أين ينتهي المطاف بإطارات السيارات؟ قبل بضع سنوات، لفتت قرية ميت الحارون في محافظة الغربية انتباه الصحفيين الدوليين (انظر التقارير: هنا وهنا وهنا) لكونها مركزا لإعادة تدوير الإطارات في منطقة الدلتا، حيث يتلقى العمال الإطارات المستعملة من جميع أنحاء البلاد ويعيدون تدويرها، أو تحويلها إلى عناصر جديدة أو تمزيقها لاستخدامها في عدد من العمليات الصناعية. إنه نظام لإدارة المخلفات، وإن كان "بدائيا" وفقا للمعايير الدولية.
تمثل نفايات الإطارات مشكلة عالمية كبرى، كما تشكل تهديدا لكل من البيئة والصحة العامة في البلدان التي تفتقر إلى أنظمة إعادة التدوير الفعالة والجهات التنظيمية التي لديها السلطة لتضييق الخناق على آليات التخلص الضار. يجعل استخدام المطاط الصناعي الإطارات غير قابلة للتحلل البيولوجي، كما أن خليط المواد الكيميائية السامة الذي يضاف إليها لتحسين متانتها يشكل خطرا بيئيا، إذ يتسرب إلى التربة في مواقع دفن النفايات وينتشر في الهواء عند الاحتراق. وتشير التقديرات إلى وصول نفايات الإطارات المستعملة عالميا إلى نحو مليار إطار سنويا، والتي لا تلوث الأرض فحسب، ولكن وفقا لإحدى الدراسات، فهي مسؤولة أيضا عما يصل إلى 30% من جميع المواد البلاستيكية الدقيقة الموجودة في المحيطات.
يعاد تدوير نسبة ضئيلة جدا من الإطارات الخردة، إذ تشير إحدى الدراسات إلى إعادة استخدام 100 مليون إطار فقط لأغراض أخرى. الغالبية العظمى من الإطارات يجري التخلص منها: قدر أحد الأبحاث أن نحو 75% من الإطارات الخردة يجري إلقاؤها في مكبات النفايات.
إعادة تدوير الإطارات لا يكون مفيدا للبيئة دائما: يمكن حرق الإطارات لإنتاج وقود منخفض الجودة واستخدامها في الأسفلت عبر عملية تعرف باسم الانحلال الحراري. ويكون هذا الأمر مفيدا عندما تقوم به الشركات التي تمتلك التكنولوجيا للحد من النفايات والانبعاثات، وفي البلدان ذات اللوائح البيئية القوية. ولكن في البلدان النامية مثل ماليزيا والهند، التي صعدت لتصبح أكبر مستورد في العالم للإطارات الخردة، قد تكون العواقب كارثية على البيئة والمجتمعات المحلية.
اختارت مصر عدم محاكاة النموذج الهندي في التحول إلى إحدى المدافن العالمية للإطارات الخردة. وتظهر بيانات جمركية للأمم المتحدة أن مصر استوردت القليل من الإطارات المستعملة أو لم تستوردها في السنوات الأخيرة بعد تصنيفها كنفايات خطرة من جانب الحكومة، مما منع المستوردين من إدخالها إلى البلاد.
وهذا أيضا نقطة مضيئة: مثل البلدان النامية الأخرى، تفتقر مصر إلى نظام رسمي لجمع الإطارات المستعملة والتخلص منها، وتعتمد على شبكة من تجار الإطارات غير الرسميين، والورش الصغيرة، وعدد قليل من المصانع الخاصة التي تجمعت تاريخيا في قرية ميت الحارون، ولكنها موجودة الآن في جميع أنحاء القاهرة والإسكندرية كذلك. وتفتقر الورش غير المرخصة التي تعمل ضمن هذا النظام غير الرسمي إلى الرقابة التنظيمية لضمان امتثالها للمعايير البيئية، مما يمثل عقبة كبيرة أمام التخلص الآمن من الإطارات، وفق ما قاله نائب مدير إدارة المخلفات الصلبة بوزارة البيئة ياسر محجوب.
لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد الإطارات الخردة التي تنتجها مصر سنويا أو كيفية التخلص منها، مما يدفع الباحثين للاستفادة من مجموعات البيانات الأخرى للوقوف على الوضع الراهن. واستخدمت دراسة أجرتها مؤسسة التمويل الدولية في عام 2016 (بي دي إف) بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعدد المركبات المرخصة في مصر لتقدير أن الدولة ستنتج 6.9 مليون إطار خردة، ما يعادل نحو 316 ألف طن، في عام 2015. وكان من المتوقع حينها أن يرتفع هذا الرقم بنسبة 10% سنويا لمواكبة ارتفاع ملكية السيارات، مما يضع أحجام النفايات السنوية في مسار تصاعدي إلى نحو 616 ألف طن، أو 13.4 مليون إطار، بحلول عام 2022.
يؤدي هذا إلى تفاوت التقديرات إلى حد كبير: قدر تقرير عام 2015 (بي دي إف) الصادر عن البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة التابع لوزارة البيئة ووكالة التنمية الألمانية، أن الدولة أنتجت 218 ألف طن في عام 2014، وتوقع معدل نمو سنوي بنسبة 3-5%، مما يعني استهلاك ما لا يقل عن 260 ألف طن بنهاية عام 2021.
إلا أن بعض ممثلي الصناعة يرون أن مخلفاتنا تتجاوز تلك التقديرات بكثير: قال ممثل إحدى الشركات الكبرى في مجال صناعة الإطارات في مصر لإنتربرايز إن إجمالي عدد الإطارات الخردة المنتجة سنويا يقترب من 20 مليون إطار.
ليس ثمة اتفاق حول الكمية المعاد تدويرها: تزعم بعض التقديرات إعادة تدوير أو استخدام 10% فقط من إجمالي الإطارات الخردة في مصر، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن هذا الرقم أقرب إلى 50% من إطاراتنا الخردة، منها 28% يتم حرقها كمصدر للوقود، و11% يعاد استخدامها أو تدويرها و 5% تحرق في الهواء الطلق. ويدعم هذه التقديرات تقرير البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة، والذي يشير إلى مرور نحو نصف الـ 218 ألف طن المنتجة في عام 2014، ببعض العمليات الصناعية، بما في ذلك استخدام نحو 90 ألف طن لإنتاج سلع مطاطية جديدة.
يأتي الجزء الأكبر من الإطارات الخردة في البلاد من ورش تصليح الإطارات والسيارات، التي تربطها اتفاقيات مع جامعي القمامة الذين يأخذون الإطارات الخردة كل شهر ويبيعونها للأفراد والشركات. وتشير تقديرات مؤسسة التمويل الدولية إلى أن نحو 22% من جميع الإطارات الخردة التي يجري إنتاجها سنويا تأتي من متاجر الإطارات. ويمكن لهؤلاء الوسطاء جمع ما بين 10 إلى 50 ألف إطار كل شهر من متاجر الإطارات، وفقا لأحد الموزعين الذين تحدثت إليهم إنتربرايز، والذي يزود مصنعين بالقرب من مدينة السلام.
تعد الحكومة أيضا لاعبا رئيسيا: تبيع الوزارات كميات كبيرة من الإطارات في المزادات السنوية وعبر البيع المباشر للشركات، بحسب مؤسسة التمويل الدولية.
يجري تجديد جزء من هذه الإطارات وبيعها في السوق بسعر مخفض، أما الإطارات غير القابلة للإصلاح فينتهي بها الأمر في المصانع والورش، حيث تحرق جزئيا للحصول على الأسلاك الفولاذية. يحول المطاط بعد ذلك إلى منتجات جديدة أو يمزق إلى شرائح صغيرة لبيعها بالجملة أو تحويلها إلى منتجات جديدة في الموقع.
لا يقتصر الأمر على القطاع غير الرسمي فقط: تقوم بعض الشركات المصنعة مثل مارسو للصناعات والأرضيات المطاطية، بتمزيق الإطارات ودمجها لإنتاج دواسات السيارات، والمشايات المانعة للانزلاق لحمامات السباحة، وملاعب التنس، والمسارات، والعشب الصناعي. وقال صموئيل مفيد، أحد الشركاء في الشركة، لإنتربرايز إن مارسو تعالج في منشآتها نحو 100 ألف إطار سنويا.
هناك جزء يصدر إلى الخارج: صدرت مصر 2.6 مليون طن من الإطارات الخردة خلال عام 2020، و4.5 مليون طن في العام السابق عليه، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
هناك أيضا طلب من صناعة الأسمنت المحلية: أشار تقرير صادر عن البرنامج الوطني لإدارة المخلفات إلى أنه، في عام 2014، استخدم نحو 19 ألف طن من الإطارات الخردة لإنتاج وقود مشتق من الإطارات (TDF) لشركات الأسمنت، والذي يستخدم كبديل للوقود التقليدي مثل الفحم أو الغاز الطبيعي. وتحرق الإطارات الكاملة والمقطوعة في أفران الأسمنت، مما يوفر مصدر طاقة أرخص وعالي القيمة الحرارية، كما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، على الرغم من أنه ينتج عنه انبعاثات مماثلة. وفي تصريحات لإنتربرايز، قال العضو المنتدب لشركة السويس للأسمنت خوسيه ماريا ماجرينا إن الشركة تحرق نحو 2000 طن سنويا. وأضاف الشركة ستستخدم على الأرجح المزيد من تلك الإطارات إذا كانت متاحة على نطاق أوسع لأنها ذات جودة جيدة ويحول هذا الأمر دون دفن الإطارات. وتشكل وحدة سيمكس في مصر نحو 2% من إجمالي استهلاك الشركة للوقود، بحسب زينب حجازي مديرة الاتصالات بالشركة.
يتعين أيضا على شركات الأسمنت التقدم للحصول على ترخيص باستخدام الوقود المشتق من الإطارات. ويتعين على تلك الشركات أن تبلغ الحكومة بالكمية التي ستستخدمها وأحجام الانبعاثات، على النحو نفسه في حال استخدام أي وقود آخر، وفقا لما قاله ماجرينا.
إضفاء الطابع الرسمي على الكيانات العاملة في القطاع أمر بالغ الأهمية للتغلب على هذه التحديات البيئية، وفق ما قاله محجوب، الذي أضاف في حديثه مع إنتربرايز، أن مصنعي الاطارات في القطاع الخاص بحاجة إلى الاندماج بشكل أفضل في عملية إعادة التدوير.
تشبه هذه الديناميكية بعض مشكلات إدارة المخلفات الأوسع نطاقا التي تحاول الدولة حاليا التغلب عليها من خلال قانون إدارة المخلفات الجديد الصادر العام الماضي، في محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على إدارة المخلفات من خلال نظام وطني أكثر شمولا. وبينما توجد بالتأكيد حاجة لتقديم ممارسات أفضل للصناعة والحصول على نظرة عامة أفضل بشأن حجم النفايات التي تحتاج الدولة للتعامل معها، لم يتضح بعد كيفية استيعاب ورش العمل الصغيرة في الإطار الوطني الجديد. وحاليا، يبدو أنه ما يزال هناك ما يكفي من الإطارات للنظر إليه بعين الاعتبار.
فيما يلي أهم الأخبار المرتبطة بالحفاظ على المناخ لهذا الأسبوع:
هذه النشرة اليومية تقوم بإصدارها شركة انتربرايز فنشرز لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني (شركة ذات مسئولية محدودة – سجل تجاري رقم 83594).
الملخصات الإخبارية والمحتويات الواردة بنشرة «انتربرايز» معروضة للاطلاع فقط، ولا ينبغي اتخاذ أية قرارات جوهرية دون الرجوع إلى مصدر الخبر بلغته الأصلية. كما أن محتويات النشرة تقدم “كما هي – دون استقطاع”، ولا تتحمل الشركة أو أي من العاملين لديها أو أية مسئولية تجاه دقة أو صلاحية البيانات الواردة بالنشرة باعتبارها ملخصات إخبارية.2022 Enterprise Ventures LLC ©
نشرة «إنتربرايز» الإخبارية تأتيكم برعاية «بنك HSBC مصر»، البنك الرائد للشركات والأفراد في مصر (رقم التسجيل الضريببي: 715-901-204)، و«المجموعة المالية هيرميس»، شركة الخدمات المالية الرائدة في الأسواق الناشئة والمبتدئة (رقم التسجيل الضريبي: 385-178-200)، و«سوديك»، شركة التطوير العقاري المصرية الرائدة (رقم التسجيل الضريبي:002-168-212)، و«سوما باي»، شريكنا لعطلات البحر الأحمر (رقم التسجيل الضريبي: 300-903-204)، و«إنفنيتي»، المتخصصة في حلول الطاقة المتجددة للمدن والمصانع والمنازل في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 359-939-474)، و«سيرا للتعليم»، رواد تقديم خدمات التعليم قبل الجامعي والجامعي بالقطاع الخاص في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 608-069-200)، و«أوراسكوم كونستراكشون»، رائدة مشروعات البنية التحتية في مصر وخارجها (رقم التسجيل الضريبي: 806-988-229)، و«محرم وشركاه»، الشريك الرائد للسياسات العامة والعلاقات الحكومية (رقم التسجيل الضريبي: 459-112-616)، و«بنك المشرق»، البنك الرائد بالخدمات المصرفية للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (رقم التسجيل الضريبي: 862-898-204)، و«بالم هيلز للتعمير»، المطور الرائد للعقارات التجارية والسكنية (رقم التسجيل الضريبي: 014-737-432)، و «مجموعة التنمية الصناعية (آي دي جي)»، المطور الرائد للمناطق الصناعية في مصر (رقم التسجيل الضريبي 253-965-266)، و«حسن علام العقارية – أبناء مصر للاستثمار العقاري»، إحدى كبرى الشركات العقارية الرائدة في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 567-096-553)، ومكتب «صالح وبرسوم وعبدالعزيز وشركاهم»، الشريك الرائد للمراجعة المالية والاستشارات الضريبية والمحاسبية (رقم التسجيل الضريبي: 827-002-220).