بعد ساعات العمل (الحلقة الأولى) حوار مع رانيا المشاط: في أوقات عصيبة تتسم بحالة من عدم اليقين كتلك التي نعيشها الآن، نبحث جميعا عن الطمأنة عند أصحاب القيادة. وقد حصلنا على ذلك وأكثر من أول ضيف لنا في الموسم الجديد من بودكاست إنتربرايز باللغة الإنجليزية "بعد ساعات العمل"، وهي وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط. برزت المشاط في سن الخامسة والعشرين كأصغر اقتصادية لدى صندوق النقد الدولي. وخلال الفترة التي تولت فيها منصب وكيل محافظ البنك المركزي المصري للسياسة النقدية، انخرطت المشاط في سياسات الإصلاح التي كانت سببا في حماية البلاد من الأزمة المالية العالمية وتحقيق استقرار الاقتصاد عقب 2011، كما ساعدت في وضع أجندة الإصلاح الاقتصادي في 2016. وبعد ذلك جرى تعيين المشاط وزيرة للسياحة في 2018، في وقت كان فيه القطاع لا يزال في رحلة التعافي. المشاط تعي جيدا أوضاع الاقتصاد الكلي العالمي والفروق الدقيقة بين النظام النقدي في مصر واقتصاديات التنمية.
الحل في وقت الأزمات: تعد المشاط من الأصوات التي تستدعى مرة بعد مرة حينما تمر البلاد بأزمة.وهو ما جعلها ضيفا مثاليا للحلقة الأولى من سلسلة البودكاست الجديدة. سألناها كيف تري دور وزارتها في قيادة الدبلوماسية الاقتصادية اليوم، و لماذا يتعين على مجتمع الأعمال الاهتمام بالأهداف الإنمائية، وكيف تقدم الأزمة الحالية فرصة لتحقيق تلك الرؤية.
اضغط هنا للاستماع إلى الحلقة (وقت التشغيل 41:05 دقيقة) على: موقعنا الإلكتروني أو أبل بودكاست أو أومني. وأيضا على سبوتيفاي للحسابات من خارج الشرق الأوسط.
وإليكم مقتطفات محررة من الحوار:
باختصار، الدور الذي تلعبه وزارة التعاون الدولي هو الدبلوماسية الاقتصادية، وفق المشاط. لذلك حينما تشارك مصر في مشروعات التنمية- سواء كانت مشاريع سيادية أو مشاريع قائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو مشروعات للقطاع الخاص مع شركاء دوليين أو مؤسسات دولية، تقوم وزارة التعاون الدولي بالتنسيق تلك الشراكات الإنمائية الثنائية أو متعددة الأطراف. وتربط الوزارة مصر بالاقتصاد العالمي عن طريق التعاون وتعمل على حشد التمويل لدفع اقتصاد البلاد نحو التنمية المستدامة.
وتدعم وزارة التعاون الدولي المشروعات من القطاعين العام والخاص على حد سواء. والأمر الأساسي هو جدوى المشروعات في حد ذاتها. فبعض مؤسسات التمويل الدولية تقوم بإتاحة التمويل للقطاع الخاص فقط. وتقول المشاط إن هذه المؤسسات تدعم الدول التي تقوم يتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تجعل القطاع الخاص مفعما بالنشاط ليساهم بشكل إيجابي وبالتالي يمكنها سداد التمويل الممنوح في نهاية المطاف.
يمتد دور الوزارة إلى إبرام اتفاقيات التعاون الثنائية أيضا. وقالت المشاط "إذا كنا نتحدث عن علاقتنا مع ألمانيا وفرنسا أو سويسرا على سبيل المثال، فإن العديد من هذه الدول تتواصل أيضا للاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة".
التمويلات التنموية التي توفرها وزارة التعاون الدولي هي مجرد واحدة من أدوات التمويل الممكنة للمشروع من بين مجموعة من المصادر الأخرى التي تشمل الاقتراض من البنوك المحلية، أو الحصول على قرض من الحكومة او الذهاب إلى الأسواق الدولية. تعمل الحكومة بالشراكة مع الوزارات المختصة لتأمين التمويلات التنموية بشروط مواتية، وفق ما ذكرته المشاط. وتوفر الوزارة أيضا منصة حيث يمكن لأصحاب المصالح المتعددين عقد شراكات لتحقيق أهداف إنمائية محددة. وخير مثال على ذلك، هو مشروع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، والذي قام على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتي بدأت بالإصلاح الهيكلي من قبل وزارة الكهرباء. وقد مكن ذلك شركات القطاع الخاص من الذهاب إلى الشركاء الدوليين للحصول على تمويل تنموي.
كل ذلك يعد جزءا من هدف عالمي أكبر- التمويل من أجل التنمية- وهو ما يعني تمويل أهداف التنمية المستدامة. وزارة التعاون الدولي مسؤولة بشكل أساسي عن تنسيق استثمارات البلاد في أهداف التنمية المستدامة البالغ عددها 17 هدفا، والتي تعمل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تمويلها وتنفيذها من الآن وحتى عام 2030. وتشمل تلك الأهداف القضاء التام على الجوع ومحاربة الفقر وتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز الابتكار والبنية التحتية والطاقة النظيفة والحياة تحت الماء بمعنى"حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام، وعقد الشراكة لتحقيق الأهداف والصحة والرفاه". وتقول المشاط إن تصميم وزارة التعاون الدولي للمشروعات وهياكل التمويل دائما ما تسترشد بالسؤال حول كيفية مساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
لذا تمضي الوزارة قدما في سرد المشاركات الدولية (بي دي إف) – والذي يهدف إلى رفع الوعي بأهمية أهداف التنمية المستدامة. والهدف هو توعية الجميع بسبب أهمية تحلية المياه في سيناء أو بورسعيد بالنسبة لشخص في القاهرة، أو لماذا تعتبر مدرسة المتفوقات في العلوم والتكنولوجيا للبنات في المعادي مهمة لمدينة أسيوط. تجسد هذه المشروعات التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الدولي، وفقا للمشاط.
قالت المشاط "في السنوات الخمس الماضية، استثمرنا نحو 25 مليار دولار في 247 مشروعا تغطي أهداف التنمية المستدامة الـ 17. نريد توثيق هذه المشروعات كافة، حتى لا يرى الناس هذا التمويل التنموي مجرد رقما بالدولار فحسب، بل يرون قيمة مؤثرة". وأضافت أن وزارة التعاون الدولي تعد موجزا أسبوعيا ترسله إلى الأطراف المعنية، ومن المقرر إصدار تقرير في يوليو الجاري يستعرض عمل الوزارة خلال فترة الأزمة.
لكن "كوفيد-19" يفرض علينا إعادة التفكير في أولويات العمل على أهداف التنمية المستدامة. كان من المقرر إصدار نسخة محدثة من رؤية مصر 2030 في أبريل الماضي توضح كيف تمنح الحكومة الأولوية لأهداف التنمية المستدامة، لكن يجري تعديلها حاليا في ضوء أزمة "كوفيد-19". وقالت المشاط إن بعض المشروعات يجري التعجيل بها نظرا لأهميتها في الظروف الحالية. وتتضمن تلك المشروعات التعاون بين وزارة المالية والبنك الدولي على نظام التأمين الصحي الشامل، ومشروعات النقل التي تعزز التواصل والنمو، ومشروعات الطاقة المتجددة لتوليد المزيد من الطاقة النظيفة ومشروعات تدعم القطاع الخاص والشركات الصغيرة والمتوسطة. وترى المشاط أن "كل هذا سيعيد تشكيل التعافي". ورغم أن جميع الأهداف مهمة، ترى الحكومة أن التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على الفئات الضعيفة أمرا بالغ الأهمية، إلى جانب ضمان استمرارية الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها من محركات النمو، كما تضع الصحة على رأس الأولويات.
ومع ذلك، أثر الانتشار السريع لـ "كوفيد-19" على الجداول الزمنية، وكانت أول المخاوف حول كيفية احتواء الأزمة الراهنة، هو ضمان الالتزام بأهداف التنمية المستدامة، وفقا للمشاط.
وثمة بصيص من الأمل: يجبر "كوفيد-19" الحكومات في جميع أنحاء العالم على تنفيذ الإصلاحات بسرعة. وقالت المشاط "بشكل ما، بقدر ما كان -الوباء- مدمرا، لكنه عجل نوعا ما بأجندة الإصلاح".
وكون مصر هي البلد الوحيد بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق نموا إيجابيا خلال الأزمة، فإن الشركاء من المؤسسات متعددة الأطراف لديهم ثقة في تعافي الاقتصاد المصري. وتوقع الصندوق في أحدث إصدار من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 2% حتى نهاية عام 2020، وذلك مقارنة بانكماش متوقع في اقتصادات الدول المتقدمة بنسبة 8% و5% في الأسواق الناشئة. وقالت المشاط إن المشاركة من جانب الشركاء الدوليين تعد دليل على ثقتهم في المستقبل وفي الحكومة الملتزمة بالإصلاحات.
وليست هذه المرة الأولى التي تمهد فيها الإصلاحات الاقتصادية الطريق أمام التعافي الاقتصادي في مصر بعد إحدى الأزمات، وفق المشاط. لقد قام البنك المركزي المصري بالكثير من الإصلاحات بين عامي 2005 و2008، لذلك حينما وقعت الأزمة المالية العالمية، كانت مصر في وضع قوي للغاية. وفي وقت لاحق وسط الاضطرابات التي شهدتها البلاد في 2011 كان البنك المركزي لديه مصداقية كبيرة لدرجة أنه واجه اضطرابات ضعيفة للغاية، خاصة بالمقارنة مع الفترات الانتقالية في دول شرق أوروبا، بحسب المشاط. وتابعت " الدرس المستفاد هنا هو أن الإصلاح عملية مستمرة، وشيء يجب أن يكون له الأولوية طول الوقت".
الإصلاح المستمر هو أيضا قناعة شخصية طبقتها المشاط أكثر من مرة طوال مسيرتها المهنية. بصفتها مستشارة لكبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، قضت المشاط عامين تقريبا في استخدام معرفتها الأكاديمية وخبرتها العملية في البنك المركزي المصري لمساعدة الدول في تفعيل سياساتها النقدية وإصلاحات الاستقرار المالي، وساهمت في كتاب صندوق النقد الدولي تطوير حدود السياسة النقدية. وعندما طلب منها العودة إلى القاهرة في 2018 وأداء اليمين الدستورية وزيرة للسياحة، طُلب منها تطبيق خبرتها الاقتصادية في إدارة هذا القطاع الذي يساهم بنسبة كبيرة في إجمالي الناتج المحلي بالبلاد. وقالت المشاط "كلما توليت وظيفة جديدة، تحتاج إلى تخصيص بعض الوقت لفهم الظروف الأولية، من خلال النظر في تفاصيل الصناعية وتحديد أصحاب المصالح والشركاء المحتملين في الداخل والخارج. عندما أقسمت اليمين، كانت مصر في منتصف الطريق في برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، والذي تضمن السياسة النقدية والسياسة المالية وإصلاحات هيكلية. دائما تتم الإصلاحات الهيكلية على مستوى قطاعي، وقد طبقتها على قطاع السياحة، بتفعيل برنامج الإصلاح الهيكلي لتطوير القطاع (E-TRP) بهدفه الأساسي ومحاور الإصلاح".