دور الشركات الناشئة العاملة في تكنولوجيا التعليم في حل المشكلات التي يواجهها القطاع بمصر
كيف يمكن للشركات الناشئة المتخصصة في تكنولوجيا التعليم في مصر أن تساعد في معالجة مشكلات نظام التعليم... إذا كان لديها التمويل المطلوب: لا يزال نظام التعليم العام في مصر يواجه تحديات تكدس الفصول وعدم كفاية التمويل وتدهور جودة التعليم وعدم تأهيل الطلاب لسوق العمل. ولمعالجة هذه القضايا، أطلقت وزارة التربية والتعليم خطة لتطوير القطاع، وتشمل من بين أمور أخرى، تحسين درجات الاختبارات الخاصة بالمواد الأساسية للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وأيضا تجربة التعلم من خلال دمج التقنيات الحديثة في الفصل الدراسي. وأكد وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار على أهمية تحسين الوصول إلى البحث العلمي باعتبارها ذات أولوية لوزارته، كما قال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت، في مقابلة مع إنتربرايز العام الماضي إن الوزارة تتطلع إلى تنمية وتطوير المواهب التقنية وتوجيهها لسوق العمل.
قمنا بالتعرف على شركات تكنولوجيا التعليم العاملة في مصر، وهي شركات ناشئة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والمنصات عبر الإنترنت والتقنيات الحديثة الأخرى من أجل تقديم خدمات التعليم. وتتراوح الأعمال التي تقدمها هذه الشركات بين الدروس عبر الإنترنت وفهرسة البحوث العلمية وإدخال الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز في الفصول الدراسية. وبعد أن التقينا بمسؤولين من بعض من هذه الشركات الناشئة ورؤوس أموال المخاطر التي تعمل في هذا القطاع، وجدنا أن شركات تكنولوجيا التعليم المحلية تتعامل مع الحلول التي تقدمها الحكومة بل وتنجح في تطبيقها.
ولكننا وجدنا أيضا أن هذا القطاع يعاني من نقص التمويل وأنه يكافح من أجل الحصول على التمويل في عالم الشركات الناشئة المزدحم. وفي حين أن مصر استحوذت على 22% من إجمالي تمويلات رأس المال المخاطر التي استقطبتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2018، وفقا لموقع “ماجنيت”، فإن جزءا قليل للغاية من هذه الاستثمارات جرى ضخه في الشركات الناشئة العاملة في تكنولوجيا التعليم. ووفقا لتقديراتنا، لم تحصل على تمويل هذا العام سوى ثلاثة شركات ناشئة تعمل في مجال تكنولوجيا التعليم، وهي “Orcas”، و”Colnn”، و”Career 180′.
إلا أن نقص التمويل لم يمنع رواد الأعمال والمستثمرين في مجال تكنولوجيا التعليم من مواصلة مساعيهم للاستفادة من الفرص غير المستغلة في هذا القطاع الناشئ. وقالت داليا إبراهيم، مؤسسة Edventures، لبلاكبورد: “يتمتع قطاع تكنولوجيا التعليم في مصر بفرص نمو كبيرة، إذ أنه يعاني من نقص الخدمات ولم يتم استغلاله بالكامل”. وأضافت: “الاتجاهات والتقنيات مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والروبوتات والبلوك تشين لها تأثير كبير على عملية التعلم، ومن المتوقع أن تحقق نموا كبيرا في جميع أنحاء العالم”. وقال أحمد القلا، مؤسس مشروع NFX، وأحد المستثمرين في أكاديمية نون السعودية للتعلم عبر الإنترنت، إن هناك فرصا كبيرة أمام الشركات الناشئة العاملة في تكنولوجيا التعليم وعلى وجه الخصوص التدريس عبر الإنترنت في مصر، مشيرا إلى أن أكاديمية نون جذبت نحو 500 ألف طالب من مصر في أقل من عام منذ إطلاقها.
التعليم عبر الإنترنت يثبت أنه أحد أكبر الاتجاهات في تكنولوجيا التعليم في مصر: ظلت مشكلة الفصول المكتظة بالتلاميذ تدفعهم إلى اللجوء للدروس الخصوصية. وأظهر إحصاء أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2011/2010، أن الأسر المصرية تنفق 42% من ميزانيتها الخاصة بالتعليم سنويا على الدروس الخصوصية، إضافة إلى 44% على الرسوم المدرسية. ويوضح تقرير إنتربرايز السابق حول ازدهار شركات التأهيل للجامعات الأجنبية في مصر مدى ارتفاع الطلب على هذه الخدمات. وهناك أيضا الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يعانون من نقص الخدمات في النظام التعليمي، هذا إلى جانب الأطفال الذين يتعلمون في المنزل، وفقا لما قاله القلا. وترى شركات تكنولوجيا التعليم فرصا جيدة في عدم كفاءة سوق التعليم، سواء كان ذلك من جانب التعليم الفعلي أو من جانب مساعدة العملاء على الوصول إلى مقدمي خدمات أفضل.
لدينا أيضا على جانب التعليم، منصة “نفهم“، وهي عبارة عن منصة على الإنترنت تزود الطلاب بمقاطع فيديو تعليمية قصيرة مجانية مصممة خصيصا للمقررات والمناهج الوطنية في المنطقة. وقد شهدت منصة “نفهم” توسعا كبيرا منذ تأسيسها في عام 2012، إذ تخطى عدد الطلاب المسجلين لديها مليون طالب. وتغطي تلك الشركة الناشئة مواد المناهج الدراسية الوطنية في كل من مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية والجزائر والكويت ودولة الإمارات. كما تقدم المنصة أيضا خدمة “نفهم مباشر”، وهي خدمة للتدريس / التدريب الخاص عبر الإنترنت، بالإضافة إلى منصة مناقشة الأسئلة والأجوبة والتي يمكن للطلاب من خلالها طرح أسئلتهم المتعلقة بالدراسة على المعلمين. وقد تخرجت الشركة من مسرعة الأعمال “فلات 6 لابز”، كما حصلت على تمويل بقيمة 80 ألف دولار من خلال ثلاث جولات تمويلية، وفقا لموقع كرانش بيز.
هناك منصات أخرى، مثل Orcas والتي تساعد الآباء في تحديد ما يناسب أطفالهم. وقد تأسست الشركة الناشئة تلك عام 2013 تحت اسم Cairositters، ويساعد التطبيق الآباء في الاختيار من بين شبكة من المعلمين والمربيات الذين يتواجدون بالقرب منهم و يقومون بتقديم جلسة تعليمية عبر الإنترنت أو في المنزل. وقد خدمت الشركة الناشئة ما يزيد عن 800 طفل، كما تخطط للتوسع في دول أخرى في المنطقة، وفق ما صرح به حسام الطاهر، الرئيس التنفيذي والمؤسس لمنصة Orcas لإنتربرايز. وجمعت الشركة الناشئة 500 ألف دولار في جولة ما قبل التمويل الأولي في يونيو الماضي، وذلك بقيادة ألجبرا فينتشرز إلى جانب إن إف إكس فينتشرز. وجمعت Orcas في السابق 150 ألف دولار من خالد إسماعيل، ومن مؤسسة كيملايزر وكايرو أنجلز، وفقا لموقع مينا بايتس.
هناك أيضا مسألة تثقيف الجيل التالي من المواهب التقنية، وهو ما تأمل الشركة الناشئة “الماكينة” في القيام به من خلال المعسكرات التي تعلم الترميز والبرمجة من أجل إعداد تلك المواهب لكي يصبحوا مطوري ويب مؤهلين. وجرى احتضان الشركة الناشئة لدى مؤسسة V-labs التابعة للجامعة الأمريكية، كما فازت برحلة إلى وادي السيليكون بعد أول مشاركة لها في قمة رايز أب 2016، وفقا لموقع ستارت أب سين.
مؤسسة “نواة العلمية” هي إحدى الشركات الناشئة التي تبحث في حل لمشكلة عدم إمكانية الوصول إلى معدات ومختبرات البحث العلمي. وتهدف الشركة إلى أن تكون بمثابة منصة توفر للباحثين إمكانية الوصول إلى معدات المختبرات وكمساعد مختبرات يساعد في إجراء التجارب. ويقوم الباحثون بتوفير العينات، وتقوم المؤسسة بإجراء الاختبارات وتسليم النتائج. وقال عمر صقر، مؤسس نواة العلمية: “بعض المختبرات بالجامعات في المنطقة غير مجهزة على نحو جيد”، مضيفا أن شركته تساعد في ملء هذا الفراغ، مع تقليل التكلفة للباحثين. وقد فازت الشركة الناشئة مؤخرا بالمركز الثاني في جائزة “جاك ما” لرواد الأعمال في أفريقيا، لتحصل على منحة بقيمة 150 ألف دولار، كما حصلت على مليون دولار ضمن جولة ما قبل التمويل الأولي، والتي قادتها مؤسسة إنديور كابيتال، وشاركت فيها مؤسسة “500 ستارت أبس” و”أفيروس فينتشرز”، و”إيجيبت فينتشرز” ومستثمرون أفراد آخرون، وفقا لموقع مينا بايتس.
الشركة الناشئة Agora تهدف لجعل الفصول الدراسية أكثر جاذبية باستخدام الواقع المعزز، إذ قامت الشركة التي أسسها معلمون سابقون بتطوير تطبيق على الهاتف يمكنه التفاعل مع الأشياء في الحياة الواقعية ويقدم الحقائق الخاصة بها. وقال محمد رزق الله، الرئيس التنفيذي للشركة: “السبب وراء تطوير هذا التطبيق هو أننا بكوننا معلمين لم نشعر بالارتياح تجاه فكرة أننا مضطرين إلى أن نشرح للتلاميد كتبا لا ترتبط بهم ولا تجذبهم”. وحصلت الشركة الناشئة مؤخرا على الجائزة الأولى وقدرها 250 ألف جنيه ضمن مسابقة نواة 2019، كما حازت على الجائزة الأولى وقدرها 50 ألف دولار من قمة Vested Summit 2019 لأكثر الشركات الناشئة تأثيرا من الناحية الاجتماعية.
تقول الشركات الناشئة إن الفرص كثيرة، ولكن رؤوس الأموال المخاطرة ليست بالسرعة الكافية لاقتناصها. وقال صقر: “في البداية، لم يكن لدى المستثمرين ثقة فيما نقوم به، وكانوا يقولون لنا إنهم يرون أن ما نفعله أمرا حسنا ولكن ليس لديهم الشجاعة للاستثمار فيما نقوم به”. وأضاف أن المستثمرين في المنطقة مبرمجون بشكل أكبر على فهم التجارة الإلكترونية والنقل والاستثمار في هذين المجالين. هذا الأمر دفع “نفهم” إلى أن تتحول إلى جمعية أهلية لصعوبة الحصول على تمويل، وفقا لموقع ومضة.
على الجانب الآخر، يشير بعض المستثمرين بأصابع الاتهام إلى غياب الابتكار فيما تقدمه الشركات الناشئة. وقالت داليا إبراهيم: “الأفكار المطروحة حاليا من الشركات الناشئة ليست ابتكارية، فمعظم الشركات الحالية تطرح نفس الحلول تقريبا”. وأضافت: “ما زالت الشركات الناشئة تفتقر إلى القدرة على الجمع على نحو جيد بين المعرفة وعلم أصول التدريس والتكنولوجيا. لذا فنحن بحاجة إلى المزيد من الأفكار والحلول المبتكرة التي يمكنها تحسين قطاع التعليم بشكل فعال”.
هناك تحديات أخرى، من بينها البيئة التنظيمية والقبول المجتمعي. وقال القلا: “يمتاز قطاع التعليم بمستوى عال من التنظيم، ولهذا فإن ذلك قد لا يسمح في جميع الأوقات بقدر من المرونة والتجربة”. وأضاف: “كما أن أولياء الأمور عادة ما يكون لديهم حاجز نفسي فتكون شهيتهم للمخاطرة منخفضة للغاية. وعندما يصبح الأمر هو الاتجاه السائد، فإن الجميع تكون لديهم الشجاعة للمشاركة. الأمر سيستغرق وقتا ولكننا سنصل في النهاية”.
ومع ذلك، فإن تكنولوجيا التعليم أكثر من كونها شيئا عابرا، فقد ذكر التقرير الصادر عام 2016 عن موقع إد تك جلوبل، أنه من المتوقع أن ترتفع قيمة سوق تكنولوجيا التعليم العالمية بنسبة 17% سنويا لتصل إلى 252 مليار دولار بحلول 2020. كما أن العديد من الأساسات والمشكلات التي تقود النمو العالمي للقطاع يمكن العثور عليها في السوق المصرية، بما في ذلك النسبة المرتفعة نسبيا لشريحة الشباب ومن هم في سن المراحل الدراسية، إلى جانب الحاجة المتنامية إلى المواهب التقنية. وبرغم التحديات، فإن الشركات الناشئة العاملة في تكنولوجيا التعليم في مصر تثبت يوما بعد يوم أنها جادة في إيجاد حلول جديدة للمشكلات التي تواجهها الحكومة. والأمل هو أن تتمكن تلك الشركات من الازدهار في المستقبل وليس فقط التواجد على الساحة.