لماذا تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر؟
(خاص) لماذا تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر؟ وهل ينبغي علينا أن نقلق حيال الأمر؟ أظهرت البيانات الرسمية التي صدرت في وقت سابق من الشهر الجاري تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى نحو 2.84 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2019/2018 مقارنة بحوالي 3.76 مليار جنيه خلال الفترة المقابلة من العام المالي الماضي. وصاحب الإعلان عن برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016 استهداف استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 10 مليارات دولار وهو الهدف الذي لم يتحقق بعد. إنتربرايز تحدثت إلى وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر بالإضافة إلى عدد من كبار محللي الاقتصاد الكلي من بينهم محمد أبو باشا من المجموعة المالية هيرميس وآلان سانديب من النعيم للسمسرة للحديث حول الأمر.
الأمر ليس له علاقة بحجم التدفقات الدولارية بل يتعلق بنصيب مصر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية: فقد واصلت مصر تعزيز حصتها في الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية بالرغم من تباطؤ حركة الاستثمارات الأجنبية حول العالم، هذا ما أخبرتنا به وزيرة الاستثمار سحر نصر. ووفقا للبيانات الرسمية، فإن حصة مصر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية ارتفعت إلى 0.4% في 2017 مقارنة مع 0.3% في 2016. وبلغ صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 7.7 مليار دولار خلال العام المالي الماضي 2018/2017، مقارنة مع 7.9 مليار دولار في العام المالي السابق عليه. وتضيف نصر في حديثها إلى إنتربرايز "بمقارنة مصر مع الدول التي تتشابه معها في مستوى الدخل، فإن مصر حلت بالمرتبة الثالثة عالميا من حيث حصتها في الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية". وأضافت نصر أن مصر شهدت أكبر استثمارات اجنبية مباشرة بالمنطقة خلال 2017 بعد الإمارات.
دخول الشركات الأجنبية إلى السوق المصرية في نمو مطرد: تقول نصر إن عدد الشركات الأجنبية الجديدة التي تدخل السوق المصرية في ارتفاع مطرد بالتزامن مع زيادة حصة مصر في الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية. وتضيف أن النتائج تدلل على ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري.
توقعات مبالغ فيها: يقول كبير محللي الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس محمد أبو باشا إن التوقعات التي خرجت بشأن تدفق استثمارات أجنبية مباشرة في أعقاب التعويم كانت نقطة بداية خاطئة. ويضيف أبو باشا لإنترابرايز "لقد كان أمرا غير واقعي أن تتوقع تعافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الفور بعد التعويم بالنظر إلى الأوقات العصيبة التي مر بها الاقتصاد. والأهم من ذلك أيضا، النظر إلى طبيعة الاستثمارات الأجنبية التي تجذبها مصر والتي ترتكز بالأساس على الطلب المحلي". وتابع: "عام 2017 كان صعبا لبيئة الأعمال في ضوء التغيرات الواسعة في المعطيات الاقتصادية بينما اتسم العام الماضي بالاستقرار والطمأنينة، إذ كانت الشركات تحاول التأكد من تعافي الطلب لتبرير أي توسعات أو استثمارات مستقبلية".
مقارنة غير عادلة أيضا: يرى أبو باشا أن مقارنة أرقام تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة قبل وبعد التعويم أمرا غير منطقي في ظل فقد الجنيه لنحو نصف قيمته مقابل الدولار. ويقول "سيبدو الأمر منطقيا حينما يجري قياس حجم التدفقات بالدولار في ظل تراجع قيمة الجنيه لنحو النصف. الأمور تحتاج إلى بعض الوقت حتى تعود لطبيعتها".
تراجع الطلب المحلي والاستهلاك عامل آخر: يقول أبو باشا إن تراجع الطلب المحلي والاستهلاك على خلفية ارتفاع معدلات التضخم على مدار العامين الماضيين كان سببا رئيسيا أيضا وراء تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وأشار أن تخفيض قيمة العملة لم يكن العامل الوحيد الذي ألقى بظلاله على الطلب، مضيفا أن خفض الدعم وأسعار الفائدة كانت من بين العوامل التي أثرت على الطلب أيضا. واستطرد: "طبيعة الصناعات في مصر قائمة على الطلب المحلي بعيدا عن قطاع النفط والغاز. الشركات الأجنبية تأتي إلى السوق المصرية لتلبية الطلب المحلي بالأساس، فإذا كانت الشركات لا تستخدم سوى 40-50% من طاقتها، فلماذا ستفكر إذا في استثمار المزيد بالسوق المحلية؟".
متى تتعافى تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد؟ ينتظر أن يشهدالعام المقبل بداية تعافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد بالتزامن مع عودة الأسواق إلى طبيعتها وتحسن الظروف وانخفاض معدلات الفائدة والتضخم، هذا ما يتوقعه كبير محللي الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس محمد أبو باشا. وعلى النقيض، يتبنى آلان سانديب من النعيم للسمسرة وجهة نظر أخرى، إذ يرى أن مصر بحاجة إلى ما بين 5-10 سنوات من تاريخ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي حتى تشهد البلاد تعافيا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إليها. ويقول "لن استخدم مصطلح مخيبة للآمال، لأنك إذا نظرت إلى الدول الأخرى، ستجد أنها استغرقت من الوقت ما بين 5-10 سنوات لتشهد تعافيا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها. الأرقام الحالية دون التوقعات ولكني أيضا لن استخدم مصطلح مخيبة للآمال". ويتوقع سانديب أن يشهد النصف الثاني من العام الجاري تسارعا في وتيرة التدفقات الأجنبية المباشرة إلى مصر في قطاعي الزراعة والخدمات نتيجة لعوامل موسمية. كما رجح أن تتسارع التدفقات المباشرة في قطاعي التعدين والنفط بحلول 2021.
توقعات بتدفقات أجنبية مباشرة ما بين 8 إلى 8.5 مليار دولار في 2020/2019: تقول وزيرة الاستثمار لإنتربرايز إن الحكومة تتوقع أن تتراوح التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة في العام المالي الجديد ما بين 8-8.5 مليارات دولار بفعل المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي وعلى وجه التحديد التوترات التجارية، بالإضافة إلى العوامل الداخلية الأخرى على غرار التضخم الذي يحتاج بعض الوقت حتى يكون أكثر ملاءمة ليتراجع حدة تأثيره على التدفقات.
ما هي القطاعات التي تستهدفها مصر لتعزيز تدفقات الاستثمارات الأجنبية إليها؟ تقول وزيرة الاستثمار لإنتربرايز إن الحكومة ملتزمة بالسياسات التي تدعم القطاعات ذات القيمة المضافة والموجهة نحو القطاعات التكنولوجية والتي يمكنها أن تسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي وخلق الوظائف الجديدة. وتضيف "قانون الاستثمار والسياسات الأخرى ذات الصلة جرى تصميمها لدعم الاستثمار في المناطق المتراجعة اقتصاديا لرفع مستويات المعيشة هناك".
هل تلقي السياسة بظلالها على التدفقات الأجنبية المباشرة إلى البلاد؟ قالت نصر في مقابلة منفصلة مع وكالة بلومبرج إن المشهد السياسي في مصر لا يؤثر بالسلب على تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد (شاهد 6:28 دقيقة). وأضافت "على النقيض، فإن السياسة لعبت دورا كبيرا في تحسين بيئة الأعمال وفتحت المجال لاستثمارات أجنبية جديدة لدخول السوق المصرية".