تداعيات التغير المناخي ونقص المعروض على الأمن الغذائي هذا العام
هل يستمر ارتفاع أسعار الغذاء خلال العام الجديد؟ تسبب الطقس القاسي وتغير عادات الاستهلاك والمشاكل اللوجستية في رفع أسعار المواد الغذائية بنسبة 28% على أساس سنوي في عام 2021 لتصل إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات، وفقا لمؤشر أسعار الغذاء التابع لمنظمة الفاو. وتستبعد المنظمة تغير هذا الاتجاه الصعودي في أي وقت قريب. وكانت قيمة العقود الآجلة للشوفان والقهوة الأسرع نموا في السلع خلال عام 2021، وارتفعت بصورة أسرع من النفط والغاز الطبيعي، على الرغم من زراعة المحصولين في مناخين مختلفين تماما. حذر خبراء المناخ من أن هذا الاتجاه المستمر قد يؤدي إلى قيود تجارية وبناء مخزونات.
أسعار وجبات الإفطار مستمرة في الزيادة: ارتفع مؤشر فايننشال تايمز لأسعار وجبات الإفطار، والذي يشمل العقود الآجلة للقهوة والسكر والحليب والقمح الشوفان وعصير البرتقال، بنسبة 63% منذ عام 2019. صعدت عقود القمح الآجلة بنسبة 20% خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021 بسبب الجفاف الذي ضرب روسيا وأمريكا الشمالية والأرجنتين، بينما تضاعفت أسعار الشوفان جراء الجفاف الشديد الذي ضرب المحصول في كندا، والتي تقود التجارة العالمية، وهو ما أدي إلى تقليص إنتاج الدولة بنسبة 44%. أثرت أيضا موجات الجفاف الذي بدأ في غرب الولايات المتحدة في عام 2020 على محصول هذا العام، فتراجعت الزراعة والحصاد لهذا العام، وفق ما ذكره تشاد هارت، محلل الاقتصاد وأسواق المحاصيل لموقع كوارتز.
وقد ارتد أثر ذلك بالطبع على مصر باعتبارها أكبر مستورد للقمح عالميا. جرى تداول القمح العام الماضي بأعلى مستوى له منذ أكثر من 10 سنوات، ووصلت المناقصات المصرية إلى أعلى مستوى في خمس سنوات على الأقل. اضطرت مصر إلى تنويع مشترياتها من القمح لمواجهة ارتفاع تكلفة استيراد السلعة الاستراتيجية مع ارتفاع أسعار القمح. دفع ارتفاع أسعار القمح، الذي يعد مصدرا لثلث السعرات الحرارية ويشكل 45% من البروتين، الحكومة إلى الاستعداد لتقليص دعم الخبر لتخفيف أثره على الموازنة العامة للدولة.
والقهوة أيضا آخذة في الارتفاع: قفزت أسعار القهوة في ديسمبر الماضي بنسبة 56% لتصل إلى أعلى مستوى في عقد كامل، مع توقعات باستمرار هذا الاتجاه حتى عام 2023، إذ ارتفعت أسعار العقود الآجلة إلى 2.46 دولار للرطل. جاء ذلك مدفوعا بتفاقم الظروف الجوية المضطربة في البرازيل، بما في ذلك الصقيع والجفاف، والحرب الأهلية شبه الكاملة في إثيوبيا، وحالات انتشار "كوفيد-19" في فيتنام مع تعطل الشحن. أدت موجات الجفاف التي أعقبها صقيع شديد غير موسمي في مناطق زراعة البن بالبرازيل، إلى انخفاض محصول البن العربي بنسبة 40%، بينما أثرت رطوبة الطقس في كولومبيا على المحصول. في البرازيل، تسببت اضطرابات الطقس في إتلاف الأشجار، والذي من المرجح أن يؤثر على حصاد الموسم المقبل أيضا. تضررت القهوة بشكل خاص من نقص سفن الحاويات أيضا، مما قفز بالأسعار أكثر وأكثر.
وربما تلجأ قريبا لتناول الشاي "مضبوطا" وليس "سكر زيادة": سجلت أسعار السكر أعلى مستوى لها في عقد من الزمن في أكتوبر الماضي بسبب سوء الأحوال الجوية، وأزمة سلاسل التوريد وتغير عادات الاستهلاك. شهدت أسعار السكر في السوق المحلية ارتفاعا بنسبة 25% تقريبا خلال الأسبوع الأول من يناير الجاري من 8.50 جنيه للكيلو إلى 10.50 جنيه، مدفوعة بارتفاع أسعار السكر عالميا، والتي قفزت بنسبة 37.5% عن عام 2020، طبقا لمؤشر الفاو لأسعار السكر.
لم تسلم أسعار اللحوم الحقيقية والمصنعة أيضا من هذا التيار: ربما شهد مؤشر الفاو لأسعار اللحوم أقل ارتفاع، بزيادة أدنى من 13% عن عام 2020، وجاءت أكبر زيادة سعرية في فئة الأغنام (لحم الضأن). ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في ضوء الارتفاع الحاد في أسعار الشوفان، والذي يستخدم بالأساس في تغذية الحيوانات. في غضون ذلك، شهدت اللحوم المصنعة من مصادر نباتية قفزة سعرية حادة أيضا في أعقاب موجة الحر في كندا، والتي رفعت أسعار البازلاء الصفراء في مقاطعة ساسكاتشوان بأكثر من الضعف. تعد البازلاء الصفراء من أهم المكونات التي تدخل في صناعة بدائل اللحوم النباتية. وعلاوة على ذلك، قفز مؤشر الفاو لأسعار الزيوت النباتية بنسبة 65.8% مقارنة بعام 2020، إذ تسبب الطلب على الوقود الحيوي في زيادة أسعار الزيوت النباتية.
زيادة أسعار الأسمدة يفاقم الأمور: ارتفعت أسعار الأسمدة بشكل حاد في الربع الثالث من عام 2021، واستمرت في الصعود إلى المستويات لم تسجلها منذ الازمة المالية العالمية في 2008-2009، مما أدى إلى زيادة الضغوط التضخمية. أوقفت الدول الكبرى المنتجة للأسمدة مثل الصين وروسيا الصادرات حتى منتصف عام 2022، إذ تأمل في معالجة تحديات الأمن الغذائي الخاصة بها.
ومن المرجح أن يستمر الطقس السيئ خلال 2022: لا يلوح في الأفق نهاية واضحة لسوء الأحوال الجوية، إذ تشير التنبؤات إلى أن العام الحالي سيشهد عواصف عاتية وسيول مفاجئة مع عودة ظاهرة الطقس العالمية المعروفة باسم "اللانينا" إلى المحيط الهادىء. تتسبب تلك الظاهرة في حدوث جفاف في جنوب الولايات المتحدة وهطول أمطار غزيرة وفيضانات مفاجئة في شمال وغرب المحيط الهادئ وكندا. ستؤثر المحاصيل السيئة من حصاد العام الماضي على الاستثمار في العام الجديد، ومن المحتمل أن تؤثر على المخزونات لأكثر من عام مقبل. وحذر كبير الاقتصاديين في الفاو من احتمال امتداد آثار ذلك، إذ يرتفع سعر المحاصيل البديلة استجابة لارتفاع أسعار المحاصيل الأساسية.
الشراء بدافع الذعر والتخزين يساهمان أيضا في زيادة الأسعار، إذ تلوح في الأفق حالة من عدم اليقين. مع قيام شركات المواد الغذائية برفع أسعارها لحماية هوامش ربحيتها، رجح باحث متخصص في السلع الزراعية في رابوبنك في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز، استمرار ارتفاع الأسعار لعام آخر على الأقل بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والمعالجة والنقل، إضافة إلى نقص العمالة واضطرابات سلاسل التوريد.
كيف سينعكس ذلك على مصر؟ يمكن أن يهدد تعطل الإمدادات العالمية الأمن الغذائي في البلاد بسبب الاعتماد على واردات المواد الغذائية الأساسية، طبقا لتقرير صادر عن الفاو العام الماضي، والذي خلص إلى أن 45.4% من المصريين ليس بمقدورهم تحمل تكاليف نظام غذائي كاف، بينما لا يستطيع 84.8% منهم تحمل تكلفة نظام غذائي صحي. أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في صعود التضخم السنوي العام العام الماضي إلى أعلى مستوى في 20 شهرا، إذ قفزت أسعار المشروبات والأغذية بنسبة 13.1% مع ارتفاع أسعار أسعار الخضروات. ورغم تباطؤ هذا الاتجاه في أكتوبر، من المتوقع أن يرتد مرة أخرى نتيجة ارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة 50%.