ماذا تخبئ 2023 للاقتصادات الناشئة؟
2022 كان صعبا على الأسواق الناشئة، فما الذي نتوقعه في 2023؟ واجهت الأسواق الناشئة العديد من العراقيل خلال العام الماضي، ما بين تشديد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسياساته النقدية وصدمات التضخم وارتفاع الأسعار، مما تسبب في مشاكل للعملات المحلية وخسائر في الأسهم والسندات، ووصل الأمر إلى تخلف بعض الدول عن سداد ديونها. ومع استمرار تحذير الخبراء الاقتصاديين من مخاطر الركود العالمي وشيكة الحدوث، ما الذي يخبئه العام الحالي للأسواق الناشئة؟
البعض يراهن على عودة قوية: ربما كانت النظرة لاقتصادات الدول النامية متشائمة بعض الشيء مؤخرا، لكن هذا لم يكن سببا كافيا لإيقاف المتفائلين، الذين تستمر أعدادهم في الازدياد. ولأول مرة منذ عام ونصف، رجحت كفة المراهنين على ارتفاع الأسهم (الثيران) ضد الدببة (المراهنين على تراجعها) في الأسواق الناشئة ديسمبر الماضي، خصوصا بعد ارتفاع المعنويات الإيجابية خلال الربع الرابع من عام 2022، وفي استطلاع إتش إس بي سي الذي شمل 118 مستثمرا مؤسسيا ونقلته رويترز. وقال 29% من المشاركين في الاستطلاع إنهم متفائلون بشأن الأصول خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهو ما يقرب من ضعف الرقم في الاستطلاع السابق خلال سبتمبر، بينما تراجعت نسبة الدببة المتشائمين من 41% إلى 18% فقط.
حالة ديون الأسواق الناشئة: في عام 2022، وصلت 25% من الدول الناشئة وأكثر من 60% من الدول ذات الدخل المنخفض إلى حافة أزمة الديون، بينما سقطت كل من سريلانكا وغانا ولم تتمكنا من سداد ديونها. العديد من الأسواق الناشئة بحثت عن أشكال بديلة للاستدانة في ظل أزمات العام الماضي، مثل الاقتراض من البنوك الخاصة والمصادر غير الحكومية، الأمر الذي ينطوي على عيوب خطيرة تشمل قصر فترات السداد وارتفاع أسعار الفائدة وصعوبة التفاوض أو إعادة جدولة المدفوعات. لكن رغم هذا تنقل رويترز عن أحد محللي الأسواق الناشئة تأكيده "عدم وجود الكثير من الديون المستحقة في العام المقبل"، موضحا أن باكستان هي الدولة "الأكثر عرضة لخطر التخلف عن السداد" في 2023.
دولار أضعف؟ مع استعداد الفيدرالي الأمريكي لتقليل وتيرة دورة التشديد النقدي أو حتى إيقافها تماما، من المتوقع أن يتراجع الدولار الأمريكي هذا العام بعد ارتفاعه في 2022، حسبما تشير ليزا شاليت كبيرة مسؤولي الاستثمار بوحدة إدارة الثروات لدى مورجان ستانلي. ومن المفترض أن يوفر هذا انتعاشا تحتاج إليه الأسواق الناشئة بشدة، بعد تعرض عملاتها وديونها لضغوط جراء ارتفاع قيمة الدولار. لكن توقعات الانتعاش هذه ستذهب أدراج الرياح في حالة اضطرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة بسبب استمرار التضخم، مما سيعضد من قوة الدولار.
عودة الصين: من المنتظر أن ينتعش الاقتصاد الصيني هذا العام على خلفية قرار بكين بالتخلي عن سياسة صفر كوفيد. وتوقع استطلاع لمؤشر نيكاي شمل 37 محللا واقتصاديا نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.7% هذا العام ارتفاعا من 3% في 2022، في ظل تخفيف الحكومة لقيودها الصارمة المتعلقة بالجائحة. ارتفاع الطلب في الصين سيعود بالنفع على الاقتصادات الناشئة وخصوصا مصدري السلع، الذين تعد الصين واحدة من أكبر شركائهم التجاريين. وتمثل الأصول الصينية أيضا ثلث رأس المال السوقي في معظم مؤشرات قياس الأسواق الناشئة.
نمو متباطئ: رغم انتعاش الاقتصاد الصيني، إلا أن معظم المحللين يتوقعون أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة الأخرى في عام 2023 إذ خفض الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الطلب المتزايد في الشرق واستمرت الاقتصادات في الشعور بتأثير أسعار الفائدة المرتفعة والتداعيات غير المباشرة للحرب في أوكرانيا. ويتوقع بنك جيه بي مورجان تراجع النمو في الأسواق الناشئة (باستثناء الصين) بنسبة 1.8% هذا العام، بينما خفضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية ستاندرد أند بورز من توقعاتها للنمو للاقتصادات الناشئة في 2023 (باستثناء الصين والسعودية) إلى 3.8%. "الانكماشات الاقتصادية، إلى جانب تشديد السياسة النقدية والصدمات الجيوسياسية والسلعية التي تحفزها، ستكون مؤلمة مؤقتا في الأسواق المالية والأسواق الناشئة"، حسبما قال ديفيد فولكرتس-لانداو، كبير الاقتصاديين دويتشه بنك، وفق رويترز.
سيظل التضخم مشكلة في الكثير من الاقتصادات الناشئة هذا العام، رغم أن تباطؤ التضخم في بعض الدول على خلفية تراجع أسعار السلع سيتيح للبنوك المركزية – خاصة في أمريكا اللاتينية – البدء في خفض أسعار الفائدة، وفق جيه بي مورجان. "من المتوقع أن يظل التضخم مشكلة للبنوك المركزية في نصف الأسواق الناشئة الرئيسية تقريبا. وبعض البنوك المركزية في الأسواق الناشئة قد تبدأ تخفيف سياساتها النقدية العام المقبل لكن يبدو أن معظمها ستتجه إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول"، حسبما قال لويس أوجانيس الذي يرأس قطاع أبحاث العملات والسلع والأسواق الناشئة بالبنك.
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية مستمرة: المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا ستستمر. وأضرت الحرب بالفعل بسلاسل إمداد الطاقة العالمية وأحدثت اضطرابات في الأمن الغذائي في العالم وأدت إلى موجة من التضخم. والتأثير الاقتصادي لتصعيد الصراع أو فرض عقوبات جديدة على الاقتصاد الروسي سيكون غير متوقع وربما قاس.
صناديق الاقتراع: من المقرر إجراء انتخابات في الأسواق الناشئة في دول من بينها نيجيريا والأرجنتين وبولندا. وقد يثبت أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا ستكون أشد المنافسات تأثيرا حتى الآن على كرسي السلطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تراجعت شعبية الرئيس التركي خلال الأشهر الأخيرة إذ اقترنت الصدمات الاقتصادية العالمية بسياساته النقدية المعاكسة للتيار العالمي والتي وضعت البلاد في مواجهة مع التضخم المتصاعد وعملة بلغت أدنى مستوياتها أمام الدولار.