر يستحق إنفاق كل هذه الأموال لمواجهة ظاهرة تمتد لأيام قليلة في السنة؟
حسين صبور، مؤسس شركة الأهلي صبور للتنمية العقارية يتفق أيضا مع هذا الرأي، وقال في تصريحات لإنتربرايز إن إنشاء مثل تلك البنية التحتية لتصريف مياه الأمطار يعد من أحد أكثر مشاريع تطوير البنية التحتية تكلفة. وشكك صبور في جدوى إنفاق مبالغ باهظة لمواجهة الأمطار الغزيرة التي تسقط لما يقرب من سبعة أيام فقط في السنة. وأضاف صبور أنه كانت هناك مقترحات بإنشاء نظام لتصريف مياه الأمطار وتجميعها ثم استخدامها في توليد الكهرباء، ولكن تلك الخطط استبعدت لأنها اعتبرت غير عملية للغاية. وأشار أيضا إلى أن شركته التي تقوم بإنشاء المرافق في العاصمة الإدارية الجديدة لن تقوم بتطوير مثل تلك الشبكة هناك.
يرى كل من سعد وصبور أن نظام الصرف الصحي الحالي في مصر يعد كافيا في الوقت الحالي، على الرغم من عدم قدرته على التعامل مع الهطول الشديد للأمطار خلال فترة زمنية قصيرة. ووفقا لما قاله المتحدث باسم رئاسة الوزراء، فيمكن لنظام الصرف الصحي في القاهرة أن يتعامل مع حوالي 5 ملايين متر مكعب من المياه يوميا، وهي كمية كبيرة من المياه في الظروف العادية. ومن جانبه أشار صبور إلى أن شبكة الصرف الصحي الحالية تمكنت بالفعل من تصريف كمية مياه الأمطار التي هطلت خلال عاصفة التنين ولكنها استغرقت وقتا أطول للقيام بذلك.
ولكن لماذا التركيز على ضرورة وجود شبكة جديدة لتصريف مياه الأمطار في الوقت الذي لا يزال هناك الكثيرين في مصر يعيشون من دون توفر شبكة الصرف الصحي الأساسية؟ قال طارق الرفاعى معاون وزير الإسكان لشؤون المرافق، في تصريحات لإنتربرايز إنه ينبغي بدلا من التركيز على ضرورة إنشاء شبكة صرف جديدة لتصريف مياه الأمطار أن يجري التركيز على التوسع في تغطية شبكة الصرف الصحي والتي تغطي حاليا 65% فقط من إجمالي السكان. وأضاف الرفاعي أن الحكومة تركز حاليا على زيادة تغطية شبكات مياه الشرب والصرف الصحي لتصل إلى النسبة المتبقية من السكان.
كما أن شبكة الصرف الصحي الحالية بحاجة إلى التمويل، إذ خصصت الدولة في موازنة العام المالي الحالي 2020/2019 مبلغ قدره 1.5 مليار جنيه لتمويل شبكة الصرف الصحي، في حين أن تشغيل وصيانة الشبكة يتطلب ما بين 3 إلى 4 مليار جنيه سنويا، وفقا لما قاله الرفاعي. وأشار أيضا إلى أن الحكومة توفر تمويلات إضافية عند الحاجة، ففي العام المالي الماضي رفعت الحكومة مخصصات الوزارة إلى ملياري جنيه، بدلا من 1.5 مليار جنيه.
معدلات الزيادة السكانية المرتفعة تفاقم أيضا من المشكلة: أشار الرفاعي أيضا إلى أن أنظمة الصرف الصحي في مصر يمكنها الاستمرار لمدة 30 عاما تقريبا، ولكن التغيرات في التركيبة السكانية وارتفاع الكثافة السكانية تؤثر على جودة هذه الأنظمة، مما يتطلب المزيد من أعمال الصيانة.
حتى أن تطوير شبكات الصرف الصحي الحالية كي تستوعب الهطول الشديد للأمطار لا يبدو أمرا عمليا، إذ إن تطوير الشبكات الحالية في جميع أنحاء البلاد كي يمكنها التعامل مع الأمطار الشديدة سيكلف ما بين 300 إلى 400 مليار جنيه، وفقا لما قاله خالد صديق المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات.
أليس هناك أمل؟ يتوقف ذلك على موقعك الجغرافي. وفقا لما قاله صديق، فإن المناطق الواقعة على أرض مرتفعة وجدت حلولا بديلة لتصريف مياه دون الحاجة إلى التكاليف المرتفعة الخاصة بها، فعلى سبيل المثال تمكن قاطنو مشروع حي الأسمرات في منطقة المقطم من الاستفادة من جغرافية المنطقة لبناء نظام عالى الكفاءة لمياه الصرف الصحي، وبذلك فقد جرت الاستفادة من ارتفاع المنطقة في تصريف مياه الأمطار، في حين لم يتكلف نظام الصرف الصحي سوى ما يقرب من 750 مليون جنيه. وأشار تقرير لمجلس الوزراء حول التأثيرات الناجمة عن عاصفة التنين إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمناطق السكنية المنخفضة والتي تراكمت فيها مياه الأمطار.
هناك بعض المناطق التي تضررت أكثر من غيرها جراء هطول الأمطار، لذا فمن الأهم التركيز على تلك المناطق. قال محمد البستاني رئيس جمعية اتحاد مطوري القاهرة الجديدة إن مدينتي السادس من أكتوبر والشيخ زايد لم تتضررا بشكل كبير من هطول الأمطار بالمقارنة مع القاهرة الجديدة، وذلك لأنهما يتواجدان على أرض صخرية أكثر صلابة من التربة الرملية التي بنيت عليها القاهرة الجديدة، ولهذا فإن الحديث عن إيجاد نظام لتصريف مياه الأمطار يشمل جميع المناطق سيكون أمرا غير عمليا.
يقترح البعض ومن بينهم البستاني القيام بتمويلات مجتمعية من أجل إنشاء شبكة جديدة لتصريف مياه الأمطار، لا سيما في منطقة التجمع الخامس التي كانت من أكثر المناطق تضررا من هطول الأمطار نهاية الأسبوع الماضي. وتقوم شركات التطوير العقاري في القاهرة الجديدة بسداد رسوم بنسبة 1 إلى 3% من قيمة الأراضي المملوكة لها إلى الجهاز الحكومي المسؤول عن المدينة، ومع اعتبار أن أسعار الأراضي في القاهرة الجديدة تتراوح ما بين 6.5 إلى 24 ألف جنيه للمتر المربع في المجمعات السكنية، فيمكن للمدينة أن تغطي تكاليف إنشاء شبكة صرف منفصلة إذا ما أعيد تخصيص تلك الرسوم.
بل ربما حان الوقت لزيادة تلك الرسوم: لم يطالب البستاني بزيادة تلك الرسوم، ولكن في ضوء أن العديد من المحليات تعاني من نقص التمويلات ويمكنها بالكاد تغطية تكاليف الخدمات التي تقدمها، فقد يتعين عليها زيادة ما تحصله من رسوم أو ضرائب.
في النهاية، لا يمكننا القول بأن هناك عصا سحرية يمكنها حل مثل هذه المشكلة غير المسبوقة، إذ تمثل أنماط الطقس المدمرة الناتجة عن تغير المناخ مشكلة لا تزال تؤرق معظم البلدان التي تضررت منها. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كان هناك إعصار كاترينا عام 2005 (بإجمالي خسائر تقدر ما بين 117 إلى 125 مليار دولار)، وتبعه إعصار ساندي (بخسائر 74 مليار دولار) في عام 2012، وثم إعصار إيرما (بخسائر 77 مليار دولار) وإعصار ماريا (بخسائر 90 مليار دولار) وإعصار هارفي (بخسائر 125 مليار دولار)، وكل ذلك كان في عام 2017. ولهذا فينبغي القول بأنه ما لم يتم التصدي لمشكلة تغير المناخ ككل، فستتواصل المعاناة من الطقس غير المستقر على نحو متزايد.