تاريخ رمضان في مصر: يعتبر معظمنا التقاليد والفعاليات الرمضانية من المسلمات التي تجعل قضاء الشهر الكريم في مصر تجربة لا تُنسى. ونشأت العديد من تلك المظاهر التي تميز الشهر اليوم خلال حقبة الفاطميين، الذين حكموا مناطق واسعة من العالم العربي لما يقرب من 200 عام بين القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، وجعلوا من القاهرة عاصمة لهم.
فانوس رمضان: يقال إن الفانوس الرمضاني التقليدي ظهر بعد أن حمل الأهالي الشموع على قواعد خشبية لإضاءة الطريق لوصول الخليفة الفاطمي ومؤسس القاهرة المعز لدين الله الفاطمي في الليلة الخامسة من رمضان في عام 969 ميلادية. ومنذ ذلك الحين، أصبح الفانوس من سمات للشهر الكريم، وتطورت وظيفته من الإضاءة التقليدية إلى الزينة في جميع أنحاء العالم العربي.
وتمتاز مصر دون غيرها بـ "المسحراتي": تعود تلك العادة إلى الصحابي بلال بن رباح في مكة المكرمة، الذي كان أول مؤذن في التاريخ وأول من جاب الشوارع في ليالي رمضان لإيقاظ الناس للسحور. ولكن يعد إدخال الطبلة حديثا هو السمة الأكثر تميزا للمسحراتي المصري اليوم. وبدأت هذه الممارسة في العصر الفاطمي عندما أمر الخليفة، الحاكم بأمر الله، الناس بالنوم بعد صلاة التراويح في المساء، وكان جنوده يمرون بالمنازل لإيقاظ الناس لتناول وجبتهم الأخيرة قبل أن يبدأ الصيام في الفجر. وجعل البرنامج الشهير "المسحراتي" لفؤاد حداد وسيد مكاوي من المسحراتي نجما إذاعيا وتلفزيونيا في القرن الماضي، وأعطى للمهنة التقليدية بريق جديد.
مدفع رمضان: كانت القاهرة أول مدينة كبرى تطلق مدفعا عند المغرب إيذانا بنهاية الصوم. وتقول إحدى الروايات أن عادة مدفع الإفطار بدأت بعد أن اختبر السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين خشقدم مدفعا حصل عليه كهدية عام 1455 ميلادية بالصدفة وقت الغروب. واعتقد أهالي القاهرة حينها أنها إشارة على الإفطار. واليوم، تستخدم كلمة "المدفع ضرب" في جميع أنحاء البلاد للإشارة إلى الوقت الذي يمكن فيه للمسلمين الإفطار.
وهناك أيضا موائد الرحمن والخيمة الرمضانية: شوهدت طاولات الإفطار الخيرية (موائد الرحمن) لأول مرة في عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله، وانتشرت في مصر في عهد الملك فاروق الأول، وكانت متاحة للمسافرين والطبقة العاملة من جميع مناحي الحياة. وتعد الخيام الرمضانية الفخمة وأماكن السهر الأخرى من التقاليد الشهيرة في مصر. وتزعم بعض الروايات أن الخيام تعود إلى عهد الفاطميين، بينما يقول البعض الآخر إنها حديثة نسبيا وتطورت من "السرادق" التي يقيمها المصريون لتقديم التعازي.
ويمكن حتى نسب بعض التقاليد إلى عهد الفراعنة. ويقال إن المصريين استلهموا من اللغة الهيروغليفية أغنية "وحوي يا وحوي إياحة"، التي قد تكون مشتقة من عبارة استخدمها المصريون القدماء لتحية إياح حتب، زوجة الملك سقنن رع ووالدة الملك أحمس، قاهر الهكسوس. وتعني "وحوي يا وحوي" في الهيروغلفية "أهلا ومرحبا" بينما كلمة "إياحة" هو لقب الملكة "إياح حتب".
كما ألهم رمضان وطقوسه الكثير من الأعمال الأدبية، وبينها رواية المؤلف النوبي محمد خليل قاسم عام 1968 "الشمندورة"، والتي تصور كيف احتفل النوبيون برمضان، و"17 رمضان" لجرجي زيدان، والتي تدور أحداثها بالكامل خلال الشهر الكريم، و"خان الخليلي" لنجيب محفوظ.
وفي التاريخ الحديث، تزامن شهر رمضان مع حرب أكتوبر لعام 1973. وشهدت الحرب عبور الجنود المصريين لخط بارليف الإسرائيلي المنيع على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، أثناء صيام المسلمين منهم. واختار قادة الجيش "العملية بدر" كاسم رمزي للعبور، مستوحين انتصار المسلمين الأوائل في غزوة بدر، والتي حدثت أيضا في رمضان عام 624 ميلادية.