لماذا تحتاج المراكز المهنية في الجامعات إلى مزيد من الموارد لتلبية متطلبات سوق العمل بشكل أفضل
لماذا تحتاج المراكز المهنية في الجامعات إلى مزيد من الموارد لتلبية متطلبات سوق العمل بشكل أفضل: أدركت الجامعات المصرية أهمية المراكز المهنية المصممة خصيصا لإعداد طلابها لسوق العمل، فعدد المراكز آخذ في الارتفاع، والطلب عليها كبير سواء من الطلاب أو الموظفين المحتملين. لكن رغم هذا، لا تزال كثير من الجامعات لا تستثمر بما يكفي في المراكز المهنية المتخصصة لتلبية احتياجات طلابها. وفشلت العديد من الجامعات في تقديم خدمات مهنية أكثر شمولا، مثل برامج الإرشاد المصممة خصيصا لمساعدة الطلاب على فهم المهن التي يريدون الالتحاق بها في المستقبل، والمعارف والمهارات التي يحتاجون إلى تطويرها. وتعتبر هذه البرامج ضرورية في سبيل سد الفجوة الكبيرة (بي دي إف) بين ما تنتجه المنظومة التعليمية وما يحتاجه سوق العمل في مصر.
يتزايد عدد المراكز المهنية المتخصصة في الجامعات الخاصة منذ التسعينات، إذ تأسس مركز التنمية المهنية بالجامعة الأمريكية عام 1991 كأول مركز من نوعه في مصر والمنطقة، وتطور في بدايته من فريق قوامه ثلاثة أشخاص يركز بشكل أساسي على احتياجات التوظيف لطلاب الجامعة الأمريكية، إلى فريق يضم 20 شخصا ويقدم مجموعة متنوعة من الخدمات الشاملة التي تستهدف مؤشرات الأداء الرئيسية لسوق العمل. ومنذ ذلك الحين، بدأت بعض الجامعات الخاصة بتقديم خدمات استشارية مهنية. فمثلا، تمتلك الجامعة الألمانية بالقاهرة مكتبا مخصصا للتطوير المهني للطلاب والخريجين، بينما تخطط الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا لإطلاق مركزها المهني في الأسابيع المقبلة بهدف خدمة 23 ألف طالب في ثماني جامعات مصرية، وفق ما أكده أيمن شوقي مدير التطوير المهني. وأضاف شوقي أن المركز سيركز على تمكين الطلاب من فهم مهاراتهم واهتماماتهم بشكل أفضل، وكذلك تحديد مسارات حياتهم المهنية، بالإضافة إلى خوض محاكاة للمقابلات الوظيفية وتكوين علاقات مع مديريهم المستقبليين.
تعمل الجامعات الحكومية أيضا على توسيع نطاق خدماتها المهنية، من خلال برنامج مشترك بين الجامعة الأمريكية بالقاهرة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة التعليم العالي. استمرت المرحلة التجريبية لبرنامج تنمية المهارات المهنية والتوظيف من 2012 إلى 2017، وشهدت افتتاح ثلاثة مراكز للتنمية في ثلاث جامعات مختلفة، أحدها في كلية الهندسة بجامعة عين شمس، والذي يخدم حاليا أربعة آلاف طالب سنويا من بين مجموع طلاب الجامعة البالغ عددهم 14 ألفا، بحسب ما أعلنته رنا عماد، القائمة بأعمال مدير مركز تنمية المهارات المهنية والتوظيف بالجامعة. وتهدف المرحلة الحالية من البرنامج إلى افتتاح 20 مركزا مهنيا في 14 جامعة حكومية على مستوى البلاد بحلول عام 2021، طبقا لسارة باناشيك، نائبة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمكتب التعليم والصحة. ويأمل القائمون على البرنامج في الوصول إلى 70% من طلاب الجامعات الحكومية في مصر.
هذه الخدمات تعمل بشكل ناجح، والطلب عليها موجود: 86% من الطلاب الذين حصلوا على استشارات من مركز التنمية المهنية بالجامعة الأمريكية في عام 2017، وجدوا عملا، كما تقول مديرة الاستشارات المهنية في الجامعة الأمريكية داليا عوض، التي توضح أنه في 2018 و2019، استفاد من خدمات المركز 5900 من طلاب وخريجي الجامعة، أي نحو 40% من عدد الطلاب الذين حصلوا على الخدمات بشكل عام. ومن خلال نظامها لإدارة الخدمات المهنية، طرحت الجامعة ما يقرب من ثمانية آلاف وظيفة و1700 فرصة تدريب خلال العام الماضي.
ومع ذلك، لم تسلم هذه الخدمات من التشكيك في فعاليتها في معظم الجامعات. فكثير من الجامعات لا تقدم الخدمات المهنية سوى في إطار مكاتب تطوير الطلاب، والتي بدورها تركز على الأنشطة الطلابية أكثر من سد الفجوة بين خريجي الجامعات وسوق العمل، وفقا لتصريحات أكرم مروان مؤسس والمدير الإداري لشركة آي كارير، وهي شركة ناشئة هادفة للربح تقدم خدمات التطوير المهني للجامعات والطلاب. وتوضح داليا عوض أن هذا يتناقض بشكل صارخ مع نموذج الجامعة الأمريكية ذي خدمات التوجيه المهني، التي تشمل طرقا تجريبية ينهمك فيها الطلاب، وتقديم المشورة المهنية للأفراد، والسماح لهم بخوض محاكاة للمقابلات الوظيفية، والحصول على تقييمات رسمية وغير رسمية، وتعليقات على سيرهم الذاتية، بالإضافة إلى تنظيم معارض للتوظيف.
بشكل جزئي، يقف نقص التمويل عائقا أمام رفع مستوى هذه الخدمات، إذ لا يفرض مقدمو الخدمات رسوما على الطلاب مقابل ما يحصلون عليه. وتؤكد مكاتب الخدمات المهنية، بما فيها الخاصة بالجامعة الأمريكية وعين شمس، أن بإمكانها تغطية تكاليف معارض التوظيف التي تنظمها عن طريق فرض رسوم على حضور الشركات، لكنها تعتمد على ما تحصل عليه من ميزانيات الجامعات لدعم استمرار وتوسيع خدماتها.
وبعيدا عن الجامعة الأمريكية، فإن بقية الجامعات لا تتابع مدى فعالية الأساليب التي تنتهجها. ففي الوقت الحالي، تعتبر الجامعة الأمريكية هي الوحيدة التي تحصي نسبة الطلاب الذين يستفيدون من خدماتها المهنية ثم يحصلون على وظائف بالفعل. ويشير مروان إلى أنه لو اهتمت كل الجامعات بتجميع مثل هذه البيانات، ستكون لديها القدرة على متابعة التقدم الذي تحرزه مراكزها، وتقدير قيمة خدماتها المهنية بصورة أفضل. وهذه ليست عملية صعبة وفقا ليارا عماد، لكنها تتطلب فقط توفير التمويل اللازم.
تعتمد فعالية المراكز المهنية بشكل كبير على مشاركة القطاع الخاص: توضح سارة باناشيك أن مشاركة القطاع الخاص تزيد من فعالية المراكز الوظيفية. فأحد المبادئ التي أكدها برنامج الجامعة الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن مراكز الخدمات تتطور بالتوافق مع احتياجات الشركات والصناعات الموجودة في حيزها الجغرافي، وهكذا يتطور كل مركز بشكل مختلف قليلا عن سواه بحسب شراكته مع القطاع الخاص. فتطور المراكز في بورسعيد، حيث تزدهر التجارة والاستثمار في المصانع، قد يختلف عن مراكز الصعيد أو البحر الأحمر حيث التركيز الأكبر على السياحة. وتستشهد باناشيك بهذا التعاون باعتباره النقطة الرئيسية في نجاح مركز تنمية المهارات المهنية بجامعة عين شمس، الذي يعمل الآن بشكل مستقل ودون مساعدة البرنامج. ونجح المركز كذلك في تطوير خدمة خاصة لمساعدة الشركات على تلبية احتياجات التوظيف لديها، وهو أمر مهم بصفة خاصة لصناعات مثل التكنولوجيا، التي تواجه قدرة تنافسية عالية في السوق وفقا لعماد.
وفي الوقت نفسه، تسعى الشركات الخاصة التي تقدم خدمات مهنية إلى سد الفجوة في الطلب. وتوشك آي كارير على إطلاق منصة إلكترونية محلية تعمل بالذكاء الاصطناعي، لتكون موقعا يمكّن المستخدمين من العثور على وظائف تناسبهم. ويقول مروان إن المنصة ستعيد تكرار النتائج بناء على تعليقات الطلاب والبيانات التي تستقبلها، مشيرا إلى أن الجامعات المشاركة ستكون قادرة على استخدام المنصة لتوجيه طلابها إلى المسارات الوظيفية المناسبة لهم. ومن المثير للاهتمام أن تلك المنصة ستوفر للمستخدمين الصورة كاملة، وتمنحهم نظرة ثاقبة حول اهتماماتهم وميولهم وملامح شخصياتهم.
وأخيرا، لتقديم خدمات مهنية محترفة لا بد من التوسع لتلبية الطلب. يعتبر برنامج تنمية المهارات المهنية دليلا على إمكانية الاستفادة من الشراكات متعددة القطاعات لزيادة قدرات الخدمات المهنية، وعلى إمكانية أن تؤدي تلك الشراكات إلى إنشاء مجموعة من المراكز المهنية التي تتجاوب مع احتياجات السوق، مثل مكتب عين شمس. ولكن في سبيل العمل بشكل حقيقي على تلبية متطلبات سوق العمل المتغيرة، فإن كثيرا من المراكز المهنية في الجامعات تحتاج إلى موارد للاستمرار في تنمية خبراتها وتقديم خدمات أكثر تطورا للعديد من الطلاب.