نمو الاقتصادات الناشئة يعتمد على تبني التكنولوجيا وليس الصادرات

تبني التكنولوجيا سيكون الدافع الأكبر لنمو الأسواق الناشئة في المستقبل في عالم ما بعد انحسار العولمة. مع توجه المزيد من الاقتصاد نحو الاعتماد على إنتاجها المحلي لتلبية احتياجاتها، وهو اتجاه تسارع بسبب سياسات التجارة الحمائية التي سببتها "كوفيد-19"، فإن النمو العالمي يواجه خطر التباطؤ الشديد، ويتزايد هذا الخطر بالتحديد في الاقتصادات الناشئة المعتمدة على التصدير. ولكن مع تزايد ديون الأسواق الناشئة في عالم ما بعد الجائحة، فإن الرقمنة تمثل فرصة للاقتصادات النامية للحاق بنظيراتها المتقدمة، إذ تقدم التكنولوجيا فرصا هائلة للنمو في مختلف القطاعات، حسبما كتب روشير شارما رئيس الاستراتيجيات العالمية لدى مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار، في مقال بصحيفة فايننشال تايمز.
وعلى عكس الاقتصادات المتقدمة المتشبعة، فإن المجال المتاح للتطور التكنولوجي لا يزال ضخما في العديد من الأسواق الناشئة: يتجاوز نمو الدخل الرقمي البالغ 26% في الأسواق الناشئة منذ عام 2017، النمو المماثل في الاقتصادات المتقدمة والبالغ 11%، و 16 من بين أكبر 30 دولة من حيث إيراداتها من الخدمات الرقمية هي اقتصادات ناشئة. ويعني ذلك أن المزيد من الناس في البلدان النامية بدأوا في تأسيس أعمال تعتمد على التكنولوجيا، أو وجدوا وسيلة لاستخدام الأدوات الرقمية لتحسين أعمالهم القائمة. وقد تأسست أكثر من 10 آلاف شركة تكنولوجية في الأسواق الناشئة منذ عام 2014، ونصفها تقريبا تأسس خارج الصين.
الصين مثال مهم للتطور الذي يمكن أن تحدثه التكنولوجيا: في حين أن معظم النمو الاقتصادي للصين منذ السبعينات كان مدفوعا بزيادة تقليدية في الإنتاج الصناعي، نتيجة لارتفاع الطلب على الواردات الصينية الرخيصة، والتي جعلت الصين أكبر اقتصاد تصديري في العالم منذ عام 2014، فإن الاقتصاد الرقمي للصين نما ثلاثة أضعاف في عام 2019 مقارنة بنمو الاقتصاد المعتمد على الصناعات التقليدية، ليمثل الاقتصاد الرقمي الصيني 36% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وكان ذلك مدفوعا بالتكنولوجيا التي سهلت خفض تكاليف التصنيع والتشغيل في الصناعات التقليدية، فضلا عن بزوغ مشروعات جديدة للتكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية المربحة للغاية بدعم من زيادة التحول الرقمي.
البنية التحتية والخدمات المتردية في بعض الأسواق الناشئة قد تحفز التحول السريع نحو الرقمنة، إذ يقبل المواطنون على التطبيقات الرقمية للخدمات المالية والبنكية والبريد والتعليم والرعاية الصحية لسد الفجوة التي خلفتها المؤسسات الحكومية غير الفعالة. والحكومات نفسها أصبحت أكثر حرصا على تبني الأدوات الرقمية ونشر بعض خدماتها عبر الإنترنت، كوسيلة لخفض التكاليف وتقليل الفساد المحتمل، والذي طالما كان يضر بممارسة الأعمال في الأسواق الناشئة.
وسيكون الانتشار المتنامي للإنترنت ضمانة أساسية لاستمرار هذا النمو: توقعت دراسة أجريت في عام 2017 أن مليار مستخدم جديد سيدخلون على الإنترنت بحلول عام 2021، سيأتون من 11 اقتصادا ناشئا، منها المكسيك والبرازيل والهند ومصر، وذلك بفضل تحسين البنية التحتية لشبكات الهواتف المحمولة وانخفاض تكاليف الاتصال.
كيف ساعدت التحول الرقمي رواد الأعمال في الأسواق الناشئة؟ أحد فوائد التحول الرقمي هي نمو أسواق المستهلكين، وهو ما فتح مجالات جديدة لتمويل الشركات الصغيرة والناشئة ومتناهية الصغر، وخفض تكلفة تأسيس الأعمال التجارية، وهي التكلفة التي انخفضت بالفعل من نحو 66% إلى 27% فقط من متوسط الدخل السنوي خلال العشر سنوات الماضية. وعلى العكس، فإن تكلفة تأسيس الأعمال الجديدة في البلدان المتقدمة لم تنخفض على نحو كبير في الفترة نفسها، وهو ما قد يفسر لماذا تنمو الأعمال الرقمية على نحو أكبر في الأسواق الناشئة.
مصر مثال واضح على هذا التوجه، حيث تشهد شركات التكنولوجيا الناشئة أفضل أيامها: سجلت شركات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية نموا كبيرا خلال العام الماضي، وساعد في ذلك انتشار جائحة "كوفيد-19". وارتفع عدد المحافظ الإلكترونية على الهواتف المحمولة بنسبة 17% ليبلغ عددها 14.4 مليون محفظة في أكتوبر 2020، مقارنة بمارس 2020، فيما تواصل الخدمات البنكية الرقمية الازدهار. وتتبنى الحكومة المصرية أيضا استراتيجية للتحول الرقمي في معظم خدماتها، وقد أطلقت أواخر العام الماضي منظومة الفاتورة الإلكترونية في خطوة مهمة للاعتماد على المدفوعات الإلكترونية ودعم الشمول المالي وزيادة الإيرادات الضريبية.