هل نشهد عصر "دمقرطة" الاستثمار المباشر؟
الاستثمار المباشر يفسح المجال أخيرا للمستثمرين الأفراد: بدأت شركات الاستثمار المباشر في الاستجابة لمطالب المستثمرين الأفراد بالسماح لهم بأخذ مساحة أكبر في هذا القطاع، حيث يحاول صغار المستثمرين حاليا الاستثمار في أصول أخرى غير الأسهم والسندات، في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق المالية أسوأ عام لها منذ سنوات. وشركات الاستثمار المباشر هي شركات تجمع تمويلات لتستثمرها مباشرة في شركات ومشروعات ليست مدرجة في البورصة أو مطروحة للتداول العالم. ولذلك، فالأسهل من الجانب العملي أن تعتمد تلك الشركات على جمع التمويل بأرقام ضخمة من عدد قليل من المستثمرين لتستثمرها مباشرة في الشركات والمشروعات. وغالبا ما يكون هؤلاء المستثمرين مؤسسات وليسوا أفرادا.
تاريخيا، كانت شركات الاستثمار المباشر معزولة عن المستثمرين الأفراد بسبب متطلبات الملاءة الصعبة وقيمة التذاكر الاستثمارية الكبيرة، لكنها بدأت تتحرك الآن لفتح محافظها الاستثمارية لمساهمات صغار المستثمرين. وفي الوقت نفسه، ظهرت مجموعة من الشركات الناشئة تتطلع إلى "دمقرطة" قطاع الاستثمار المباشر وتسهيل استثمارات الأفراد فيه.
بالأرقام: تستثمر المؤسسات عادة ما بين 30-50% من محفظتها من "الاستثمارات البديلة" بعيدا عن السندات والأسهم، ومن بين الاستثمارات البديلة تلك الاستثمار المباشر والعقارات والائتمان، وفقا لتقرير نشرته ماكينزي. على الجانب الآخر، لا تمثل الاستثمارات البديلة سوى 2% من محفظة المستثمرين الأفراد، وفقا للتقرير. وبعض مديري الأصول بالفعل، ومنهم شرودرز وأبريدن، وجوبيتر، وبيلي جيفورد، يوفرون بعض الإتاحة للأفراد للاستثمار في صناديق الاستثمار المباشر، إلا أن أمر لا يزال محدودا وغير معتاد في هذا القطاع.
ما الذي تغير؟ شركات الاستثمار المباشر تحاول التكيف مع عالم به المزيد من الأصول المتنوعة. تضع معظم المؤسسات حدودا على نسبة الأموال التي تستثمرها في أي بديل من البدائل الاستثمارية، وبلغ معظمها هذا الحد بالفعل، حسبما كتبت فايننشال تايمز. وفي الوقت نفسه، يتطلع المستثمرون الأفراد بشكل متزايد إلى تنويع استثماراتهم في ظل تراجع الاعتقاد بمدرسة الاستثمار القديمة 60/40. وقال مات براون المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سي أيه آي إس، وهي سوق إلكترونية للاستثمارات البديلة، إن مزيج المحفظة الاستثمارية التقليدية المكون من 60% للأسهم و40% لأدوات الدخل الثابت أصبح باليا، وخاصة بعدما أصبحت التقلبات الحادة أمرا معتادا بالأسواق المالية. وأضاف أن مع اتجاهات السوق الجديدة التي تشهد توجه المؤسسات ذات الملاءة المالية الضخمة نحو هذه الاستثمارات البديلة، فإن أي مستشار ثروة لا يستخدم هذه البدائل في السنوات القليلة المقبلة سيكون مهددا بخسارة عملائه.
يعتقد الخبراء أن تواجد المستثمرين الأفراد في قطاع الاستثمار المباشر سيشهد طفرة في السنوات العشر المقبلة: "خلال خمس أو عشر سنوات سيكون الاستثمار المباشر متاحا وشائعا بين المستثمرين الأفراد مثله مثل الأسواق المالية"، حسبما يتوقع ستيفن بولس مؤسس منصة مونفير التي تركز على استثمارات الأفراد في قطاع الاستثمار المباشر، في حواره مع فايننشال تايمز.
يتحول اهتمام إدارة الثروات في المؤسسات المالية الكبرى إلى الاستثمار المباشر: تصل معظم المؤسسات المالية الكبيرة إلى الأفراد من خلال إدارة الثروات، والتي تدمج إدارة الأصول مع التخطيط المالي وتقديم المشورة. وقال براون: "هناك تحويل هائل لرأس المال في الوقت الراهن من إدارة الثروات التقليدية إلى استثمارات بديلة". وتتوقع شركة الاستثمار المباشر الرائدة كيه كيه آر أن يأتي نحو 30-50% من رأس المال المتدفق إليها من الأفراد الأثرياء خلال الفترة المقبلة، طبقا لصحيفة فايننشال تايمز.
وفي عالم الشركات الناشئة، تزدهر شركات التكنولوجيا المالية التي تتطلع إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الصناعة: لدى شركة مونفير، التي تتخذ من برلين مقرا لها، أصولا تحت الإدارة في الولايات المتحدة بقيمة 150 مليون دولار، بينما تسمح شركة ألوكيشنز، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والتي يصل تقييمها إلى ما يقرب من 150 مليون دولار، للمستثمرين الأفراد بالمساهمة في عمليات الاستثمار المباشر. تعمل الشركتان على استقطاب المستثمرين الأفراد إلى فئة الأصول من خلال تيسير الوصول إليها وتقليص الحد الأدنى لقيمة المبلغ المطلوب من المستثمرين للدخول في استثمار مباشر. وقال الرئيس التنفيذي لشركة ألوكيشنز كينجسلي أدفاني: "عادة، مستثمرو التجزئة، إذ توجهوا إلى البنك، فإن الحد الأدنى للاستثمار [في الأصول البديلة] يكون مرتفعا حقا، مثلا 5 آلاف إلى مليون دولار، لكن في ألوكيشنز، فيمكنك الاستثمار بأي حد أدنى".
شركات الاستثمار المباشر التقليدية بدأت أيضا في قبول استثمارات بحجم تذكرة أصغر: قررت شركة كيه كيه آر الشهر الماضي تقسيم أصول جزء صغير من أحد صناديقها، مما يساعدها على تبسيط العمليات الإدارية والسماح لها بقبول شيكات أصغر من المستثمرين. غالبا ما تكون العمليات الإدارية مكلفة لمديري الأصول، وهو جزء من سبب ميلهم إلى تفضيل الشيكات الأكبر، والمطالبة برسوم أكبر لتعويض ارتفاع التكلفة. المبالغ المطلوبة للاستثمار تكون عادة بالملايين، لكن مقدمي الخدمات شرعوا في خفض هذا الرقم إلى 50 ألف دولار أو أقل، طبقا لفايننشال تايمز.
الوقت عامل آخر: يمكن للمؤسسات والأفراد ذوي الملاءة المالية الكبيرة تحمل ضخ ملايين الدولارات لسنوات في هذه الفئة من الأصول، والتي لا تأتي فقط برسوم باهظة لكنها غالبا ما تكون أيضا غير قابلة للتسييل لسنوات.
لكن ثمة حلولا جديدة آخذة في الظهور تجعل الاستثمار المباشر أكثر سهولة، بحسب فايننشال تايمز. يتيح البعض الآن صناديق "شبه سائلة"، والتي تعمل مثل صناديق الاستثمار المشترك ولكنها تحدد المبلغ الذي يمكن للمستثمرين سحبه في فترة معينة، مما يمنح المستثمرين بعض المرونة ولكن لا يزال هناك قيود على مقدار الأموال التي يمكنهم تحقيقها من الأصل على المدى القصير. وفي المملكة المتحدة تدمج صناديق الاستثمار الاستثمارات المباشرة مع فئات أصول أخرى، لتتيح للأفراد الاستثمار بها دون أن يكون حجم التذكرة الاستثمارية مرتفعا، ويسمح للأفراد بتداول استثماراتها تلك في سوق الأسهم، مما يتيح لهم جني المزيد من العوائد قصيرة الأجل من تلك الاستثمارات.