هل تصبح الهواتف المحمولة بيوتا بديلة؟
يبدو أن تعلقنا بهواتفنا المحمولة توغل إلى مناطق عميقة، لدرجة أننا عمليا نعيش بداخلها الآن: كشفت دراسة حديثة أجراها علماء الأنثروبولوجيا في كلية لندن الجامعية عن استخدام الهواتف المحمولة وتأثيرها علينا، مع التركيز على الأفراد البالغين في تسع دول، أن المزيد من الناس يتعلقون بهواتفهم المحمولة مثل تعلقهم ببيوتهم، وفق صحيفة الجارديان. وحولنا الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة، والإحساس بالألفة الذي ينتابنا عند الدردشة بسهولة مع أحبتنا أو عند تصفح كا ما هو جديد على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حد ما إلى "حلزونات بشرية تحمل بيوتها في جيوبها". وأشارت الدراسة إلى أن الهواتف المحمولة يمكن أن تتفوق على البيوت وحتى أماكن العمل من حيث حجم الوقت الذي نقضيه عليها في أوقات استيقاظنا.
وأطلقت الدراسة عليها "البيوت المتنقلة"، إذ تعتبر الهواتف المحمولة الآن منفذ يمكنه نقلنا باستمرار إلى الداخل، حيث يمكننا الانخراط في أنشطة مألوفة ومريحة. وترجع حقيقة انتشار هذا النمط من العلاقة بين المرء وهاتفه المحمول إلى واقع أن "العالم أصبح أكثر اضطرابا، مع شيوع الحركة الناتجة عن الهجرة، وأنماط العمل، والنقل الأفضل، وعوامل أخرى متعددة." وفكرة البيت كمكان بعينه عفا عليها الزمن الآن، إذ يستخدم معظم الناس هواتفهم المحمولة من أجل التواصل مع أشخاص موجودين في أماكن بعيدة والذين يمثلون بالنسبة إليهم معنى الانتماء للبيت.
لكن فكرة أن تكون متاحا دائما من خلال هاتفك المحمول يقوض من قدرتنا على إجراء محادثات أعمق وأكثر تلقائية مع الآخرين: رغم أن الهواتف المحمولة تعهدت ذات مرة بتواصل أفضل مع الآخرين، إلا أن أجهزتنا تجعلنا أقل اكتراثا بالمقربين منا. الأشخاص الموجودون في غرفة واحدة هم أكثر تباعدا عند استخدامهم للهواتف المحمولة. وأدى هذا التصدع في السلوكيات التقليدية إلى توسيع المسافة بين على ما هو عام وما هو خاص، وهي ظاهرة تسببت فيما أطلقه عليه الباحثون موت حميمية القرب المتعلقة بالتواصل وجها لوجه في جميع الفئات العمرية.
هل هذا بسبب تجاهلنا لمن نحب وانشغالنا المتزايد بالهواتف المحمولة؟ لنواجه الأمر، من المحتمل أن تكون تجاهلت المقربين منك وانشغلت بهاتفك المحمول على الأقل مرة واحدة في حياتك، وقد ثبت أن هذا الفعل يساعد في تحويلك إلى شخص منبوذ اجتماعيا، ويتجلى بوضوح عندما تنشغل بهاتفك فجأة على مائدة العشاء أو في خضم محادثة مع أحد، ما يتسبب في الإحباط والشعور بالإهانة لدى الآخرين وهو ما أسمته الدراسة موت حميمية القرب. قال الباحث دانيال ميلر المسؤول الأول عن الدراسة "إننا نتعلم العيش مع خطر أن نكون معا بأجسادنا، لكن وحيدين اجتماعيا، وعاطفيا، أو مهنيا."
وقادت تطبيقات الدردشة هذا التحول، إذ أعيد رسم قواعد التفاعل الاجتماعي في عصر تطبيقات الدردشة مثل واتساب، لاين، وي تشات، بحسب دراسة وصفت هذه التطبيقات بأنها "قلب الهواتف المحمولة". وسهلت هذه التطبيقات البقاء على تواصل مع الآخرين مهما كانت المسافات، فضلا عن سهولة استخدامها.
ويعود تزايد استخدام تطبيقات الرسائل الإلكترونية جزئيا إلى جائحة "كوفيد-19"، إذ حاول جميع السكان المعزولين في أماكن متفرقة من العالم في ظل تدابير الإغلاق البقاء على اتصال بالآخرين. وكشفت بيانات استطلاع رأي أجرته شركة الاستشارات لتحليل البيانات "كانتر جروب" في أبريل عام 2020 أن تطبيق واتساب التابع لفيسبوك شهد أكبر مكاسب في سوق الرسائل الفورية، بزيادة 40% منذ بدء الجائحة.
وفي النهاية، تذكر أن الهواتف المحمولة قد تكون أرضا خصبة لبعض النزاعات في الحياة الحقيقية: إذ يمكن أن تثير عددا من المشكلات الاجتماعية والعملية، ذلك لأنها تنتهك حياتنا الشخصية. ويمكن لمنصات التواصل في شؤون العمل مثل سلاك، مايكروسوفت تيمز، وفلوك، إلى جانب تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تجتاح الأسواق العالمية بوتيرة سريعة، على الأرجح أن تقلل من فكرة أن "المنزل لطالما كان ملاذا لنا". إذا يتوقع أن يظل العاملون الآن على اتصال بعملهم حتى بعد مغادرتهم لمكان العمل، بحسب ما أظهرت دراسة كلية لندن الجامعية. ويقول ميلر أنه لا يمكننا لوم الهواتف المحمولة، إذ أن هناك عوامل إيجابية وأخرى سلبية للتكنولوجيا في حياتنا. مع ذلك، العامل الأهم هو في كيفية استخدامها.