تحت المجهر..أسباب وآليات توسع أصحاب المدارس الخاصة خارج القاهرة رغم التحديات
بالنظر إلى التحديات التي يواجهها أصحاب المدارس الخاصة في التوسع خارج القاهرة، لماذا وكيف يقومون بذلك؟ يشهد الطلب على التعليم في المدارس الخاصة بمصر نموا كبيرا في الوقت الحالي، فقد زادت أعداد طلبات الالتحاق بالمدارس الخاصة في جميع مراحل التعليم الأساسي بما يقرب من ضعف طلبات الالتحاق بالمدارس الحكومية. لكن التوسع في المدارس الخاصة يتركز بشكل كبير في العاصمة. وقالت مصادر لإنتربرايز الشهر الماضي إن ارتفاع تكاليف الأراضي وضعف المكاسب والتحدي المتمثل في تقييم مدى الطلب يعني أن التوسع في المحافظات لا يستحق الجهد المبذول من قبل العديد من أصحاب تلك المدارس الخاصة.
إلا أن البعض من أصحاب المدارس الخاصة يقولون إن هناك جدوى اقتصادية قوية للتوسع بالمحافظات، إذ يرون أن الطلب الهائل، والمنافسة المنخفضة، وفرصة تطوير منظومة التعليم في مصر هي أسباب مهمة تدفعهم للتوسع في المحافظات. ويرى أصحاب المدارس أيضا أن التوسع بتكلفة منخفضة أمر ممكن من خلال توفير الخدمات المستهدفة والحصول على أراض بأسعار معقولة، كما أنه يمكن أن تتسارع وتيرة مثل هذه التوسعات بشكل كبير إذا وفرت الحكومة الأراضي بدون تكلفة، من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
هذا المجال صغير للغاية، بالرغم من ذلك. بالنسبة لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا) وشركتها التابعة إديوهايف، يعد التوسع خارج القاهرة أولوية استراتيجية رئيسية. وسيكون لدى سيرا بحلول عام 2023 أكثر من 25 ألف مقعد في صعيد مصر وحده في مدارس التعليم الأساسي ومؤسسات التعليم العالي، وفقا لما قاله الرئيس التنفيذي لسيرا محمد القلا. وقال رئيس مجلس إدارة شركة بالانسيد أحمد البكري لإنتربرايز في وقت سابق إن شركته تتطلع إلى التوسع في جميع أنحاء البلاد، وإنها تعتزم استثمار 1.2 مليار جنيه لضم 4 إلى 6 مدارس تحت إدارتها خلال السنوات الثلاث المقبلة.
فلماذا القيام بذلك إذا كان الأمر صعبا؟ هناك طلب كبير ومتزايد: أوضح القلا إن التوسع في المحافظات يعني دخول الأسواق التي يوجد بها كثافة سكانية متزايدة بسرعة ولكن ليس بها الخدمات التعليمية الكافية. وأضاف "أنت بذلك تدخل الأسواق التي تشهد طلبا مرتفعا. ليس عليك إلا أن تكون مبدعا في كيفية الاستجابة لمثل هذا الطلب. لا يمكن أن يكون الأسلوب المتبع تقليديا".
لدى أصحاب المدارس الخاصة القادمون من القاهرة ميزة تنافسية: أصحاب المدارس الذين أطلقوا مؤسساتهم بنجاح في القاهرة التي تتسم بأنها سوق سريعة الخطى يتفوقون على أصحاب المدارس المحليين، وفقا لما قاله كريم مصطفى، الرئيس التنفيذي لشركة إديوهايف. وأضاف أن المنافسة في المحافظات أقل بكثير منها في القاهرة، وأصحاب المدارس القادمون من العاصمة يكون لديهم المعرفة والموارد الكافية ليكونوا منافسين أقوياء.
فكيف إذا يمكن أن يكون التوسع بتكلفة منخفضة؟ من خلال تخصيص الخدمات حسب المنطقة: عندما تقوم سيرا بتقييم الطلب، فإنها تحسب كيفية تقديم خدمات عالية الجودة حسبما هو مطلوب في منطقة معينة، إلى جانب قدرة أولياء الأمور على سداد مقابل تلك الخدمات، بحسب ما قاله القلا. وأضاف أن حوالي 20% من سكان القاهرة يرغبون في الحصول على ما يسمى بخدمات الطبقة المتوسطة العليا، ولكن هذا ليس هو الحال في المحافظات، لهذا يتعين على أصحاب المدارس تخصيص الخدمات التي يقدمونها. وتابع، "كل عنصر من عناصر سلسلة التوريد التعليمية الخاصة بك – بدءا من اختيار قطعة الأرض، وحتى بناء المدرسة، واختيار المحتوى التعليمي ودورة تقديم ذلك المحتوى – يجب أن يتطابق مع الديناميكيات المحلية للمجتمع".
قد يعني هذا تخصيص المزيد من الموارد لتدريب المعلمين، وموارد أقل للمباني: أوضح القلا أنه، في حين أن المدارس الخاصة في المحافظات لا تحتاج إلى مبان باهظة الثمن لجذب الطلاب إليها – كما هو الحال بالمدارس في القاهرة – فقد تكون هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في المحتوى التعليمي الذي يجري تقديمه. وأضاف أنه قد يحتاج المعلمون في المحافظات إلى تدريب إضافي، في حين قد يحتاج الطلاب إلى المزيد من البرامج العلاجية ليكونوا على قدم المساواة مع أقرانهم في القاهرة. وقالت سلمى البكري العضوة المنتدبة لشركة بالانسيد إن تدريب المعلمين في المحافظات أمر ضروري، لكنه مباشر تماما.
لمعرفة الخدمات المطلوبة لكل منطقة، والنطاقات السعرية المناسبة لها، تقوم سيرا بتجميع مواقع مختلفة في مجموعات. ويجري تجميع تلك المواقع وفقا لنشاطها الاقتصادي، ومدى توافر الموارد بها، وكذلك إمكانات النمو بها، بحسب القلا. وأضاف أن هذا قد يعني تصنيف المحافظات على أساس أبرز الصناعات بها أو عادات الإنفاق لمواطنيها، مشيرا إلى أنه لا يتم تحديد المجموعات حسب الموقع الجغرافي. وقال، "من خلال النظر إلى مصفوفة الفقر وتقارير التنمية البشرية يتبين أن الأمر لا يتعلق بالجغرافيا. ففي بعض الأحيان يكون لدينا أسيوط والمنصورة في نفس المجموعة ".
تستخدم سيرا مثل هذه المعلومات لإنشاء العلامات التجارية المختلفة، والتي تتيح الخدمات بناء على احتياجات المجموعات، وفقا لما قاله القلا. وأشار إلى أن الشركات التابعة إديوهايف، والدولية للنظم التعليمية ومدرسة رايزينج ستارز تركز كل منها على المجموعات التعليمية، وأنها غير مقيدة بالجغرافيا.
هناك طريقة أخرى لتغطية تكلفة التوسع في المحافظات، وتتمثل في أن تتوسع المدارس في مجموعات، وأن تقاسم تكاليف النفقات الرأسمالية، وفقا لما قاله البكري لإنتربرايز في وقت سابق.
ولكن لا يزال يتعين حل مشكلة تكلفة الأرض حتى يكون التوسع أمرا جذابا: قال مصطفى "باعتباري أحد أصحاب المدارس، أرى أنه لا يجب أن يثقل المرء كاهله بتكاليف الأراضي المرتفعة". وتابع "عليك أن تكون حذرا للغاية فيما يتعلق بسعر الأرض التي تختارها".
من أحد الطرق الأخرى اختيار الأراضي منخفضة السعر في المدن الجديدة التي تطلقها للحكومة: أطلقت سيرا مدرسة ريجنت البريطانية في مدينة المنصورة الجديدة نظرا لأن التكاليف في المدن الجديدة أقل بكثير من أي مكان آخر، وفقا لما قاله مصطفى. وأضاف، "الشقق في المنصورة أعلى ثمنا من الشقق في القاهرة، لهذا فإن افتتاح مدرسة هناك سيكون مكلفا للغاية. إن الذهاب إلى المدن الجديدة مثل مدن أسيوط الجديدة والعلمين الجديدة يعد طريقة ذكية للالتفاف حول ارتفاع أسعار الأراضي في المحافظات".
لا تزال أسعار الأراضي في المحافظات محدودة الأراضي مرتفعة للغاية، وفقا لما قالته سلمى البكري والمدير التنفيذي لشركة بالانسيد محمود حمزة. وأضافا أن المواقع التي ليس لها ظهير صحراوي لا يمكن أن تتوسع لتصبح مدنا جديدة، مما يعني أن الأراضي تكون نادرة ومكلفة للغاية.
إن الحل الأفضل هو إتاحة الأراضي على نطاق واسع لأصحاب المدارس بدون تكلفة، وذلك بموجب برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص التابع لوزارة التربية التعليم، وفقا لما قالته المصادر. وذكرت سلمى البكري أنه يتعين على الحكومة توفير الأرض للتوسع في بناء المدارس دون مقابل، وذلك حتى يتمكن أصحاب المدارس من بناء المدارس وتشغيلها بأسعار معقولة للمجتمع المحيط بها – والتي يمكن أن تتراوح ما بين 30 إلى 60 ألف جنيه حسب المحافظة. وأضافت، "استبعاد سعر الأرض مهم جدا في صيغة الأعمال".
تتمثل المشكلة في عملية الشراكة الحالية بين القطاعين العام والخاص في أنها طويلة للغاية وتواجه تعقيدات بيروقراطية، بحسب ما قاله القلا، الذي يرى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تنجح بها الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم حاليا هي المؤسسات المملوكة للدولة، مثل البنوك الحكومية. وأردف "إنها تعمل بعقلية القطاع الخاص".
لا يبدو حتى الآن أنه ستكون هناك آلية شاملة للشراكة بين القطاعين العام والخاص لإتاحة الأراضي لمقدمي خدمات التعليم بدون تكلفة: قال مصطفى "إذا كان سيجري طرح الأراضي المملوكة للدولة بسعر مخفض أو بدون مقابل بموجب إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإنني سأكون أول من يتقدم للحصول عليها. لكنني لا أشعر أن هذا الأمر مطروح حقا على الطاولة".
أبرز أخبار قطاع التعليم في أسبوع:
- الموجة الرابعة من "كوفيد-19" قد تؤجل موعد بدء الدراسة: من المحتمل أن تعدل الحكومة موعد بدء الدراسة في المدارس والجامعات، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية التي قد تتخذها خلال الأيام المقبلة لمواجهة الموجة الرابعة من تفشي فيروس "كوفيد-19".
- من المستهدف أن يتلقى جميع العاملين في قطاع التعليم جرعة واحدة على الأقل من لقاح "كوفيد-19" بحلول 15 سبتمبر، على أن يحصلوا على الجرعة الثانية بحلول نهاية أكتوبر، وفق ما قالته وزيرة الصحة هالة زايد خلال اجتماع مجلس الوزراء الأربعاء الماضي.
- إدراج الجامعات المصرية ضمن أسرع مؤسسات التعليم العالي صعودا في العالم، بحسب بيان صادر عن وزارة التعليم العالي نقلا عن تقرير تصنيف التايمز لمؤسسات التعليم العالي لعام 2021، والذي شهد إدراج 23 مؤسسة تعليم عالي مصرية تقدمت بمتوسط درجات أعلى بنحو 11 نقطة مقارنة بالعام السابق.
- شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا) تتعاون مع أوركاس التعليمية الناشئة في مشروع مشترك لتطوير منصة للتعليم الهجين. وسيستفيد المشروع من منصة أوركاس عبر الإنترنت، بالإضافة إلى 21 مدرسة وشبكة من المعلمين التابعين لـ "سيرا".