هل اللحوم النباتية خدعة كبرى؟ قصة صعود وهبوط شركتي إنتاج اللحوم النباتية بيوند ميت وإمبوسيبل فودز، اللتين كانتا تتطلعان لإحداث ثورة في صناعة الأغذية، دسمة ومثيرة للاهتمام، وتتضمن كل شيء يجعلها كذلك بدءا من أنجح طرح عام أولي منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008، إلى رئيس عمليات الشركة الذي ألقي القبض عليه بسبب عضه لرجل آخر في أنفه، وأخيرا اختيار كيم كارداشيان في منصب كبيرة استشاري التذوق، حسبما جاء في تقرير مطول لبلومبرج.
ماذا يكشف الهبوط الحاد في الاستثمارات لاثنين من أكبر منتجي اللحوم المزيفة أو المقلدة عن مستقبل الصناعة؟ هل كانت اللحوم المزيفة أحدث صيحات الطعام، أم أنها لا تزال تتمتع بالتأثير والزخم لتحل محل صناعة اللحوم العالمية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار؟
صحية للبدن والكوكب: مع متوسط بصمة كربونية أقل بنسبة 93% من لحوم الأبقار، يشار إلى أن البرجر الخالي من اللحوم يوفر بدائل قد تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حسبما نقلت الجارديان عن تقرير من جامعة جونز هوبكنز. ويقول علماء ألمان إن استبدال 20% من اللحم البقري ببروتين ميكروبى (أحادي الخلية) قد يخفض إزالة الغابات بمقدار النصف. ويزعم مصنعو اللحوم المقلدة أن منتجاتهم قد تساعد في العديد من المشكلات الصحية من بينها أمراض القلب والسكري.
اللاعبون الكبار: شركة بيوند ميت التي تأسست عام 2009 ومنافستها إمبوسيبل فودز التي تأسست عام 2011 كانتا نقطة انطلاق لاستثمار كبير في ضجة إعلامية صاحبت إنتاج اللحوم المزيفة. ومن خلال دمج مكونات حديد الهيم وليجيموجلوبين فول الصويا في وصفاتهما، أنتجت الشركتان منتجا من البرجر قد يشبه في مذاقه اللحم البقري الحقيقي. وعند طرحه في الأسواق، لم يجذب البرجر الجديد متبعي النظام الغذائي النباتي أو نظام "فيجن"، ولكن أيضا عموم الناس.
ونجحت تلك الضجة في جذب المستثمرين أيضا: بحلول عام 2018، نجح الاكتتاب العام الأولي لشركة بيوند ميت في وضع قيمة الشركة عند 1.3 مليار دولار، بينما جمعت إمبوسيبل فودز 183 مليون دولار دون بيع قطعة برجر واحدة، وأضافت سلاسل مطاعم الوجبات السريعة المنتجات إلى قائمتها. وفي عام 2021، جمعت شركة ديرنج فودز الناشئة، التي تنتج قطع دجاج خالية من اللحوم البيضاء، 65 مليون دولار بتقييم يزيد عن 300 مليون دولار، حسب فوربس. والتحقت سلسلة مطاعم ماكدونالدز بالركب وقدمت ساندوتش "ماك بلانت" بالشراكة مع بيوند ميت.
جائحة "كوفيد-19" منحت دفعة لسوق اللحوم المزيفة: اغتنم المستهلكون الذي كان لديهم المزيد من الوقت والمال خلال الجائحة فرصة منتجات اللحوم المزيفة، وبالتالي نمت مبيعات سلاسل السوبر ماركت من منتجات اللحوم النباتية قرابة 200%، حسبما ذكرت فوربس، مما ساعد القطاع على تأمين تمويلات بأكثر من ملياري دولار.
سوق إنتاج المنتجات الخالية من اللحوم في مصر: تعمل شركة جود إيرث في السوق منذ عام 2007 وتقدم منتجات خالية من اللحوم والألبان ويمكنكم طلبها من كوانتا، مورد الأطعمة والمشروبات النباتية في مصر (لديهم أيضا برجر بيوند). وتبيع شركة NOT المصرية الناشئة منتجات نباتية من موارد محلية وقطع دجاج مع وصفات طبخ تناسبها.
ولكن مع غزارة المنتجات، باتت السوق راكدة: انخفضت مبيعات المنتجات الخالية من اللحوم بنسبة 14% في عام 2019، بحسب بلومبرج. وتباطأت مبيعات التجزئة منذ ذلك الحين. وبداية من يناير 2023، تراوحت قيمة أسهم "بيوند" عند 16 دولارا للسهم، في انخفاض بنسبة 76% عن العام السابق وبقرابة 93% عن القفزة التي شهدتها أسعار الأسهم في صيف عام 2019. ويُتداول سهم شركة إمبوسيبل فودز عند نحو 12 دولارا للسهم، وهو تقريبا نصف سعره خلال جولتها التمويلية الأخيرة، وفق بلومبرج. وأزالت سلاسل مطاعم ماكدونالدز ودجاج كنتاكي ودانكن دونتس المنتجات من عروضها.
هل هي صحية فعلا؟ مؤسس شركة "بيوند" إيثان براون منزعج من الانتقادات الموجهة من صناعة اللحوم البالغ قيمتها 270 مليار دولار، ويقول إنه أمر معروف أن صناعة إنتاج اللحوم رعت إعلانات وندوات تدعم المنتجات الحيوانية. "يبذلون قصارى جهدهم لإثبات أن عملياتنا غير صحية بشكل أو أن منتجات مليئة بالمواد الكيميائية"، حسبما يقول براون، نافيا صحة ذلك.
قد تبدو بدائل اللحوم الحمراء صحية أكثر، حسبما يقول الدكتور ديفيد كاتز، مؤسس مركز أبحاث الوقاية بجامعة ييل في تصريحات لبلومبرج. ولكن منتجات "بيوند" و"إمبوسيبل" "معالجة بإفراط" ومليئة بمكونات مثل بروتين البازلاء ونشا البطاطس وكلوريد البوتاسيوم. وبينما أظهرت الدراسات أن استبدال اللحوم الحمراء بالمكسرات والبقوليات والأطعمة النباتية الأخرى قد تقلل من معدلات الوفاة وخطر الإصابة بالأمراض المزمنة، إلا أنه من المستحيل القول إن البرجر المعالج المصنوع من فول الصويا أو بروتين البازلاء له المنافع نفسها، حسبما نقلت نيويورك تايمز عن الدكتور فرانك هو، رئيس قسم التغذية في كلية تي أتش تشان للصحة العامة بجامعة هارفارد.
بشكل عام، تمثل المكونات غير الحيوانية غالبية مكونات اللحوم. ولكن المكونات المصنعة والزيوت والنشا والسليلوز تضاف لإنتاج نكهة وجودة اللحوم عند القلي. وذكرت بلومبرج أن شركة "ديبن دوتس" التي تنتج حبيبات أيس كريم صغيرة بالنيتروجين السائل بنكهة تشبه مذاق حلوى "غزل البنات" مصدر إلهام لشركة بيوند. وعند معالجتها إلى "حبيبات صغيرة أو كريات مجمدة من الدهون"، مثل زيت جوز الهند المكرر، تشتري بيوند الدهون وترسلها لدمجها مع المكونات الأخرى مثل الماء وبروتين الأرز وزبدة الكاكاو وميثيل السليولوز وغيرها.
كما هو الحال مع بدائل الألبان، فإن منتجات اللحوم النباتية أن تصبح سلعا أساسية في كل منزل. ومع ذلك، فإن المبيعات المتكررة للحوم النباتية لم تحقق نجاحا. استحوذت بدائل الألبان والحليب النباتية على 15% من إجمالي المبيعات في السوق، وفقا لفوربس، في حين تشكل اللحوم النباتية أقل من 1% من إجمالي اللحوم المستهلكة في الولايات المتحدة. وبعد أكثر من 10 سنوات في السوق، يبدو أن اللحوم النباتية أصبحت لجمهور محدود للغاية ولم تتمكن أن تحدث تغييرا ثوريا في سوق اللحوم، حسبما تشير بلومبرج.
السوق تتحرك بالفعل، إذ حصدت اللحوم المصنعة معمليا تمويلات بـ 2.6 مليار دولار حتى الآن، بما في ذلك تمويلات من أفراد كانوا في الأصل مستثمرين في بيوند وإمبوسيبل.
بعض المنتجين يدرسون حتى الاعتماد على اللحوم نسبيا: في عام 2020، أجرت شركة ذا تاتوود شيف لإنتاج اللحوم النباتية اكتتابا عاما أوليا بقيمة 1.7 مليار دولار، وفقا لفوربس. وبعد أن خسرت الشركة ما يقرب من نصف قيمتها في عامين فقط، تفكر الشركة حاليا في ما كان مستحيلا من قبل: أن تبيع لحوما حقيقية. وقال الرئيس التنفيذي للشركة سلفاتور جاليتي لفوربس إن هذا الأمر سيفتح لهم "الكثير من الأبواب والسبل".