كيف تتغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة على ارتفاع إيجارات المكاتب؟ الجزء الثاني
كيف تتغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة على ارتفاع إيجارات المكاتب؟ الجزء الثاني: تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي توصف بأنها العمود الفقري للاقتصاد، منذ فترة طويلة من ارتفاع أسعار إيجارات المكاتب. وفي الآونة الأخيرة لجأت تلك الشركات لاستخدام شقق سكنية لأداء أعمالها، وهو ما يخالف القوانين. تناولنا تلك المشكلة في الجزء الأول الأسبوع الماضي بالتفصيل، وهذا الأسبوع نبحث كيف توسعت الشركات في استئجار المكاتب ومساحات العمل المشتركة منذ ظهورها لأول مرة في 2020. وعلى الرغم من أن سوق المساحات المكتبية المشتركة لا يعد قليل التكلفة، فهو يسمح للشركات الصغيرة بمزيد من المرونة في تأسيس مقراتها ويعد مع ذلك أقل تكلفة من إيجار كامل لعقار تجاري.
“الجريك كامبس” أو الحرم اليوناني للجامعة الأمريكية في وسط القاهرة كان له الريادة في توفير مساحات مكتبية مشتركة في مصر، طبقا لخالد إسماعيل، المؤسس ورئيس صندوق الاستثمار الملائكي كيانجل، في تصريح لإنتربرايز. ومع الوقت ارتفعت الإيجارات في الجريك كامبس وبدأت تماثل أسعار المساحات المتاحة بالقرية الذكية للشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وأوبر، وليس للشركات الناشئة. ومع ذلك، يقول محمد الأمير المدير المجتمعي بالـ “جريك كامبس”، إنه لا يزال يهتم بإتاحة مساحات للشركات الناشئة، مضيفا “لم نغير التركيبة السكانية التي نستهدفها ولا طريقة تفكيرنا”. ويوضح الأمير أنه من بين 5 مبان، تعد الأسعار في مبنيين منهما مناسبة للشركات الناشئة فيما تلائم أسعار الثلاثة الأخرى الشركات الكبيرة. ويتيح الجريك كامبس حاليا إيجارات للشركات الناشئة بحد أدنى 350 جنيه للمتر المربع. وبالنسبة لشركة بموظفين اثنين إلى 12 موظفا قد يكلف إيجار ما بين 10 إلى 15 مترا مربعا ما بين 3.5 ألف جنيه و17.5 ألف جنيه في الشهر. وعلى النقيض من ذلك، تبلغ أقل قيمة إيجارية للمساحات المكتبية في القاهرة الجديدة ما بين 17 إلى 22 ألف جنيه للمكاتب التي تصل مساحتها إلى حوالي 50 مترا مربعا، وفق موقع بروبرتي فايندر.
ومنذ ذلك الحين أقبلت الشركات على توفير مساحات مشتركة في أرجاء العاصمة والمدن الكبرى في أنحاء البلاد لتأسيس مكاتب مميزة ونظيفة وبمواقع سهلة الوصول وذات خدمات. وبين تلك الشركات المقر ومكانك وذا هايف وكو أوفيس. كما جذب ذلك التوجه استثمارات أجنبية من شركات دولية مثل ريجوس، التي استفادت من حاجة الشركات الصغيرة والمتوسطة لمساحات مكتبية.
نمو القطاع: واستهدفت المساحات المكتبية المشتركة، التي تعني أن يدفع كل مشترك إيجار عن اليوم سواء كان مقدما أو بشكل يومي، العاملين المستقلين أو الأفراد في البداية، طبقا للشريك المؤسس لشركة المقر، شريف أشرف. وكانت الشركة تستضيف في البداية دورات تدريبية محدودة واجتماعات خاصة وتتيح مساحات للعاملين المستقلين. ومع أن المساحات المشتركة مازالت تحظى بإقبال، بحسب موقع بروبرتي فايندر، إلا أن العديد من الشركات تبحث الآن عن اتفاقات إيجار طويلة الأمد شهرية أو ربع سنوية. ومنذ ذلك الحين غيرت “المقر” من نفسها وبدأت في إتاحة مساحات مكتبية للشركات القادمة بقوة، بحسب أشرف. أما شركة ذا هايف، فتستهدف الشركات القائمة والمؤسسات والشركات متعددة الجنسيات إضافة للشركات الناشئة ذات التمويل الجيد، بحسب المدير العام، سيف القاضي. ويضيف “نحن لا نقدم مساحات عمل مشتركة ولكن مكاتب للإيجار”.
وتقدم تلك الشركات بديلا رخيص الثمن للمساحات المكتبية. فتتيح شركة مكانك مكتبا شخصيا لفرد واحد بسعر يبدأ من 5.5-6 آلاف جنيه شهريا/ بينما تصل القيمة الإيجارية لمكتب يسع 5 أشخاص مساحته تتراوح بين 20-25 مترا مربعا نحو آلاف جنيه شهريا. ويبلغ متوسط أسعار “المقر” للمكاتب التي تبلغ مساحتها 20 مترا مربعا نحو 6 آلاف جنيه شهريا. لكن الأسعار والعروض المقدمة تختلف على حسب الموقع والتوقيت وعدد أعضاء الفريق والمرافق وغيرها من الاعتبارات، حسبما أكد كل أشرف، ومؤسس شركة “مكانك” للمساحات المكتبية محب زكي. وتقدم “كو أوفيس” نفسها فبديل أفضل من “جريك كامبس” وتتيح مكتبا صغيرا يسع شخصا أو اثنين مقابل 4.5 ألف جنيه شهريا، ولـ 5 أشخاص مقابل 9.9 ألف جنيه شهريا وآخر يسع 7 إلى 8 أشخاص مقابل 14.4 ألف جنيه شهريا.
الإيجار ليس مقابل مساحة المكتب فقط: المساحات المكتبية المشتركة تسمح للشركات بتوفير رسوم المرافق وأحيانا الأثاث. ويمكن أن تشمل الخدمات الإضافية بعض الأعمال الإدارية والسكرتارية وتسجيل الشركة وتقديم الطعام، وربما قاعات المؤتمرات. وهناك كذلك إمكانية التواصل مع شاغلي المساحة الآخرين، وهي ميزة لها قيمة خاصة للشركات الأجنبية، التي لن تحتاج إلى بذل مجهود إضافي للتعرف إلى السوق المصرية، كما يقول الأمير.
وربما تكون المرونة هي الميزة الأهم: يقدر العملاء المرونة قبل كل شيء، كما تخبرنا المصادر. ويقول زكي: “نقدم بيئة احترافية، لكن بمرونة تناسب الميزانيات المختلفة”. أما القاضي فيشير إلى أن التمتع بالمرونة في التوسع أو تقليل حجم المكتب، والعمل في مواقع مختلفة، وإتاحة غرف الاجتماعات، كل هذا يسمح للشركات بالتركيز على عملها أكثر، مضيفا: “هناك طلب أكبر على المرونة والراحة، فالناس يدركون مدى تأثير إعداد المكان على الإنتاج”.
هذا القطاع آخذ في التوسع… تخدم “مكانك” الآن أكثر من 500 شركة صغيرة ومتوسطة، ولها فروع في وسط القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة والإسكندرية وبني سويف. وقبل “كوفيد-19″، كانت الشركة تخطط للتوسع من 12 إلى 20 فرعا خلال العام الجاري، وفقا لزكي. وفي عام 2017، بدأت شركة المقر في تقديم مساحات مكتبية بأربعة مواقع عبر أنحاء القاهرة، وتخطط لفتح المزيد من الفروع في المستقبل القريب، كما يقول أشرف. ويشير الأمير إلى أن الجريك كامبس يدير الآن مركزا للشركات الناشئة في السعودية، ويبني فرعا جديدا بمول العرب، والذي من المفترض بدء تشغيله في أوائل عام 2021.
… وخلق مجالات جديدة: النمو السريع لمساحات العمل المشتركة يحفز الشركات الناشئة الجديدة، التي ترتب بيئة العمل المشتركة في مصر وتشكلها وتخطط لها، مثل كووركر وهوت ديسك.
الشركات المصرية الدولية والكبرى ومن يعملون عن بعد يدركون فوائد المساحات المشتركة: تستأجر شركة الخدمات اللوجستية الألمانية إمبارجو مساحة في “المقر” لموظفيها في مصر، كما يخبرنا خالد صقر الذي يقود قسم التوسع في الشركة. وتتيح المساحة المكتبية التفاعل بين الموظفين وجها لوجه عند الحاجة، ناهيك عن إمكانية الاستغناء عنها لأسابيع دون القلق بشأن الإيجار. وأقنع محمد هاني مديريه في ماليزيا بالسماح له بالعمل عن بعد، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية وتجنب الإلهاء الناتج عن العمل في المنزل، كما يقول. وتشمل قائمة عملاء الجريك كامبس شركة أمن تكنولوجيا المعلومات تريند مايكرو، ومصر المالية للاستثمارات، وأوبر، ومسرعة الأعمال فلك، ومو فور نتوورك، وأوداسيتي، وهوايا.
العديد من المساحات المكتبية المشتركة تضم الآن مزيجا من الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الأكبر: عملاء الجريك كامبس ينقسمون الآن إلى 60% تقريبا من الشركات الصغيرة والمتوسطة و40% من الشركات الكبيرة، مع نحو 15% من الشركات الأجنبية، كما يقول الأمير. وتضم مكانك العديد من الشركات متعددة الجنسيات، ومهندسي أو مطوري البرامج، ومصممي الديكور، ومستشاري الإدارة المالية، مع ما يقرب من 10% من الخارج، كما يقول زكي. في حين ينقسم عملاء ذا هايف إلى 25% من الشركات متعددة الجنسيات، و25% من الشركات الناشئة، و50% من الشركات المصرية، وتصل قاعدة عملائها الدوليين إلى نحو 25%، كما يقول القاضي.
إذا، هل المساحة المكتبية المشتركة هي الحل الأمثل لارتفاع أسعار المكاتب التجارية؟ بالنسبة للشركات الناشئة والمتوسطة، نعم. يبدو أن المساحات المكتبية التي تتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة استئجار غرفا خاصة ومشاركة المرافق بناء على اتفاقيات طويلة أو قصيرة الأجل، توفر أفضل قيمة للشركات في المرحلة المبكرة. فهذا النموذج يمنح الشركات الصغيرة والمتوسطة مكانا يمكنها تحمل تكلفته، ويجنبها المشاكل القانونية المتعلقة بتأسيس أعمالها في المباني السكنية.
لكن هل تسبب الجائحة مشاكل لهذا القطاع المزدهر والذي يعتمد بكشل رئيسي على هؤلاء الذين يعملون من المكتب، نعرف إجابة هذا السؤال في الجزء الثالث الأسبوع المقبل.