عندما يصبح الطعام قضية سياسية
بالقدر الذي يمكن للطعام أن يجمع الناس معا، يمكنه كذلك أن يصبح مسألة استقطابية. لكن المناقشات الساخنة الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تشير لخلاف ذلك. مشاهير الطهاة، ومنهم الإنجليزي جوردون رامزي، والأمريكي أندرو زيمرن اتهموا بالادعاء أن خبرتهم في طهي الأطباق الإقليمية تفوق خبرة السكان الأصليين في طهيها. كما أثار مطعم "لاكي لي" في نيويورك ضجة مطلع العام الجاري عندما أعلن أنه يقدم طعاما صينيا "نظيفا" لن يجعلك تشعر بالوعكة اليوم التالي، مما دفع النقاد إلى انتقاد أصحاب المطعم بالعنصرية وافتقارهم إلى فهم الطعام الصيني.
الطعام مرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية، والهوية ترتبط بالسلطة. كان الصينيون الأمريكيون صريحون بشكل خاص بشأن شعورهم الدائم بالاغتراب نحو تصاعد الثقافة الأمريكية السائدة، وكيف أن الطعام الصيني يعد بمثابة رابط مهم بتراثهم الصيني وكعلامة فارقة يمكن ملاحظتها. تاريخيا، معظم الهجرة من الصين إلى أمريكا في أواخر القرن الـ 19 اقتصرت على أصحاب المطاعم، الذين اضطروا حينها إلى تطويع طعامهم ليناسب الذوق الأمريكي، والذي غالبا ما كان عبارة عن الصلصات الثقيلة وإضافة المزيد من الملح لأن هذا ما كان يرغب فيه الزبائن الأمريكيين. "القليل فقط من الأمريكيين أدركوا، أو كانوا يعرفون أن الصين لديها ثقافة الطعام الأكثر تعقيدا في العالم قبل 500 عام على الأقل من تلك التي امتلكها الفرنسيون." حسبما قال عالم الاجتماع وأستاذ دراسات الأغذية بجامعة نيويورك كريشنيندو راي.
المسألة تتعلق أيضا بمن المستفيد من شعبية المطاعم: تشير محررة الطعام داكوتا كيم، إلى أن هناك غالبا اختلافات ضخمة في سهولة بدء عمل بناء على خلفية أصحاب العمل، بما في ذلك الحصول على قروض بنكية وإيجاد مساحة مناسبة لفتح الشركة وكذلك التسويق والدعاية. إذ يستطيع شخص ما غني ولديه علاقات ويعيش في دولة غنية افتتاح عربة طعام لبيع التورتيا المكسيكية. لكن ماذا إذا كانت معرفتهم بكيفية طهي الطعام قد جمعت من مكسيكيين فقراء يشاركون المعلومات عن مطبخهم دون مقابل ولا يحصلون على أي ربح، ولا يستطيعون في الوقت نفسه تأسيس مطعم، هل هذا عادل؟
الفهم والاحترام هي العناصر الأساسية: الإجابة، حسب مقال جريدة الجارديان حول الموضوع، هي ألا تدافع عن التقيد الصارم بالأصالة، لكن أن تكون مهتما ومحترما عند طهي الطعام من ثقافات أخرى، وأن تكون حساسا لأصل الطبق عندما تجرب طهيه. أما داكوتا كيم فتذهب خطوة أبعد من ذلك، إذ تدعو أولئك الذين يستفيدون من السلطة للاعتراف بالامتيازات التي يحصلون عليها، والنظر في تسليط الضوء على الآخرين الذين لم تتح لهم نفس مزاياهم، عن طريق توجيه الدعاية أو جلب المزيد من العملاء لهم على سبيل المثال.