لماذا يعتبر فاقد مياه الري أهم مشاكل البنية التحتية المائية في مصر: بدأنا في إنتربرايز سلسلة من عدة أجزاء حول تقادم البنية التحتية المائية في مصر، وألقينا في الجزء الأول منها نظرة على كيف نفقد ما يقرب من 29% من مياه الشرب بسبب تسريب الأنابيب القديمة، بالإضافة إلى المباني المخالفة والعشوائيات التي تسبب ضغطا على شبكات المياه. وفي الجزء الثاني نظرنا في ما تحتاجه الحكومة لإصلاح المشكلة وجذب القطاع الخاص للمشاركة في تطوير شبكات المياه. أما اليوم فنستكشف كيف يؤثر التسريب على النشاط الأكثر استهلاكا للمياه في مصر، الزراعة.
وجدنا أن الزراعة تعاني من الصرف السطحي والتسرب والرشح، ويرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى شبكة القنوات القديمة والمتهالكة والإصرار على استخدام أساليب ري عفا عليها الزمن. وفي حين أنه من الصعب تحديد كمية المياه المهدرة من التسرب والرشح في قنوات الري، فإنها كمية ضخمة بما يكفي لدفع الحكومة إلى إطلاق خطة لإصلاح البنية التحتية. ويعد الري هو المستفيد الرئيسي من الخطة القومية للمياه بتكلفة 50 مليار دولار حتى عام 2037، والتي قد ترتفع تكلفتها إلى تريليون جنيه (66 مليار دولار تقريبا)، حسبما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في يوليو الماضي (شاهد 1:59 دقيقة). ولأننا سبق وتفقدنا بالتفصيل الكيفية التي تلعب بها تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي دورا في تلك الخطة، فقد أردنا تسليط الضوء على التفاصيل المتعلقة بسد تسريب القنوات والتحول إلى أنماط ري أفضل.
لكن أولا، دعونا نورد بعض الأرقام المتعلقة بالزراعة على سبيل التمهيد: استهلكت الزراعة وحدها 61.7 مليار متر مكعب (نحو 77%) من إجمالي المياه المستهلكة في السنة المالية 2019/2018 والبالغة 80.3 مليار متر مكعب، وفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (بي دي إف). وتشير الأبحاث التي نشرها المعهد الدولي لإدارة المياه (بي دي إف) بالتعاون مع معهد بحوث إدارة المياه وطرق الري والحكومة الأسترالية، إلى أن هذه الأرقام أكثر بنسبة 85% من إجمالي استهلاك المياه في عام 2016.
وحتى هذا لا يكفي، فمصر تحتاج إلى 100 مليار متر مكعب كل عام إذا كانت تنوي زراعة 3 ملايين فدان وسد جوع ما يزيد عن 100 مليون مواطن، ثم توفير بعض المياه للاستخدام الصناعي، وهو ما أخبرنا به عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية في معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة.
ما كمية المياه التي يهدرها نظام الري لدينا؟ هذا الرقم لا يتوفر بدقة، لكن كل من تحدثنا معهم أجمعوا على أنه في حدود مليارات الأمتار المكعبة. معظم الهدر يحدث بسبب التسرب والبخر، وهي عوامل يصعب قياسها بشكل دقيق، حسبما قال مسؤول بوزارة الري لإنتربرايز، موضحا أن الوزارة تحسب تقديرات مختلفة لكن لا يمكنها تحديد رقم معين. إلا أن هناك تقديرات، منها ما يشير إليه جهاز التعبئة العامة والإحصاء من أن دلتا النيل فقدت 7 مليارات متر مكعب من المياه في السنة المالية 2019/2018 بسبب تسريب القنوات. وتظهر البيانات أن الدلتا فقدت كذلك 2.5 مليار متر مكعب بسبب البخر، وبهذا يصل إجمالي الهدر سنويا إلى 9.5 مليار متر مكعب تقريبا، وهو رقم يتوافق مع التقديرات الأخرى. ويخبرنا شراقي أن قنوات الري في مصر، والتي يبلغ طولها 30 ألف كيلومتر، تهدر 8 مليارات متر مكعب من المياه من التسريب، وذلك حتى دون احتساب فاقد المياه نتيجة البخر.
كيف نفقد تلك الكمية الكبيرة من الماء بسبب التسرب؟ تتمحور الزراعة في مصر، وبالتحديد في الدلتا، حول المجتمعات الزراعية التي تأسست في الستينيات حول قنوات الري. وكثير من هذه المجتمعات مبني على أراض صحراوية مستصلحة، مما يجعل مناخها قاحلا وعرضة للبخر. وهذه القنوات حفرت في الأرض مباشرة، وبالتالي فإنها شديدة المسامية وقابلة للتسريب، كما يوضح شراقي. وهكذا فإن اجتماع هذه البنية التحتية القديمة مع الإصرار على الري بالغمر، والذي يصعب السيطرة عليه ويؤدي إلى الصرف السطحي، يتسبب في إهدار مليارات الأمتار المكعبة من المياه.
مدى خطورة الأمر: في سياق تأثير سد النهضة الإثيوبي، تشير التقديرات إلى أن تراجع حصة مصر من المياه بمقدار 5 مليار متر مكعب بشكل دائم سيؤدي إلى خسارة مليون فدان من الأراضي الزراعية، أو 12% من إجمالي الأراضي في البلاد، وهو ما ذكره وزير الري محمد نصر علام في حديثه لوكالة أسوشيتد برس في أغسطس الماضي.
وتتحرك الحكومة في عدة اتجاهات لمعالجة المشكلة، بينها تطوير البنية التحتية للترع من أجل وقف التسرب وتشجيع استخدام طرق الري الأكثر كفاءة ومنح حوافز للمزارعين المستخدمين لتلك الطرق. ويمكن لاستخدام نظم الري الحديثة ووقف تسريبات القنوات المائية أن توفر حوالي 5 مليار متر مكعب من المياه سنويا. ويمكن لتطوير نظم الري أن تحسن من الإنتاجية الزراعية بنسبة 30% إضافة لتحسين جودة المحصول بشكل كبير، طبقا للمتحدث باسم وزارة الري محمد السباعي، في تصريح لإنتربرايز.
وتقوم الحكومة حاليا بتطبيق مشروع مدته عامين لتأهيل وتطوير وتبطين 7 آلاف كيلومتر من الترع والمصارف الرئيسية على مستوى الجمهورية بتكلفة 18 مليار جنيه، بعد تصريحات بهذا الشأن للرئيس السيسي في يوليو الماضي. ويوضح السباعي أن 40% من تكلفة المشروع تغطيها قروض ومنح أجنبية من منظمات مشتركة مع عدة دول. وبدأ بالفعل تطبيق المرحلة الأولى، ومن المقرر أن ينتهي تأهيل 3.2 ألف كيلومتر من ترع الري في مارس 2021، بحسب مدير المشروع محمد السعدي، في تصريح لإنتربرايز. وقامت وزارة بتدبير حوالي 8.4 مليار جنيه لتطوير 383 ترعة في 19 محافظة، حسبما أعلن في أغسطس الماضي.
كما بدأت الحكومة في حملة لتشجيع أساليب الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والرش والتسوية بالليزر، وذلك بدلا من الري بالغمر. وناقشت الحكومة في أغسطس أيضا تنفيذ تحديث نظم الري الحقلي على مساحة إجمالية تبلغ نحو 504 آلاف فدان في 8 محافظات.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الحملة هي معارضة بعض المزارعين للتخلي عن أساليبهم القديمة للري. ويقول السباعي إن مزارعي المحاصيل الأكثر استهلاكا للمياه، مثل الأرز وقصب السكر، كانوا الأكثر معارضة لأنهم يعتقدون أن الري الحديث قد يؤثر على إنتاجيتهم. ويلفت شراقي إلى أن بعض المزارعين يعتقدون أن غمر التربة "ينظفها من المعادن الزائدة.. وهو ما قد يحسن من جودة المحصول". وتحاول الحكومة تصحيح تلك المعتقدات الخاطئة من خلال الإرشاد الزراعي، وفقا للسباعي، مشيرا إلى تجربة محافظة المنوفية، التي شهدت نجاح الحكومة في مساعدة المزارعين على زيادة إنتاجية حقولهم وجودة المحصول مع استخدام مياه أقل. ويضيف أن التجربة شجعت المزيد من المزارعين على طلب المساعدة في التحول لأساليب الزراعة الحديثة والتي أصبحت تستخدم في زراعة ألف فدان بدلا من 4.5 فدان فقط.
ويجري منح المزارعين حوافز مالية أيضا لإنجاح المشروع، لأن استخدام أساليب الري الكفؤة يتكلف ما بين 10 و12 ألف جنيه للفدان الواحد، بحسب السباعي. ومن أجل التخفيف على المزارعين وقعت الحكومة اتفاقيات مع البنك الأهلي المصري وبنك مصر والبنك الزراعي المصري لمنح المزارعين التمويل اللازم لعامين دون فائدة أو منحهم قرضا للسداد طويل الأجل بفائدة قليلة.
وتسير خطة تطوير نظم الري جنبا إلى جنب مع خطة البلاد لتطوير البنية التحتية للمياه، والتي تتضمن إنفاق 134.2 مليار جنيه حتى 2050 لبناء محطات تحلية مياه البحر، وهو ما يوفر 6.4 مليون قدم مكعبة يوميا بحسب وزير الإسكان عاصم الجزار. وتتكون الخطة من 6 مراحل خمسية تبدأ ببناء 47 محطة بحلول 2025 وبتكلفة 45 مليار جنيه. ومع ارتفاع سعر القدم المكعبة الواحدة من مياه البحر المحلاة إلى 15 جنيه، يجب توفير مياه الصرف المعالجة أيضا، وفقا لشراقي. ويقول الجزار إن وزارته تبني محطتي معالجة مياه صرف بهدف الزراعة بتكلفة 20 مليار جنيه، وهو ما يوفر 6.6 مليون قدم مكعبة من المياه يوميا تكفي لري 460 ألف فدان.
ويسير ذلك أيضا إلى جانب جهود الحكومة للتقليل من زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكا للمياه، طبقا لتعديلات قانون الزراعة الصادرة في 2018. وتعطي التعديلات وزيري الزراعة والري سلطات أكبر لتنظيم زراعة بعض المحاصيل أو حظرها وتحديد أماكن زراعتها. وأيضا أعلنت وزارة الزراعة العام الماضي أنها ستتجه لزيادة نسبة المساحات المزروعة بـ "أرز الجفاف"، والذي يمتاز بقلة استهلاكه للمياه، إلى 500 ألف فدان، بدلا من 150 ألف فدان حاليا. ويستهلك أرز الجفاف 4 ألاف متر مكعب من المياه فقط لكل فدان منتجا 5 أطنان من الأرز مقارنة بـزراعة الأرز التقليدي والذي يحتاج إلى 6 ألاف متر مكعب من المياه للفدان الواحد وينتج 4 أطنان فقط من الأرز.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
هذه النشرة اليومية تقوم بإصدارها شركة انتربرايز فنشرز لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني (شركة ذات مسئولية محدودة – سجل تجاري رقم 83594).
الملخصات الإخبارية والمحتويات الواردة بنشرة «انتربرايز» معروضة للاطلاع فقط، ولا ينبغي اتخاذ أية قرارات جوهرية دون الرجوع إلى مصدر الخبر بلغته الأصلية. كما أن محتويات النشرة تقدم “كما هي – دون استقطاع”، ولا تتحمل الشركة أو أي من العاملين لديها أو أية مسئولية تجاه دقة أو صلاحية البيانات الواردة بالنشرة باعتبارها ملخصات إخبارية.2022 Enterprise Ventures LLC ©
نشرة «إنتربرايز» الإخبارية تأتيكم برعاية «بنك HSBC مصر»، البنك الرائد للشركات والأفراد في مصر (رقم التسجيل الضريببي: 715-901-204)، و«المجموعة المالية هيرميس»، شركة الخدمات المالية الرائدة في الأسواق الناشئة والمبتدئة (رقم التسجيل الضريبي: 385-178-200)، و«سوديك»، شركة التطوير العقاري المصرية الرائدة (رقم التسجيل الضريبي:002-168-212)، و«سوما باي»، شريكنا لعطلات البحر الأحمر (رقم التسجيل الضريبي: 300-903-204)، و«إنفنيتي»، المتخصصة في حلول الطاقة المتجددة للمدن والمصانع والمنازل في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 359-939-474)، و«سيرا للتعليم»، رواد تقديم خدمات التعليم قبل الجامعي والجامعي بالقطاع الخاص في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 608-069-200)، و«أوراسكوم كونستراكشون»، رائدة مشروعات البنية التحتية في مصر وخارجها (رقم التسجيل الضريبي: 806-988-229)، و«محرم وشركاه»، الشريك الرائد للسياسات العامة والعلاقات الحكومية (رقم التسجيل الضريبي: 459-112-616)، و«بنك المشرق»، البنك الرائد بالخدمات المصرفية للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (رقم التسجيل الضريبي: 862-898-204)، و«بالم هيلز للتعمير»، المطور الرائد للعقارات التجارية والسكنية (رقم التسجيل الضريبي: 014-737-432)، و «مجموعة التنمية الصناعية (آي دي جي)»، المطور الرائد للمناطق الصناعية في مصر (رقم التسجيل الضريبي 253-965-266)، و«حسن علام العقارية – أبناء مصر للاستثمار العقاري»، إحدى كبرى الشركات العقارية الرائدة في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 567-096-553)، ومكتب «صالح وبرسوم وعبدالعزيز وشركاهم»، الشريك الرائد للمراجعة المالية والاستشارات الضريبية والمحاسبية (رقم التسجيل الضريبي: 827-002-220).