لماذا يرحل الماعز؟

عام رحيل الماعز؟ شهد عام 2022 اعتزال العديد من الرياضيين الذين كانوا من ضمن الأفضل عبر التاريخ، والذين يشار إليهم أحيانا بالعامية المصرية بلقب "معزة"، وهو ترجمة الاختصار الإنجليزي للقب Greatest Of All Time أو GOAT. ملاعب التنس فقدت الأسطورتين روجر فيدرير وسيرينا ويليامز في سبتمبر. سيباستيان فيتيل بطل الفورمولا أعلن اعتزاله بنهاية الموسم الماضي، بينما قرر شون وايت التوقف عن احتراف التزلج على الجليد، واعتزل أسطورة كرة القدم الأمريكية توم برادي في بداية العام، قبل أن يعود بعد أقل من شهرين. أما معجزة كرة القدم الأرجنتينية ليونيل ميسي فأثار الشائعات حول الاعتزال الدولي بعد قيادة بلاده للفوز بكأس العالم نهاية العام الماضي، لكنه أكد أن مونديال قطر سيكون الأخير في مسيرته.
كل رياضي يوصف بالمعزة له عشاق ومتابعون بالملايين يعلقون صورهم على جدران منازلهم، ويكفي اسمه فقط لبيع أي شيء، حتى لو كان أعواد الكبريت. تؤرخ الجماهير لأحداث حياتها من خلال انتصاراتهم وخسائرهم، وتشعر بحزن حقيقي عندما يعلقون أحذيتهم أو مضاربهم.
إرهاصات على طريق الاعتزال: كان 2021 عام الاستقالات الجماعية بامتياز، مع إعادة الكثير من الموظفين تقييم أولوياتهم في ظل الجائحة، إذ يؤكد مكتب إحصاءات العمل الأمريكي أن ما يقرب من 47 مليون شخص غادروا وظائفهم في الولايات المتحدة خلال العام. فهل يمكن أن يكون هؤلاء الأبطال، وهم بشر عانوا مثلنا من فترات الإغلاق والابتعاد عن الرياضة والأضواء، قد وجدوا في أنفسهم رغبة في سلوك مسارات جديدة في الحياة بعيدا عن الملاعب؟ هل أجلوا قرار الاعتزال في سنوات الوباء من أجل خروج أكثر ملاءمة لتاريخهم الرياضي الأسطوري؟ أم أنها مجرد محض صدفة؟
احتراف الرياضة ليس مهنة طويلة العمر: يضطر معظم ممارسي الرياضة بشكل احترافي إلى الاعتزال بين سن 28 و32 عاما، حسبما يوضح كبير أساتذة الرياضة بجامعة برايتون جاري بريكلي لموقع ذا كونفرزيشن. فمع التقدم في العمر، تكثر الإصابات والأمراض وتنخفض مستويات اللياقة البدنية، بينما يفضل كثيرون التفرغ لرعاية عائلاتهم.
لكن معظم الماعز المعتزلين حديثا استمروا في تحقيق البطولات بعد تجاوزهم السن التي يفترض أن تكون لياقتهم في قمتها. كل من روجر فيدرير وسيرينا ويليامز اشتركا في البطولات الأربع الكبرى بعد تجاوز 41 عاما، بينما وصل ميسي وفيتل ووايت إلى منتصف الثلاثينات. نجم كرة القدم الأمريكية توم برادي أسطورة حقيقية تمشي على قدمين، يبلغ من العمر 45 عاما ولا يزال يمارس الرياضة بشكل احترافي. أما المعزة الأكبر سنا فهو الأمريكي كيلي سلاتر، الذي يمارس رياضة ركوب الأمواج حتى الآن رغم اقترابه من 51 عاما.
ما السر الذي يسمح لهؤلاء بالبقاء في الصدارة كل هذا الوقت؟
#1- حياة الماعز هذه الأيام بعيدة كل البعد عن تلك التي عاشها نظرائهم السابقين. ربما لم يعد سلوك الـ "بلاي بوي" الذي اتسم به الرياضيون مرتبطا بكون الرياضي الأفضل في رياضته. كان جيمس هنت، بطل سباقات الفورمولا وان البريطاني، معروف بشره المشروبات الكحولية والتدخين وحضور الحفلات الصاخبة حتى ساعات متأخرة في الليل، عادة حتى قبل المشاركة في سباقات. توفي هنت بنوبة قلبية عن عمر ناهز 45 عاما. بعد أقل من عقد من الزمان، يتبع مواطنه لويس هاملتون، بطل سباقات فورمولا وان سبع مرات البالغ من العمر 38 عاما نظاما غذائيا نباتيا صارما ويؤدي تمارين البيلاتيس يوميا ويغلق هاتفه بحلول الساعة 6 مساء.
2#- التكنولوجيا لها يد. "يتمتع الرياضيون اليوم بزلاجات أسرع ودراجات هوائية أكثر ديناميكية وأحذية أخف وملابس سباحة عالية الأداء وأكثر من ذلك بكثير"، حسبما يقول ديفيد إبستين، مؤلف كتاب The Sports Gene. يقارن إبستين بين العداء الأولمبي جيسي أوينز، الذي سجل الرقم القياسي العالمي لسباق 100 متر في عام 1936، ويوسين بولت، حامل الرقم العالمي منذ عام 2009. يعني التقدم التكنولوجي أن بولت كان يجري على نوعية أرضية مصممة خصيصا لمساعدة العدائين على التحرك بأسرع ما يمكن. من ناحية أخرى، "ركض أوينز على أرض غير ممهدة وكان عليه أن يحفر نقطة الانطلاق بمجرفة". إذا أزلنا التكنولوجيا من المعادلة، فسيكون بولت وأوينز على مسافة خطوة واحدة من بعضهما البعض، وفقا لإبستين.
#3- تغيرت النظريات التدريبية. ركز الرياضيون في السابق على التدريب عالي الكثافة المصمم لدفعهم إلى أقصى حدودهم بأكثر الطرق فعالية من حيث الوقت. اليوم، ينصب التركيز على القوة والتحمل، ويستهدف نقاط ضعف محددة في الجلسات متوسطة الشدة، حسبما ذكر الباحث الأكاديمي جاري بريكلي. تساعد تقنيات التعافي الأكثر كفاءة والتغذية وخدمات الرعاية الصحة النفسية والعقلية أيضا في الحفاظ على الأداء واستمرار فترة ذروة الأداء.
هذه كلها أخبار سارة للماعز: سمح الابتكار وتطور المناهج التدريبية لبعض عظماء الرياضة على الإطلاق بمواصلة حياتهم المهنية في مستويات استثنائية حتى سن أكبر من المعتاد، ليصبحوا أساطير مع ثروة من المعرفة والخبرة لإظهار ذلك. إلى أولئك الذين علقوا قبعاتهم في عام 2022، نحييكم لما بذلتموه من سنين في كسر حدود الإنجاز الرياضي وإمتاع وإلهام الملايين.