كيف خلق نظام الأبحاث أنشطة تعليمية جديدة غير قانونية؟
كيف أدى تطبيق نظام الأبحاث لظهور نشاطات تعليمية جديدة غير قانونية؟ أدى فيروس "كوفيد-19" لإغلاق المدارس واستبدال وزارة التعليم للامتحانات داخل المدارس الحكومية بنظام تقديم الأبحاث وتسليمها عبر الإنترنت. ورغم إشادة كثيرين ممن تحدثوا إلى إنتربرايز بخطوة التحول نحو تقديم الأبحاث بدلا من الامتحانات بوصفها خطوة إصلاحية في مواجهة التعليم المبني على الحفظ دون سواه. ولكن القرار المفاجئ أدى على الجانب الآخر إلى ظهور صناعة جديدة يقدمها مدرسون خصوصيون ومراكز متخصصة في المساعدة على إعداد الأبحاث. وأصبح هؤلاء هم المدرسون الخصوصيون الجدد في "عصر كوفيد-19".
وتواجه تلك الأنشطة اتهامات بعدم الفصل بين المساعدة على التعليم وبين الغش، كما أثارت تساؤلات عن نجاعة نظام تقييم الأبحاث. وخلق التحول السريع إلى جانب عدم معرفة أو استعداد بعض الطلاب فراغا ملأه سريعا مدرسون يعرضون كتابة الأبحاث للطلاب، وتحولت مراكز الدروس الخصوصية إلى مقرات بيع أبحاث معدة مسبقة. وعلى الرغم من كل تلك المساوئ، قال خبراء وأولياء أمور ومسؤولون تحدثت معهم إنتربرايز إن النظام الجديد سيكون له فوائد بعيدة الأمد، إذ يعتقدون أن الحاجة لهؤلاء المدرسين ستتلاشى فور تعرف الطلاب على كيفية إعداد الأبحاث بأنفسهم.
وما هو نظام تقديم الأبحاث الجديد؟ تقرر الاكتفاء بتقديم مشروع بحثي لطلاب الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي بدلا من اختبار نهاية العام في موضوعات حددتها وزارة التربية والتعليم. ويمكن لكل طالب أن يعد البحث بنفسه أو في مجموعة من 5 طلاب بناء على الكتب المدرسية ومنصات التعليم الإلكترونية المستقلة وموقع بنك المعرفة. وسيتعين على الطلاب تقديم نسخة من البحث ورقيا في المدرسة أو من خلال الإنترنت في الفترة بين 9 و13 مايو. وفي معظم الأحوال ينجح الطالب بمجرد تقديمه البحث الذي سيكون تقييمه بالنجاح أو الرسوب وليس من خلال نظام الدرجات المعتاد، طبقا لوزير التربية والتعليم طارق شوقي.
وتقوم النشاطات غير القانونية على السرقة الأدبية من أبحاث أخرى أو استئجار كاتب للبحث أو المساعدة عبر الإنترنت. ويصعب تقدير حجم تلك الأنشطة باعتبارها حديثة الظهور فضلا عن اعتمادها على السرقة الأدبية وهي غير قانونية. ولكن تمكنت إنتربرايز من تحديد 3 طرق تحقق بها تلك النشاطات الجديدة الربح وهي بيع أبحاث معدة مسبقا والاستعانة بمدرسين لكتابتها والتدريس عبر الإنترنت.
أبحاث معدة مسبقا: على الرغم من أن نجاح الطلاب يكاد يكون مضمونا، اصطف طلاب أمام مراكز الدروس الخصوصية للحصول على أبحاث جاهزة مسبقا، حسبما أفاد عدد من أولياء الأمور. وكانت الحكومة قررت إغلاق المراكز في مارس الماضي لمواجهة انتشار "كوفيد-19" ولكنها قامت بفتح أبوابها لبيع الأوراق البحثية للطلاب وأولياء الأمور القلقين، بحسب مستشار وزارة التعليم محمود حسونة، في تصريح لإنتربرايز. ويقول نائب رئيس اتحاد ملاك المدارس الخاصة، بدوي علام، إن سعر البحث يعتمد على الصف الدراسي والمادة ويتراوح بين 50 و100 جنيه للصفوف الابتدائية و350 جنيها للصفوف الإعدادية. ويساعد وجود منافسة في المناطق الشعبية على تخفيض الأسعار فيما جرى بيع الأبحاث في المناطق الراقية بأسعار أعلى. وعرض على الطلاب وأولياء الأمور ممن أعدوا أبحاثهم بالفعل وذهبوا لطباعتها في مراكز تصوير الأوراق أن يشتروا أبحاثا جاهزة بالفعل مع خصم خاص لمن يشتري أكثر من بحث.
استأجر مساعدا أو كاتبا بالباطن لبحث ابنك أو بنتك: شكلت الأبحاث فرصة جديدة للمدرسين الخصوصيين ممن توقفت أعمالهم بسبب الأزمة. وعرض بعضهم على أولياء الأمور كتابة أبحاث أبنائهم بمقابل مادي وهم في بيوتهم. واستهدفت الحملات التسويقية أولياء الأمور والطلاب من خلال مكالمات تليفونية أو عبر مجموعات أولياء الأمور على شبكات التواصل الاجتماعي. وكذلك ظهرت إعلانات مدفوعة على الإنترنت تعرض خدمات "الخبراء" بمقابل مادي "زهيد" يصل أحيانا إلى 700 جنيه.
وانتشرت أيضا وسائل مساعدة على أداء الأبحاث أقل إثارة للجدل وبينها الدروس الخصوصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ونقل مدرسون خصوصيون نشاطهم للإنترنت، فقام بعضهم بتقديم دروس مدفوعة الأجر إلكترونيا وأنشأ البعض الآخر قنوات على يوتيوب والتي ربما تصبح أكثر ربحية. وتحولت قناة تقدم محتوى إسلامي على يوتيوب إلى تقديم إرشادات بشأن إعداد الأبحاث مما رفع من نسبة مشاهداتها واشتراكاتها. ومن المتوقع أن تؤدي زيادة عدد المشتركين إلى 74.2 ألف وتضاعف عدد المشاهدين إلى رفع دخل القناة لما يزيد عن ألفي دولار شهريا، بحسب موقع لحساب إيرادات قنوات يوتيوب. ويتكرر الأمر أيضا على فيسبوك الذي شهد تغيير العديد من المجموعات لنشاطها إلى إرشاد الطلاب بشأن إعداد الأبحاث ليزيد عدد مشتركيهم منذ ذلك الحين.
وبعض هؤلاء نيتهم الحقيقية بالفعل هي المساعدة على التعليم، وهم يعكسون بذلك ما تقول شركات التواصل الاجتماعي الكبرى في العالم إنها تهدف إليه وهو مساعدة الآخرين. وعرض بعض المدرسين مساعدة الطلاب على أداء أبحاثهم دون مقابل.
وتتخذ الوزارة موقفا صارما من تلك النشاطات، محذرة المدرسين من الفصل إذا ثبت مشاركتهم في إعداد الأبحاث للطلاب بمقابل مادي. كما هددت الوزارة بإغلاق مراكز الدروس الخصوصية والمكتبات التي تقوم بتقديم تلك الخدمات للطلاب وأولياء الأمور، وفق ما صرح به علام إنتربرايز. وبالنسبة للطلاب قال وزير التعليم إن الطلاب الذين يشترون أو ينسخون الأبحاث سوف يرسبون.
ولكن سيصعب فرض تلك العقوبات خاصة ضد من يقدمون خدماتهم غير القانونية عبر الإنترنت. ويقول مستشار وزارة التعليم محمود حسونة، في تصريح لإنتربرايز، إن الوزارة لا تستطيع مراقبة كل المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي. وحتى إذا تمكنت الوزارة من إغلاق مجموعة على فيسبوك فسوف تتحول للعبة قط وفأر مع ظهور مجموعات جديدة.
ويقول أولياء أمور إن التحول المفاجئ لنظام الأبحاث هو السبب الرئيسي لازدهار تلك النشاطات. وقالت مؤسسة اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، عبير أحمد، إن التغيير المفاجئ هذا العام بسبب جائحة "كوفيد-19" تسببت في ارتباك الجميع.
ويتحمل أولياء الأمور المسؤولية جزئيا في انتشار هذه الأنشطة، بسبب قيامهم بدفع مقابل تلك الخدمات بدافع قلق بعضهم من النظام الجديد، وفق ما ذكره مسؤولون بارزون في وزارة التربية والتعليم. وقال وزير التعليم في كلمة له أمام مجلس النواب دفاعا عن نظام الأبحاث، إن أولياء الأمور هم من اصطفوا أمام مراكز الدروس للحصول على الأبحاث بدلا من تشجيع أبنائهم على كتابتها بأنفسهم. ووصف شوقي تلك المخالفة بـ "مرض من تركات السنوات السابقة". ويوضح حسونة أن الناس بطبيعتهم "يقلقون مما يجهلون ولذلك يفضلون وضع ثقتهم في المدرسين المحترفين الذين يكتبون الأبحاث بدلا من أبنائهم، بدلا من مساعدتهم في إنجازها بأنفسهم".
وتتكرر الحلقة التعليمية المفرغة، إذ ساد الاعتقاد قبل إصلاحات التعليم في 2017 بأن ازدهار الدروس الخصوصية في العقود الأخيرة يرجع إلى تكدس الفصول في معظم المدارس وهو ما دفع أولياء الأمور لتعويضهم عن ضعف التعليم بالاستعانة بالمدرسين الخصوصيين، الذين بدورهم يرفعون من دخولهم الزهيدة مقابل التدريس في المدارس الحكومية. وتتكرر هذه الدائرة اليوم، إذ دفع تعطل الدراسة أولياء الأمور للاستعانة بالنشاطات الجديدة للتعامل مع النظام الجديد.
تدريس مهارات إعداد الأبحاث داخل الفصول هو الحل الأوضح. وتوجهت انتقادات عديدة للنظام التعليمي سابقا بعدم تدريسه للطلاب المهارات التحليلية والاعتماد على تحفيظ الأسئلة والأجوبة لسردها في ورقة الإجابة بالامتحان دون الاستفادة منها، بحسب ما ذكرت المستشارة التعليمية ولاء شبانة، في تصريح لإنتربرايز. وعملت شبانة سابقا رئيسة لقطاع التعليم الخاص بوزارة التعليم. لذلك فيجب تعليم الطلاب في المدارس الحكومية كيفية إعداد الأبحاث في المقام الأول، مثلما هو الحال في المدارس الخاصة والدولية، بتضمين تلك المهارات داخل مناهجها مما يمنحها ميزة، طبقا لأولياء أمور.
ومن الإيجابي أن الأبحاث سوف تشكل جانبا مهما من نظام التعليم خلال العام المقبل، طبقا لمحمود حسونة، مؤكدا أن الاستعانة بالأبحاث لن تقتصر على العام الحالي فقط، وستقوم الوزارة بالبناء على ما حققته هذا العام.
الوزارة تعتزم اتخاذ إجراءات صارمة للحد من تأثير المدرسين الخصوصيين والخدمات المدفوعة على الطلاب وأولياء الأمور: أوضح حسونة أن "المهارات التي افتقدها الطلاب سوف يكتسبونها بمجرد تأقلمهم"، مضيفا أنه من المقرر تقديم أدوات تعليمية تفاعلية ستحد من الدروس الخصوصية مع توفير منصة إلكترونية للتفاعل بين الطلاب والمدرسين دون مقابل مما سيغنيهم عن شراء الأبحاث، على حد قوله. وتعهد حسونة بانتهاء الدروس الخصوصية خلال 3 سنوات.