المدارس الخاصة تتجه إلى التعلم عبر الإنترنت لمواجهة فيروس "كوفيد-19"
المدارس الخاصة تتجه إلى التعلم عبر الإنترنت لمواجهة فيروس "كوفيد-19": تعكف المدارس الخاصة في مصر حاليا على اتخاذ إجراءات لإتاحة التعلم الإلكتروني من أجل استئناف الدراسة عبر الإنترنت، وذلك في أعقاب قرار الحكومة السبت الماضي بتعليق الدراسة في جميع المدارس والجامعات لمدة أسبوعين لإبطاء انتشار فيروس "كوفيد-19". وتتضمن هذه الإجراءات مجموعة من الأدوات التي تقدمها شركتي مايكروسوفت وجوجل، وأيضا أنظمة إدارة التعلم الخاصة بتلك المدارس ومقاطع الفيديو التي أعدت خصيصا لهذا الغرض. وفي تصريحات خاصة لإنتربرايز، قال مسؤولون في كل من مدرسة الألسن والمدرسة الأمريكية الدولية في مصر (AIS)، ومدرسة شوتز الأمريكية إن العديد من المدارس استعدت لمثل هذه الخطوة منذ ثلاثة أسابيع على الأقل. ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ إجراءات التعلم عن بعد بشكل كامل اليوم أو غدا في عدد من المدارس، بما في ذلك المدرسة الأمريكية الدولية والمدارس التابعة لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية، في حين تستعد شركة جيمس مصر لتنفيذ برنامجها للتعلم الإلكتروني اليوم في مدارسها التي تقدم المنهج البريطاني وخلال أسبوع لمدارسها التي تقدم المناهج القومية، وفقا لما قاله الرئيس التنفيذي لمجموعة جيمس مصر أحمد وهبي.
بالنسبة للعديد من المدارس الخاصة، هذا الأمر يعني التأقلم والاستفادة من موارد مستخدمة بالفعل، إذ يتمحور نظام التعلم الإلكتروني في مدرسة الألسن حول برنامج Google Classroom، والذي تستخدمه المدرسة بالفعل في تحديد المهام والتواصل مع الطلاب وتتبع ردودهم. وقال كريم روجرز، المدير التنفيذي لمدرسة الألسن إن جميع المعلمين والطلاب على دراية بالفعل بالنظام، مما يجعل عملية الانتقال إلى التعلم الإلكتروني أكثر سلاسة. وغالبا ما يجري الاستعانة أيضا ببرنامج Zoom ، والذي يعتبر منصة لعقد المؤتمرات عبر الفيديو ويمكَّن المعلمين من التفاعل مباشرة مع الطلاب في المواقف التي تتطلب وجود تواصل مرئي. هناك أيضا أدوات التعلم من شركة مايكروسوفت، وهي أيضا من بين مجموعة المصادر التي يجري تدعيمها حاليا لاستخدامها على نطاق أوسع، وفقا لما قاله الرئيس التنفيذي لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية، محمد القلا. وقال مدير المدرسة الأمريكية الدولية كابونو سيوتي، إن هناك أيضا المصادر المتاحة عبر الإنترنت، بما في ذلك برنامج القراءة الموجهة Raz-Kids ومنصة تمييز التعليم Freckle، والتي تعد أمثلة رائعة لبرامج التعلم التكيفي التي تستخدمها المدرسة الأمريكية الدولية حاليا. وقال القلا إنه، وعلى المستوى العالمي، يجري حاليا إتاحة برامج مثل Scholastic وZoom وCambridge وغيرها من منصات التعلم لمساعدة المدارس على الانتقال إلى التعلم عبر الإنترنت بصورة أكثر سلاسة.
المدارس تقوم أيضا بإنشاء الأدوات الجديدة الخاصة بها. يقول سيوتي إن المدرسة الأمريكية الدولية تقوم منذ فترة بإنشاء دروس عبر الإنترنت بصيغة الفيديو كطريقة رئيسية لتقديم المحتوى التعليمي لطلاب المرحلة الابتدائية التابعين لها، والذين ليسوا على استعداد بعد للتعامل مع برنامج Google Classroom. وشدد سيوتي على أنه من الإيجابي جدا للمعلمين أن يتعلموا كيفية تنفيذ هذه العملية معا، كما أن هذا يمنحهم الفرصة المثيرة للاهتمام لتسريع التعلم الهجين، والذي وصفه سيوتي بأنه سيمثل المستقبل للعديد من المدارس. من ناحية أخرى، تستخدم شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية نظام إدارة التعلم الخاص بها في التواصل مع الطلاب والمعلمين وفي تقديم التعلم الإلكتروني. وتستخدم مجموعة جيمس منصتها الخاصة بها للتعلم عن بُعد (وهي منصة بيئة افتراضية للتعلم) لنشر المحاضرات ومهام الواجبات المنزلية وللتواصل مع أولياء الأمور والطلاب. وقال وهبي أن أجزاء المناهج المنشورة على تلك المنصة لن تكون مباشرة في البداية، ولكن النسخة المباشرة قد تتاح في المستقبل حسب الاستعداد المجتمعي.
ولكن ما هو مدى فعالية التعلم الإلكتروني؟ تقوم المدرسة الأمريكية الدولية بقياس عاملين رئيسيين لتقييم مدى تحقق التعلم: أن يظهر الطلاب أولا إجادتهم لأحد المواضيع ومن ثم يوضحون فهمهم له، وفقا لما قاله سيوتي. وتعد هذه مؤشرات مهمة للتعلم الحقيقي، وغالبا ما تقاس بشكل أكثر فاعلية من خلال تسجيلات الفيديو أو الصوت، إما مباشرة أو بصورة مسجلة. وتساعد هذه العملية على طمأنة المعلمين بتحقق التعلم، كما تشجع الطلاب على التفكير في عملية تعلمهم، وهو ما يشبهه سيوتي بمناقشة رسائل الماجستير أو الدكتوراه.
"ليست الأمور كما هي معتادة، ولكن نحاول تقريبها قدر الإمكان". يقول ماسيمو لاتيرزا، المدير المساعد في مدرسة شوتز الأمريكية، إن العديد من المدارس كانت تستعد لمثل هذا الإجراء، وإنها طورت البنية التحتية والقدرات التقنية لتنفيذه. وقال مالك المدرسة الأمريكية الدولية تمام أبو شقرة إن رغم إغلاق المدارس في هونج كونج منذ مطلع فبراير، تمكنت المدرسة الأمريكية الدولية والمدارس الأخرى من التعلم من تجربة المدارس في آسيا وأن تستعد لمثل هذا الوضع.
ينبغي أيضا التعلم من الدروس المستفادة من الأزمات السابقة، إذ أن المعلمين الذين شهدوا حالات مماثلة من تعليق الدراسة بالمدارس أثناء تفشي إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير أكثر قدرة على طمأنة زملائهم الجدد وتثقيفهم، مما يساعد في اتخاذ إجراءات سريعة وخلق شعور جيد تجاه التعلم عبر الإنترنت وأيضا الحد من حالة الهلع والذعر، وفقا لما قاله روجرز، والذي أضاف أن خلق إحساس بالطمأنينة مهم بشكل خاص للطلاب المقبلين على اختبارات SATs وGCSEs الدولية، والذين هم بحاجة أكبر إلى مزيد من التفاعل.
المدارس الخاصة ليست الوحيدة التي بصدد الانتقال إلى التعلم الإلكتروني في محاولة لمواصلة تدريس المناهج الدراسية، إذ أعلنت وزارة التربية والتعليم عن خطة للتدريس عن بعد عبر الإنترنت لطلاب المدارس الحكومية، وسيتمكن طلاب الصف الثالث وحتى الصف الثامن من تلقي الدروس في جميع المواد من خلال الموقع الإلكتروني للوزارة، في حين يمكن لطلاب المرحلة الثانوية الاستعانة ببنك المعرفة المصري لتلقي دروسهم. وستقوم الوزارة أيضا ببث دروس مصورة لكافة الصفوف الدراسية. كما تم توجيه الطلاب بأن يستعينوا بموقع Designmate، والذي يعد مصدرا للتعليم المرئي التفاعلي ويمكن الوصول إليه من خلال بنك المعرفة المصري، والذي يحتوي على مقاطع فيديو متحركة تقوم بشرح المواد التعليمية.
ونظرا لأن العديد من الطلاب في المدارس الحكومية ليس لديهم إنترنت منزلي، ستقوم الوزارة بإعداد أقراص مدمجة (سي دي) وتوزيعها والتي ستحتوي على المقررات الدراسية.
التحدي الأكبر في الوقت الحالي هو التحول السلوكي. يقول لاتيرزا إن الطلاب في وقتنا الحالي على دراية تكنولوجية بالفعل، ولذلك تمكنت المدارس من تعزيز النماذج الحالية واتخاذ إجراءات سريعة لتدريب المعلمين والطلاب للاستعداد للدراسة عبر الإنترنت. إلا أن أنظمة التعلم الإلكتروني لن تكون أبدا بديلا مثاليا عن المدرسة، والتي توفر البيئة التي ينمو فيها الطلاب عاطفيا واجتماعيا ونفسيا، وهو جانب لا يمكن تحقيقه بسهولة عبر الإنترنت. وشدد كل من تحدث إلى إنتربرايز على قيام إدارات المدارس باتخاذ خطوات للتأكد من دعم الطلاب خلال هذه الفترة التي من المتوقع أن تتسم بعدم الاستقرار. وقال سيوتي إن خلال الأسابيع التي قضتها المدرسة الأمريكية الدولية في التخطيط سعت المدرسة إلى بناء التعلم عبر الإنترنت على أساس فلسفة محددة للغاية، مضيفا أن الأطفال بحاجة إلى اليقين الذي يوفره الروتين اليومي، لذلك كان من المهم إنشاء جدول زمني منظم، مع ضمان استمرارية المناهج وتقديم عبء عمل مناسب، خاصة مع اعتبار أن الطلاب ليسوا معتادين على الدراسة بهذه الطريقة.
أولياء الأمور لديهم دور حيوي كي يلعبونه، ومسؤولية إضافية تقع على أكتافهم. وقال القلا إن في الوقت الذي ترسل فيه شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية جدولا دراسيا مقترحا لطلابها كي يلتزموا به، فإن الأمر متروك لأولياء الأمور ليقوموا بوضع نظام يتبعه أطفالهم وأن يحرصوا على المشاركة المستمرة والنشاط البدني لهم خلال فترة تعليق الدراسة. وشدد على أن هذا يعد عنصرا ضروريا للغاية لضمان تحقيق الخطوات التي تتخذها المدارس لأهدافها الموضوعة. أما بالنسبة للأطفال الأصغر سنا، فيقع العبء الأكبر على عاتق أولياء الأمور في التأكد من أن أطفالهم ملتزمون بمواعيد الدروس التعليمية عبر الإنترنت وأنهم يكملون واجباتهم في الوقت المحدد. وقال روجرز إن ذلك يضع عبئا إضافيا على أولياء الأمور الذين لديهم بالفعل ضغوط في العمل وضغوط أخرى، وأضاف أن البعض يحاول التخفيف من هذه الضغوط من خلال التعاون بين أولياء الأمور، بحيث يجري ضم مجموعات صغيرة مكونة من ستة أطفال تقريبا للدراسة معا، على أن يتولى أحد أولياء الأمور الإشراف على تلك المجموعة كل في دوره.
الوضع حاليا يشهد تغيرات متسارعة، وهو الأمر الذي يضع أمامنا العديد من التحديات، ولكن إدارات المدارس تكافح للتغلب على تلك التحديات. ويقول روجرز إنه يجري الاستعداد لإغلاق المدارس لفترة أطول، وذلك من خلال تواجد طاقم تدريس أساسي متواجد حاليا في مدرسة الألسن، والذي يعمل على تغيير خطط الدروس من من كونها تلقي في الفصول للطلاب إلى دروس افتراضية. وأضاف أن هذا من شأنه أن يمكن المدرسة من الاستجابة السريعة في حال تواصل تعليق الدراسة بالمدارس إلى ما بعد فترة الأسبوعين. وما زالت هناك شكوك حول إمكانية إجراء الامتحانات المحددة خارجيا مثل البكالوريا الدولية أو اختبارات IGCSE الدولية، ولكن أبو شقرة أكد على أنه من مسؤولية إدارات المدارس التأكد من جاهزية طلابها في أي حال.
ولكن ما زال هناك جانب إيجابي لما يحدث، وهو أن هذه التغييرات يمكن أن تؤدي إلى تحولات هامة في مسيرة التعليم في مصر على المدى البعيد. ويمكن أن تؤدي الإجراءات المتخذة خلال فترة الأزمة هذه إلى تحفيز أو تسريع عملية الانتقال إلى اتباع النظم التعليمية العالمية. وقال سيوتي: "تأمل المدرسة الأمريكية الدولية أن تكون هذه فرصة لهيئة التدريس لدينا من أجل تحقيق النمو كمحترفين في مجال التعليم وأن نتجه نحو القرن الحادي والعشرين بطرق لم نتطرق لها من قبل". ومن ناحيته، قال لاتيرزا إن الإجراءات التي تجرى الآن يمكن أن تمثل مستقبل النماذج التعليمية، مضيفا أنه يمكن أن يتعلم الطلاب عبر الإنترنت يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع وأن يأتوا إلى المدرسة في الأيام الأخرى لممارسة الرياضة أو عرض مشاريعهم أو إجراء التجارب الكيميائية في المعامل وهي أشياء لا يمكنهم القيام بها في المنزل. وأضاف: "في رأيي الشخصي كمعلم، أعتقد أن إغلاق المدارس حول العالم سيدفعنا على استكشاف طرق جديدة للتدريس ولتحقيق النتائج. وأعتقد أن هذا الأمر سيغير من المشهد التعليمي".