التفاصيل الكاملة لدخول مصر العصر النووي
التفاصيل الكاملة لدخول مصر العصر النووي: قريبا سيصبح لدى مصر أول محطة نووية حقيقية. مشروع ضخم في الضبعة، بقدرات إجمالية تبلغ 4.8 جيجاوات، تبنيه مؤسسة الطاقة النووية الحكومية الروسية روساتوم، بتكلفة تتجاوز 25 مليار دولار. ومن المنتظر تمويل 85% من تكلفة المشروع من خلال قرض روسي تبدأ مصر سداده في أكتوبر 2029 بأقساط نصف سنوية على مدار 22 عاما، بفائدة 3%. وتغطي الحكومة المصرية بقية التكلفة سواء من الخزانة العامة أو عبر البنوك المحلية. وتبقى محطة الضبعة أحد أكثر المشاريع القومية الكبرى إثارة للجدل في الوقت الحالي، لذلك قررنا التعرف على الموقف الحالي للمشروع وجانب من الانتقادات الموجهة إليه.
الجدول الزمني: من المتوقع أن تبدأ الإنشاءات في المشروع في منتصف العام الحالي، على أن يبدأ تشغيل المفاعل الأول من المفاعلات الأربعة بطاقة 1.2 جيجاوات بمحطة الضبعة في عام 2026. ويكتمل إنشاء المفاعلات الثلاثة الأخرى في العام المالي 2029/2028. وقبل أسبوعين أعلنت هيئة الطاقة الذرية استكمال المرحلة الأولى من مشروع إنشاء مصنع مركبات اليورانيوم، والتي ستستخدم في محطة الضبعة، وبدء المرحلة الثانية من المصنع والمستهدف إنهاؤها في أواخر عام 2020.
الموقف الحالي للمشروع: حصلت محطة الضبعة النووية على إذن قبول اختيار موقع محطة الضبعة النووية بعد اعتماده من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في أبريل من العام الماضي. ومن المنتظر أن تحصل المحطة قريبا على تصريح من الهيئة لتبدأ فعليا تنفيذ الأساسات والقواعد الخرسانية للمحطة، وفق ما ذكره المتحدث باسم وزارة الكهرباء أيمن حمزة الشهر الماضي. وفي يناير 2019، انتهت الشركات العاملة في أرض المحطة من تنفيذ أعمال المرافق، والتي تشمل مد خطوط الكهرباء والمياه والاتصالات.
الدور المتنامي لروساتوم: ستقوم روساتوم بتزويد مفاعلات المحطة بالوقود اللازم طوال العمر التشغيلي للمحطة. وستقوم روساتوم أيضا بتدريب العاملين في المحطة، وستساعد مصر في عمليات التشغيل والصيانة خلال سنوات التشغيل العشر الأولى. وسيقوم الجانب الروسي بإنشاء مستودع مجهز بحاويات ثنائية الغرض مخصصة لنقل وتخزين الوقود النووي المستنفد.
دور الشركات المصرية في المشروع: ستنفذ الشركات المصرية نحو 20% على الأقل من أعمال إنشاء المفاعل الأول، ومن المتوقع أن يتوسع دورها خلال إنشاء المفاعلات الثلاثة الأخرى. وأعدت هيئة المحطات النووية العام الماضي قائمة مبدئية تضم نحو 150 شركة مصرية مؤهلة للمشاركة في أعمال الإنشاء، وفق ما ذكرته مصادر لجريدة المال آنذاك. وذكرت تقارير صحفية في أكتوبر الماضي أن شركة روساتوم تدرس إنشاء مصانع لإنتاج بعض مكونات المحطة في مصر بالشراكة مع كيانات محلية.
وكشفت مصادر بوزارة الكهرباء لجريدة المال الشهر الماضي أن 7 شركات مصرية وروسية تقدمت بعروض في مناقصة تسوية موقع محطة الضبعة قبل بدء الإنشاءات بها، ومن بينها أوراسكوم كونستراكشون، وحسن علام، والمقاولون العرب وبتروجيت. ومن بين الشركات المصرية المشاركة في المشروع، مكتب صبور للاستشارات الهندسية، والذي وقع بروتوكول تعاون مع هيئة الطاقة الذرية في وقت سابق من الشهر الجاري لتبادل الخبرات بين المكتب والهيئة تمهيدا للمشاركة في مشروع محطة الضبعة، وفق ما ذكرته جريدة حابي. وفي أكتوبر الماضي أعلنت شركة أتوم ستروي إكسبورت التابعة لروساتوم أنها تعتزم طرح 20 مناقصة لإنشاء المباني الإدارية وورش تجميع الوحدات بمحطة الضبعة، وخاطبت الشركة الروسية عدة شركات مصرية لتقديم عروضها، ومن بينها أوراسكوم كونستراكشون وحسن علام القابضة والمقاولون العرب. وحتى الآن طرحت الشركة الروسية 10 مناقصات للأعمال المدنية والتوريدات والتجهيزات، وحماية الموقع من المياه الجوفية.
هناك مكان أيضا للشركات الأجنبية: تعاقدت وزارة الكهرباء في عام 2017 مع شركة وارلي بارسونز الأسترالية لتنفيذ الأعمال الاستشارية والإشراف والاستلام الفني لمحطة الضبعة بقيمة بلغت 200 مليون دولار. وفي أكتوبر 2018 فازت شركة جنرال إليكتريك بعقد توريد معدات أربع منصات توربينات لمشروع الضبعة، بقيمة بلغت نحو 700 مليون دولار. وتعمل هيئة الرقابة النووية والإشعاعية مع شركتين للاستشارات الفنية، إحداهما روسية والأخرى تشيكية للمساعدة في الجانب التنظيمي، وفق ما ذكره مصدر مطلع لإنتربرايز.
ومن المتوقع أن يغطي مشروع الضبعة 10% من احتياجات مصر من الطاقة بعد اكتماله، وفق ما ذكره كريم الأدهم المتحدث باسم هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في تصريحات لإنتربرايز، وذلك وفقا لتقديرات الحكومة بارتفاع معدلات استهلاك الكهرباء لأكثر من 40 جيجاوات عند اكتمال تشغيل المحطة، مقارنة بنحو 30 جيجاوات حاليا. وقالت روساتوم أيضا إن المحطة ستضمن لمصر تسعيرا تنافسيا للكهرباء على مدار 60 عاما، وتحسين من قدرة مصر على تحقيق وفورات مالية من خلال إنتاج الكهرباء بتكلفة أقل.
لكن ثمة انتقادات ومخاوف بشأن السلامة: عمت المخاوف من النفايات المشعة منذ بداية الحديث عن المشروع، لكن هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء تقول إن تصميم المفاعل الروسي يتميز باتباع كافة احتياطيات الأمان التي من شأنها تقليل الآثار البيئية لأدني مستوى وذلك من خلال مراعاة أنظمة أمان مطورة، ووجود أنظمة أمان سلبية وذاتية، ووعاء احتواء خرساني مزدوج لمنع تسرب أية مواد مشعة للبيئة المحيطة . وتقول الهيئة إن مفاعلات الجيل الثالث الممطور تراعي تباعد فترات تزويد المفاعل بالوقود مما يؤدي إلى زيادة كفاءة المفاعل وبالتالي تقليل الانبعاثات الإشعاعية الناتجة منه. وقال الأدهم إنه "في ضوء مستوى التكنولوجيا اليوم في العالم، أصبحت معالجة النفايات النووية أكثر نظافة وأمانا". وعلى الجانب الآخر، يزعم آخرون ومن بينهم راجية الجيزاوي مسؤولة ملف الصحة والبيئة لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن ثمة غياب عميق للشفافية من قبل السلطات حول المشروع النووي.
مصر لديها بالفعل فائض في الكهرباء، فلماذا الحاجة إلى المزيد؟ يقول الأدهم إن إجمالي القدرة الحالية من إنتاج الكهرباء والبالغ 40 جيجاوات يفوق معدل الاستهلاك الحالي البالغ 10 جيجاوات. وأضاف أنه رغم ذلك، تحتاج البلاد إلى تنويع مصادر الطاقة والحفاظ على استخدام الوقود لصناعة البتروكيماويات عالية القيمة.
يتعين علينا التفكير في النمو السكاني ومعدلات الطلب في المستقبل. قال وليد شتا الرئيس الإقليمي لشركة شنايدر إليكتريك في مصر وشمال أفريقيا والمشرق العربي لإنتربرايز في سبتمبر الماضي، إن استمرار تركيز الحكومة على توليد الطاقة الكهربائية من محطة الضبعة رغم وجود فائض هو عنصر أساسي لضمان أن الإمدادات تلبي متطلبات معدلات المواليد في مصر.
إنتاج المزيد من الكهرباء يتسق مع طموح مصر في أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة: تتضمن استراتيجية الحكومة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة, وتضم شبكة الكهرباء حاليا أربع دول هي الأردن وفلسطين وليبيا والسودان. ويعد الأردن أكبر سوق لتصدير الكهرباء المصرية بقدرة ربط كهربائي تصل إلى 400 ميجاوات. وتستعد مصر أيضا لتوقيع اتفاق مشابه للربط الكهربائي مع السعودية في مايو المقبل، على أن يبدأ تبادل الطاقة الكهربائية بين البلدين بحلول 2022، كما أن هناك أيضا المشروع الذي تنفذه شركة يورو أفريكا والبالغ قيمته 4 مليارات دولار للربط بين شبكات الكهرباء في مصر وقبرص واليونان بحلول ديسمبر 2021.
الطاقة النووية قد لا تكون أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة: كتب إريك تراجر زميل معهد واشنطن إن محطة الطاقة النووية باهظة الثمن وغير فعالة من حيث التكلفة، مقارنة بمشروعات طاقة أخرى نفذتها مصر مؤخرا ومن بينها محطات الطاقة المركبة الثلاث التي أنشأتها سيمنس الألمانية ومجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان. كما تقارن الضبعة بشكل غير موات بمشروعات نووية أخرى في المنطقة، وتزيد من الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري خلال فترة سداد القرض الروسي.
لن ينتهي الجدل حول مشروع الضبعة: يعد الجدل حول المخاطر مقابل المكاسب من الطاقة النووية أمرا مألوفا في كافة الدول النووية حول العالم. فدائما ما توازن التكاليف المرتفعة والنفايات النووية والآثار الكربونية لاستخراج اليورانيوم، أمام قدرة توليد الطاقة النووية مع تغيير الدول المختلفة سياساتها وتباين النتائج. ألمانيا، على سبيل المثال، شهدت ارتفاعا كبيرا في انبعاثات الكربون بعد توقف تشغيل محطاتها بعد كارثة فوكوشيكا. وعلى الرغم من أن الجدل لم ينته