كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق السلام؟
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في التوسط من أجل تحقيق السلام: عادة ما كان من قبيل الخيال العلمي القول بإمكانية تسليح الذكاء الاصطناعي وجعل الحروب المستقبلية أكثر تدميرا. لقد استعرضنا في وقت سابق كيفية تدريب شركة “ديب مايند” التكنولوجية لأنظمة الذكاء الاصطناعي على لعبة “دبلوماسي” الاستراتيجية. إلا أن خبراء التكنولوجيا يواصلون تجاربهم حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحقيق السلام في جميع أنحاء العالم.
السلام من خلال استطلاعات الرأي التي يجري تحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي: تساءلت الأمم المتحدة قبل أربعة أعوام عن كيفية استخدام التكنولوجيا لاستطلاع آراء سكان مناطق الصراع حول ما يريدون من اتفاقيات السلام. وكانت وجهة نظرها هي أن “اتفاقيات السلام ووقف إطلاق النار من المرجح أن تمتد لفترات أطول إذا كانت تعكس وجهات نظر جميع السكان، بدلا من وجهات نظر عدد قليل من المفاوضين”، بحسب صحيفة فايننشال تايمز. ومنذ ذلك الحين، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مهمة في ذلك الجانب وأظهر نتائج مهمة منذ ذلك الوقت.
يرجع الفضل إلى الذكاء الاصطناعي بخصوص التوصل لوقف إطلاق النار في ليبيا أكتوبر الماضي: جرى اختبار الفكرة في ليبيا في أكتوبر الماضي عندما قامت الشركة الناشئة “ريميش” ومقرها نيويورك بتطوير استطلاع للآراء بمساعدة الذكاء الاصطناعي لتحليل الردود المفتوحة بصورة لحظية، مما يسمح للمواطنين بالمشاركة دون الكشف عن هويتهم والتعبير عن التغيير الذي يريدون رؤيته دون عناء مقابلتهم وجها لوجه، وفقا لصحيفة واشنطن بوست. وحازت المناقشات الناتجة على الكثير من الاهتمام وجرى بثها مباشرة عبر إحدى القنوات الإخبارية الليبية، مما سمح للمواطنين بمناقشة أولوياتهم بصدق لإعادة توحيد البلاد، وتحقيق الاستقرار للاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية.
ولم تكن هذه مجرد تجربة: أخذت تلك الردود إلى طاولة المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار وجرى عرضها على أنها الرأي العام للجمهور. وعلى الرغم من هشاشة وقف إطلاق النار الذي نتج عن ذلك، لكنه مستمر حتى الآن. ومن المقرر إجراء مزيد من الحوار مع مواصلة محادثات السلام.
من المقرر استخدام تلك التكنولوجيا في جهود حل النزاعات في أماكن مثل السودان ومالي وأفغانستان والعراق، وفقا لما قالته الأمم المتحدة. وقال دانيش مسعود، مسؤول الشؤون السياسية في خلية الابتكار التابعة للأمم المتحدة، “يتمثل هدفنا في تطبيق أساليب جديدة وتقنيات وطرق جديدة في التفكير في تحقيق السلام”. وأضاف، “نحن مهتمون بإنهاء النزاع المسلح من خلال فهمه وتتبعه والتنبؤ به”.
أصبح اتخاذ القرارات الأقل أهمية أمرا أكثر شفافية أيضا: استخدمت تايوان أداة الاستطلاع Pol.is، التي تتخذ الشركة المالكة لها من سياتل الأمريكية مقرا لها، لسؤال الجمهور عن كيفية تنظيم تطبيق أوبر، في حين استخدمت الولايات المتحدة وكندا تقنية مماثلة تسمى “إثيلو” لاستطلاع آراء المجتمعات حول موضوعات مثل تخطيط المدن وتسعير خدمات النقل.
جرى استخدام تعلم الآلة في التنبؤ بالصراعات منذ عام 1996، من خلال تحليل ديناميكيات الصراع وتصميم عمليات حفظ السلام لمنع عودة ظهور النزاعات أو نشوء النزاعات الجديدة بالإضافة إلى دعم أبحاث الصراع. على سبيل المثال، باستخدام تقنيات تعلم الآلة، وجدت دراسة أن “خطر العنف المحلي أعلى وليس أقل في المجتمعات التي تشترك فيها الأقليات والأغلبية العرقية في السلطة”. ويمكن أن تساعد النتائج – التي تتعارض مع الاعتقاد السائد – في تغيير تقنيات الوقاية وتجنب الصراع في المقام الأول.
وإضافة إلى ذلك، تتلقى قوات حفظ السلام تدريبات افتراضية قائمة على الذكاء الاصطناعي. تستخدم التكنولوجيا لتدريب الجنود ورفع قدراتهم التكتيكية، مما يؤدي إلى نجاح أكبر للمهام، وفقا لسكيورتي ديستلري. وتخطط الأمم المتحدة لمشاركة التكنولوجيا مع البلدان الأقل نموا لتعويض نقص الموارد الذي يؤدي إلى عدم كفاية التدريب للجنود الذين يواجهون حالات معقدة في عمليات حفظ السلام.
كيف يمكن للأمم المتحدة استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل السلام؟ يوضح مسعود وزميله المسؤول عن الشؤون السياسية مارتن ويليش ليورو نيوز أن الأساليب كثيرة. أولا، باستخدام معالجة اللغة لفهم اللغات واللهجات البشرية، يمكن مراقبة وسائل الإعلام والتلفزيون في مناطق الصراع لتحديد خطاب الكراهية أو المؤشرات الأخرى التي تدل على أن الاضطرابات تختمر. ويمكن أيضا استخدام تقنيات مثل الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار للكشف عن ندرة المياه على مستوى العالم – لأن نقص المياه يؤدي إلى الصراع ويقوض الاستقرار (كما نعلم). وأخيرا، يمكن للذكاء الاصطناعي وجميع مكوناته أن تدعم اتخاذ قرارات أفضل على جميع المستويات من خلال جمع كميات مهولة من البيانات ثم وضعها في سياقات مفهومة ومقبولة.