سر هيمنة مصر على الاسكواش
مصر ❤️ الاسكواش والاسكواش ❤️ مصر. لماذا؟ يهيمن اللاعبون المصريون على حلبة الاسكواش الدولية منذ عقود. سبعة من أصل أفضل عشرة لاعبين في فئة اللاعبين الرجال بالاتحاد الدولي لمحترفي الاسكواش مصريون، وخمسة من بين أفضل عشرة لاعبات مصريات أيضا، ثلاثة منهن تتصدرن المراكز الثلاثة الأولى.
كيف بدأ ذلك؟ جلب الإنجليز اللعبة إلى مصر في أوائل عشرينات القرن الماضي إذ شيدوا ملاعب للاسكواش للترفيه عن الضباط الموجودين في القاهرة والإسكندرية في ظل فترة الاحتلال البريطاني لمصر. حتى أن رياضة الاسكواش ذكرت في فيلم لورانس العرب (1962) (شاهد 1.23 دقيقة)، عندما قال أفراد من الجيش البريطاني ملازم شهير عند عودته إلى مقر القاعدة العسكرية البريطانية بالقاهرة إن "الأمور تسير على ما يرام، وقد شيدنا ملعب اسكواش".
ولم يمض وقت طويل قبل أن نتفوق على البريطانيين في لعبتهم: حمل الدبلوماسي المصري عبد الفتاح عمرو باشا مضرب الاسكواش بعدما اُبتعث إلى بريطانيا في عام 1928. وبحلول أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، أصبح عمرو باشا أول لاعب اسكواش غير إنجليزي يفوز ببطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش، التي كانت تعادل آنذاك بطولة العالم في اللعبة. حافظ عمرو باشا على اللقب حتى اعتزاله في عام 1938، دون هزيمة، ليصبح بذلك "أول لاعب اسكواش يهيمن على اللعبة في التاريخ"، وفق موقع الاتحاد الدولي لمحترفي الاسكواش. سلم عمرو باشا راية الصدارة إلى أسطورة الاسكواش المصري آنذاك محمود عبد الكريم، الذي توج ببطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش أربع مرات في أربعينيات القرن الماضي.
وفي تسعينيات القرن الماضي، صنعت مصر مجدها الحالي في اللعبة: غاب اللاعبون المصريون عن ساحة الاسكواش في النصف الثاني من القرن العشرين، قبل أن يعودوا بقوة مع اقتراب نهايته في التسعينيات. كان السبب أحمد برادة الذي اشتهر عند تأهله إلى نهائي بطولة الأهرام الدولية المفتوحة للاسكواش. ألهم مشهد اللاعب المصري وهو يتفوق في لعبة الاسكواش ومن خلفه الأهرامات جيلا من الأطفال المصريين ممن سيهمنون فيما بعد على حلبة الاسكواش العالمية. ونقلت بي بي سي عن محمد الشوربجي قوله عن برادة: "لدينا دائما شخصا نتطلع إليه، ونرغب في السير على خطاه".
ما السر إذن وراء صدارة اللاعبين المصريين؟ أثارت مسيرة برادة الحماس لدى الرياضيين الشباب لتعلم اللعبة، وسرعان ما أصبحت مصر تحصد بطولات العالم عن طريق أسطورتها عمرو شبانة في أوائل الألفية، لكنه ذلك لا يفسر سبب قدرتنا على إنتاج المزيد من اللاعبين المتميزين حتى اليوم.
الميزة الأولى: تركز الجودة. يلعب نحو 1.7 مليون شخص الإسكواش في الولايات المتحدة في 3500 ملعب. بالمقارنة لدينا فقط نحو 400 ملعب وأقل من 10 آلاف لاعب، وجميع المحترفين يتركزون في نحو 10 أندية في القاهرة والإسكندرية، حسبما كتبت صحيفة نيويورك تايمز. هذا يصنع مجتمعا متماسكا للرياضة حيث تلعب المواهب الصاعدة أمام بعضها البعض ويجري توجيهها من قبل اللاعبين الأفضل في العالم. وقال دانيال كويل، الذي يكتب عن علم النجاح، للصحيفة "هؤلاء اللاعبون الصغار يرون كيف يلعب العظماء ويتدربون ويأكلون".
الميزة الثانية: التكنيك الديناميكي. اللاعبون المصريون رواد في ابتكار أساليب جديدة يقول البعض إنها تجعل اللعبة أكثر إثارة. كتبت صحيفة نيويورك تايمز: "مدرسة الإسكواش المصري ديناميكية ولا تعتمد على نظام واحد، مع ضربات ساقطة تأتي من العدم، تمويهات مخادعة بالرسغ". إنها أيضا هجومية: "كان النمط القديم للعبة يدور حول إطالة اللعب لاستنزاف الخصم بمئات التسديدات بالأعلى والأسفل وبالجدار الجانبي، ولكن الآن بفضل المصريين نشهد أسلوبا جديدا للإسكواش، الاسكواش الهجومي، حسبما قال ألان ثاتشر محرر موقع اسكواش ماد لموقع فرانس 24.
الميزة الثالثة: الإرث والمكانة. هناك عدد قليل من البلدان تنعم بهذا القدر بلاعبي الاسكواش المميزين مثل مصر، وهذا ما يجذب المزيد من الصغار إلى اللعبة. أضف إلى ذلك أن مواهب الاسكواش لدينا يمكن أن تساعد في التحاق طلاب المدارس الثانوية في مصر بجامعات الولايات المتحدة، وليس من المستغرب أن يحرص آباء الأطفال الموهوبين رياضيا على اختيار الاسكواش.
مستقبل الاسكواش المصري؟ بينما حذر البعض من أن هيمنتنا على اللعبة قد تكون مهددة مع انتقال المزيد من اللاعبين الشباب إلى الخارج للدراسة، فإن التصنيف العالمي الحالي يشير إلى عكس ذلك. مع كل نجاح مصري في اللعبة، يظهر المزيد من الأبطال في مشهد الاسكواش المصري، وفي ظل تتابع الأجيال وتناقل الخبرات هذا سيكون من الصعب على أي دولة كسر السيطرة المصرية على اللعبة.