وداعا للصور الاستشراقية.. وأهلا بصور الحياة اليومية في مصر
التصوير الفوتوغرافي كان وسيلة مهمة للابتعاد عن الاستشراق وإظهار "الحقائق" حول التاريخ المصري والحياة اليومية في مصر، حسبما يشير الكاتب مالكولم دانيال في مقال له بموقع ذا ميت. فالرسامون والكتاب نقلوا صورة مختلفة عن مصر طوال قرون، صورة استشراقية تغذيها نهم الغرب لمشاهدة المناظر "الغريبة" عنه. وحتى حين بدأ التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر، كان يستخدم لإظهار بقايا الحضارة المصرية القديمة كما ذكرنا بالأعلى، لكنه سرعان ما سلك طريقا مختلفا لتصوير مصر والشرق بشكل عام، تركز أكثر على العامة وحياتهم اليومية.
لكن هذا استغرق وقتا: فهم المصورون الأجانب المقيمون في مصر أن عملاءهم في الغرب مهتمون بصور الحياة اليومية للمواطنين المصريين، لكنهم رغم هذا كانوا يريدون جعل أعمالهم جذابة حقا، ولذلك كانوا يعرضون صورا تحاكي الحياة الواقعية لكن مع بعض التفاصيل غير الواقعية. يركز مؤرخ الفن فيليكس تورلمان على هذه الصور في كتابه Das Haremsfenster (شباك الحريم)، مشيرا إلى الزيف الذي تكتظ به الصور المليئة بالنساء المحجبات والرجال الحفاة والعمارة الإسلامية. ويوضح في مقابلة مع موقع جيتي أن هذه النوافذ الشبكية المعروفة باسم المشربية، كانت محور تركيزه الأساسي لأنها غالبا ما كانت بمثابة خلفية للعديد من صور المستشرقين في مصر.
وبينما كانت هذه الصور هي السائدة في الخارج، هناك جهود تُبذل الآن لإظهار جانب مختلف للتصوير الفوتوغرافي في مصر. معرض دبي للصورة منذ نحو خمس سنوات كان أحد هذه المبادرات، والذي عرض صورا تغطي مصر في القرن الماضي، وتتناول مصر من وجهة النظر الاستشراقية والحقيقية على حد سواء، وفق تقرير صحيفة الجارديان. تبتعد معظم الصور عن الأهرامات وغيرها من المعالم الأثرية المصرية، وتركز بدلا من ذلك على صور الحياة اليومية في القاهرة أو داخل المنازل التقليدية.
يعد فاروق إبراهيم أحد الفنانين المميزين الذين أبرز المعرض أعمالهم، وقد عمل مع الأغنياء والمشاهير، والتقط صورا لكثير منهم خلال لحظاتهم العادية والحميمة. كان فاروق إبراهيم المصور الوحيد الذي عمل مع الرؤساء الثلاثة جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وقد صنع ضجة حين عرض مجموعة صور للسادات وهو يقضي يومه العادي ويتحرك بملابسه الداخلية ويحلق ذقنه. لكن مواهبه لم تقتصر على النخبة السياسية، إذ التقط صورا لكثير من المشاهير مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ونجوى فؤاد.
اشتهر رمسيس مرزوق بتصويره السينمائي أكثر من الفوتوغرافي، لكن صوره التقطت الصراعات التي يخوضها المصريون في حياتهم اليومية. لم يكتف مرزوق بمسيرته السينمائية التي شهدت تصوير أكثر من 100 فيلم روائي و20 فيلما وثائقيا، بل كان أيضا مصورا فوتوغرافيا يحب التقاط المشاهد اليومية في الأماكن التي زارها في مصر. درس رمسيس في المعهد العالي للسينما بالقاهرة، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون، ووصفت جريدة الجارديان صوره بأنها "ملاحظات هادئة، وأحيانا مغرية"، وعرضت مؤسسة سينماتيك الفرنسية أعماله مرتين، الأولى عام 1968 والثانية في 1970. وفي عام 1979، احتفى مركز جورج بومبيدو في باريس بمجمل أعماله السينمائية والفوتوغرافية، كما شارك في معارض بالولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية وسلوفاكيا وإيطاليا ومصر.
مشاريع حديثة تهدف لإظهار جوهر الحياة اليومية في مصر: هناك مبادرات مثل Everyday Egypt (أسسها روجيه أنيس الذي تحدثنا عنه بالأعلى) وEveryday Cairo، والتي يتابعها على إنستجرام أكثر من 200 ألف شخص. تعرض تلك الصفحات صورا مبهرة التقطها أشخاص عاديون باستخدام محمول أو كاميرا احترافية، مما يفتح المجال أمام الكثير من الهواة لعرض صورهم أمام عدد متزايد من الجمهور. تحكي هذه الصور قصصا من الشارع، وتُبرز العادات والتقاليد والطقوس التي يمارسها المجتمع المصري.
هناك الكثير من الفنانين المعاصرين الذين يهتمون بإبراز الجوانب المثيرة في مصر، ونحن في إنتربرايز نغطي معظم معارضهم في قسم "خارج المنزل" من النشرة المسائية، فتأكد من قراءتها كل يوم من أجل متابعة أفضل للمشهد الفني في مصر.