هل تبطئ مخاوف تغير المناخ النمو السكاني؟
تغير المناخ يخيف الناس من الإنجاب: يؤجل بعض الناس جوانب الحياة الرئيسية مثل تكوين عائلة بسبب القلق من تغير المناخ وبسبب عدم اليقين بشأن وضع العالم في مستقبل غير بعيد. ومع استمرار العلماء والجهات الدولية في دق ناقوس الخطر بشأن التهديدات التي يمثلها تغير المناخ على الحياة على الأرض، وزيادة فهم تلك المخاطر على نحو واسع، يكتسب اتجاه من العزوف عن إنجاب أطفال مزيدا من الزخم ولكن ببطء.
نحو ثلث الأشخاص يؤجلون إنجاب أطفال بسبب القلق البيئي: يرجئ 30% من الأشخاص أحداثا حياتية مهمة مثل إنجاب الأطفال بسبب القلق من تغير المناخ، حسبما أظهر استطلاع شمل نحو 25 ألف شخص في 25 دولة أجرته شركة إدارة المياه النفايات والطاقة فيوليا وشركة الأبحاث إيليب نشرت نتائجه يورونيوز. وكشف استطلاع رأي آخر عبر الإنترنت أجرته بيزنس إنسايدر في عام 2019 أن 38% من الأفراد البالغين 18-29 عاما في الولايات المتحدة الأمريكية يعتقدون أنه ينبغي على الأزواج أخذ تغير المناخ في اعتبارهم عند التفكير في تنظيم الأسرة.
هذه النسب ترتفع في البلاد المعرضة للتأثر أكثر بالتغيرات المناخية: في دول مثل إندونيسيا واليابان والمكسيك وكولومبيا، يعزف نحو 33% من الأشخاص عن إنجاب أطفال بسبب مخاوف مناخية، حسبما كشف استطلاع فيوليا وإيليب. وفي الهند، تتفاقم هذه المخاوف، إذ قال 58% من المشاركين في الاستطلاع إنهم أجلوا قرار الإنجاب.
حرائق الغابات والفيضانات والجفاف ليست وحدها التي تهدد الطفولة: تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن "الأطفال الذين أتموا 10 أعوام أو أقل في عام 2020، من المتوقع أن يعانوا من زيادة بنحو أربعة أضعاف في الظروف المتطرفة عند 1.5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري بحلول عام 2100، وزيادة بمقدار خمسة أضعاف عند 3 درجات مئوية من الاحتباس الحراري. "تتفاقم هذه المشكلات بسبب حقيقة أن الأطفال الحاليين والمحتملين سيعانون على الأرجح من تهديدات جودة وكمية المياه وإنتاج الغذاء وفقدان النظام البيئي بسبب عدم تخفيف تغير المناخ"، حسبما أضافت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ينظر العديد من آباء المستقبل إلى فكرة إنجاب أطفال في بيئة خطرة باعتبارها مصدرا كبيرا للضغط والقلق.
وقد يتأثر الأطفال بتغير المناخ حتى قبل ولادتهم: يتعرض الأجنة في أرحام أمهاتهم في وقت وقوع كارثة طبيعية لخطر متزايد بالإصابة باضطرابات نفسية في وقت لاحق من حياتهم مقارنة بمن لم تتعرض أمهاتهم لتلك الكارثة، وفق دراسة أجريت عام 2022. وتشير نتائج هذه الدراسة أن المستويات المرتفعة من الضغط التي تتحملها النساء الحوامل خلال الكوارث الطبيعية قد يكون لها تبعات جسيمة على الأطفال بعد وقت طويل من ولادتهم. ومع تكرر الظواهر الجوية المتطرفة بسبب تغير المناخ، فإن تأثيرها على الأطفال قد يصبح أكثر انتشارا.
ويقول دعاة الحفاظ على البيئة إن إنجاب الأطفال قد يضرها: في الدول الغنية، إنجاب طفل واحد أقل قد يعادل متوسط 58.6 طن من تخفيضات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق دراسة أجريت عام 2017 ونشرت في آي أو بي ساينس. "إنجاب طفل أمر أسوأ بمقدار سبع مرات على المناخ من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا، مقارنة بالوسائل العشر الأكثر بحثا لتخفيف تغير المناخ والتي يمكن للأفراد تنفيذها"، حسبما قال محللون لدى مورجان ستانلي لسي إن بي سي.
ولكن البعض يجادل بأن المزيد من الأفواه على الكوكب لن يكون بالضرورة مدمرا. إحدى الفرضيات الرئيسية في قياس البصمة الكربونية للأطفال الجدد هي أن الوضع الراهن للطاقة العالمي لن يتغير، وهي للإمكانات العالمية. ويقول رئيس أبحاث المناخ في شركة سترايب الأمريكية للمدفوعات في حديثه لواشنطن بوست إن هذا "لا يفترض فقط أننا لن نخفض الأثر الكربوني خلال حياة هذا الطفل، بل أيضا أننا لن نخفض الأثر الكربوني خلال حياة أبناء هذا الطفل وأبناء أبنائه". ولا يزال من الممكن تماما تجنب مستويات أكثر تطرفا من الاحترار العالمي (أي ارتفاع لدرجات حرارة الكوكب بأكثر من 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية)، ويتطلب الأمر فقط القيام بجهود عالمية جادة في أسرع وقت.
ومع ذلك، يأمل الكثيرون بأن الأمور ستتحسن: يقر نحو 75% من سكان العالم بأن التغيرات المناخية هي مشكلة صنعها الإنسان، ويرى نحو 60% أن النتائج المستقبلية لا تزال تحت السيطرة، وفقا لمسح فيوليا. وبشكل حاسم، يبدو أن معظم الناس يتفهمون أن الاستثمارات اليوم تكلفته أقل من الضرر الذي سنتعرض له إذا لم تتم معالجته. ويرى نحو 55% أن العمل الجماعي وتغيير نمط الحياة ضروريان لمكافحة تغيرات المناخ.