كيف سيكون شكل شبكة الكهرباء في مصر لو شارك القطاع الخاص؟ كنا بدأنا في الجزء الأول من سلسلتنا الحالية حول قطاع الكهرباء في البحث المتعمق عن الأسباب وراء حدوث انقطاع للتيار الكهربائي، في الوقت الذي نشهد فيه فائضا في القدرة الإنتاجية للكهرباء بنحو 30 جيجاوات. ووجدنا أن استثمارات الدولة في تعزيز قدرة التوليد الكهربائي قد تجاوز بكثير استثماراتها في تعزيز البنية التحتية لنقل الكهرباء. وفي الجزء الثاني من السلسلة، استعرضنا سويا المكونات الرئيسية للشبكة الذكية وكيف أنها ستغير بشكل كامل قطاع الكهرباء وطريقة عمله.
وفي هذا الجزء الثالث، سنبحث سويا التغييرات المستقبلية في السياسات والتي تهدف إلى زيادة دور القطاع الخاص عبر سلسلة قيمة الكهرباء، والهدف النهائي من ذلك هو تقليل النفقات الهائلة التي تتكبدها الحكومة نتيجة كونها المشغل الوحيد لشبكة الكهرباء. إلا أن مثل هذا الاتجاه تواجهه عراقيل كبيرة، وهي على وجه التحديد، التخمة في المعروض من إنتاج الكهرباء، وهو الأمر الذي تسبب في إبطاء وتيرة مشاريع الطاقة المتجددة التي يقودها القطاع الخاص، وأيضا ما تعتبره الحكومة إطارا متقادما لشراء الكهرباء وبيعها.
تاريخ من جهود تحرير قطاع الكهرباء في مصر: منذ أن أطلقت الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 2016، كان خفض الدعم وخصخصة قطاع الكهرباء يمثلان هدفا رئيسيا. وكانت الحكومة أدخلت تغييرات تشريعية للمرة الأولى عام 2016 ضمن قانون الكهرباء، والذي حول الدولة من كونها اللاعب الوحيد في السوق إلى جهة تنظيمية للسوق، مع الفصل بين أنشطة الإنتاج والنقل والتوزيع. حدث بعد ذلك أن نقل هذا الدور الإشرافي إلى الشركة المصرية لنقل الكهرباء، والتي كلفت أيضا بوضع استراتيجية لتحرير وتوسيع الشبكة الوطنية على مدى 5 إلى 10 سنوات. وبعد ذلك بفترة وجيزة، بدأت الشركة المصرية لنقل الكهرباء في إجراءات الانفصال عن الشركة القابضة لكهرباء مصر وإعادة الهيكلة من أجل القيام بدورها الجديد.
الاتجاه لتحرير قطاع الكهرباء ساعد في وضع الأساس لبرنامج تعريفة التغذية: مع إدخال التشريع الجديد، بدأت مصر في السماح للقطاع الخاص بالدخول إلى سوق الطاقة المتجددة من خلال طرح برنامج تعريفة التغذية، والذي حدد أسعار ونظام شراء الحكومة للطاقة من المنتجين بالقطاع الخاص، والذي شهد بداية صعبة، ولكنه استمر بعد ذلك مع موافقة الحكومة على دفع 0.084 دولار لكل كيلووات ساعة للمشروعات ذات قدرة تتراوح ما بين 20 إلى 50 ميجاوات، مع دفع 30% من قيمة العقد الذي مدته 25 عاما بالدولار. وساعد إطار العمل هذا في إنشاء مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان.
أصبحت تكلفة تنفيذ هذا البرنامج في النهاية مرتفعة للغاية بالنسبة للحكومة، وهو ما دفع وزارة الكهرباء إلى التفكير في التوقف عن شراء الكهرباء بموجب برنامج تعريفة التغذية والسماح للشركات المنتجة بالبيع مباشرة إلى المستهلكين وفق نظام منتج الطاقة المستقل. وكان الهدف من هذه الخطوة هو إتاحة مساحة للقطاع الخاص لإنتاج الطاقة وبيعها بشكل مستقل للمستهلكين، مع سداد رسوم للدولة مقابل استخدام الشبكة الوطنية لنقل الكهرباء. وصرح مصدر حكومي لإنتربرايز أن الحكومة تدرس حاليا وقف نظام منتج الطاقة المستقل بسبب …
… الفائض الكبير في إنتاج الكهرباء، وهو ما جعل مصادر الطاقة المتجددة خيارا أقل جاذبية للقطاع الخاص. وكما أشرنا في الجزء السابق من السلسلة، تنتج مصر حاليا حوالي 58 جيجاوات في حين تبلغ حاجتها في وقت الذروة في فصل الصيف ما بين 30 و32 جيجاوات فقط، ما يترك 26 جيجاوات من الفائض. وجاءت هذه القدرة الإنتاجية إلى حد كبير على خلفية المشاريع الحكومية. واتخذت الحكومة خطوات هذا العام للحد من توليد الطاقة المتجددة حتى لا تتسبب في تفاقم مشكلة زيادة المعروض، وذلك من خلال إجراء تغييرات على نظام صافي القياس، وهو نظام لدفع الفواتير أولا بأول لمنتجي الطاقة المتجددة. كما بدأ جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك بفرض سقف لإنتاج الطاقة الشمسية في القطاع الخاص توليدها، وذلك عند 20 ميجاوات لمعظم المنتجين المستقلين. كما أدى القرار إلى خفض السعر الذي تدفعه الدولة للمنتجين مقابل الطاقة الزائدة.
نرى الآن أن المستثمرين يتجهون لتجميد خططهم الخاصة بإنتاج الطاقة المتجددة أو خفض القدرة التي يعتزمون توليدها. وقال أحد الرؤساء التنفيذيين لإنتربرايز إنه من المتوقع حدوث تباطؤ كبير في وتيرة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة خلال الـ 18-24 شهرا المقبلة. وفي غضون ذلك، أعلنت شركة طاقة عربية التابعة لشركة القلعة القابضة إنها تعتزم التركيز على مشروعات الطاقة الشمسية الصغيرة في مصر بقدرة تتراوح بين 2-10 ميجاوات خلال العامين المقبلين، مع إبطاء الحكومة لاعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة في ضوء وفرة المعروض من الطاقة الكهربائية المولدة.
هناك تصور لدى الحكومة بأن التصدير هو أحد الحلول لمشكلة التخمة في المعروض، لذا فهي تتطلع لتصدير نحو 15 جيجاوات من القدرة الفائضة إلى الدول المجاورة في أوروبا وأفريقيا ودول الخليج، وفقا لما قاله المصدر. وترتبط شبكة الكهرباء في مصر حاليا مع نظيراتها في الأردن وفلسطين وليبيا ومؤخرا السودان، كما تأمل في المضي قدما في اتفاقية الربط الكهربائي مع السعودية، وسط توقعات بتأجيل إطلاق المشروع حتى نهاية 2023. ومن المقرر أن تشهد المرحلة الأولى من مشروع EuroAfrica والذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار ربط شبكة الكهرباء في مصر مع نظيرتها في قبرص بحلول ديسمبر 2022.
يتعين على الحكومة في نهاية المطاف أن تعيد التفكير في المشاريع المخطط لها والتي ستكون بقيادة القطاع الخاص حتى عام 2025، وفقا لما قاله مصدر حكومي لإنتربرايز. وأوضح المصدر أن البنك الدولي يتشاور بشأن دراسة حكومية ستحدد عدد المشاريع وقدراتها والتي كان من المقرر إطلاقها خلال هذا العام. وأضاف أن الحكومة منذ ذلك الحين ألغت مناقصة لإنشاء محطة طاقة رياح بقدرة 250 ميجاوات ومحطة طاقة الشمسية بقدرة 200 ميجاوات في منطقة غرب النيل.
هناك أيضا خطة حكومية لبيع محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري إلى القطاع الخاص، إذ أعلن صندوق مصر السيادي أواخر العام الماضي عزمه الاستحواذ على 30% من محطات الكهرباء التي بنتها شركة سيمنس الألمانية وتعمل بنظام الدورة المركبة، وبيع الحصص المتبقية لمستثمر أجنبي أو أكثر. وتلقت الحكومة عروضا للاستحواذ على تلك الحصص من شركة "زارو" التابعة لمجموعة بلاكستون العالمية، ومن شركة "إدرا باور" الماليزية، وأعربت كلا الشركتين عن استعدادهما لتولي مسؤولية تشغيل المحطات، إلى جانب تحمل مسؤولية سداد ديون بقيمة 6 مليارات يورو.
إلى جانب ذلك، تجرب الحكومة نماذج تعاقدية جديدة، مثل المزايدات التناقصية، والتي يقوم خلالها المنتجون بتقديم عطاءات بعروض أسعار البيع الخاصة بهم، بينما تقرر الحكومة في نهاية المناقصة بتحديد من ستشتري منه. وعلى عكس من نظام المناقصات والذي يقوم خلال البائع بتقديم ظرف مغلق وبداخله العرض المالي والفني، فإن العملية في المزايدات التناقصية تتم بالكامل عبر الإنترنت في تاريخ متفق عليه بحيث يتمكن البائعون من التنافس فيما بينهم، وفقا لما أوضحه المصدر.
وتعتزم الحكومة طرح محطات طاقة شمسية في مزايدات تناقصية قبل نهاية العام الحالي، وفقا لما صرح به وزير الكهرباء محمد شاكر لجريدة البورصة. وفي حين أن شاكر لم يتطرق إلى الجدول الزمني لعملية الطرح، قالت مصادر لإنتربرايز إن الوزارة ستطرح مشروعا تجريبيا واحدا في إطار المزايدة التناقصية والذي سيتحدد بناء على توصية البنك الدولي، على أن يكون للمشروع قدرة إنتاجية صغيرة نسبيا تبلغ 50 ميجاوات (نظرا للتخمة في المعروض).
سلسلة قيمة مخصخصة للكهرباء: من المأمول أن تسهم هذه التغييرات في السياسة في توسيع دور القطاع الخاص لما بعد مرحلة توليد الكهرباء لتشمل مرحلة التوزيع وصولا إلى تحصيل الفواتير. وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء أيمن حمزة لإنتربرايز إن الحكومة تتيح حاليا العدادات مسبقة الدفع من خلال موردين متخصصين من القطاع الخاص. وأضاف حمزة أن الشركات الخاصة ستشارك في كل مرحلة، بدءا من مرحلة تصنيع وتركيب العدادات وحتى تشغيل أنظمة الدفع من خلال شركات الدفع الإلكتروني مثل فوري وخالص وإي فاينانس.
يتمثل الهدف النهائي في وجود سوق كهرباء مخصخص وفعال على نحو فعلي في أقل من 10 سنوات: فمع المزيد من تحرير قطاع الكهرباء، سيتمكن العملاء من اختيار مزود الطاقة الذي يرغبونه تماما كما يختارون شركة الهاتف المحمول، وذلك بناء على موقع واحتياجات وميزانية كل عميل. وقد يكون أمام تحقيق هذه الرؤية بضعة أشهر فقط في المناطق الجديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة أو مدينة العلمين الجديدة، ولكنها ستكون في النهاية الوضع الطبيعي الجديد في العديد من المدن الموجودة في جميع أنحاء مصر خلال أقل من عشر سنوات، وفقا لما قاله الرئيس السابق لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة محمد السبكي، في تصريحات لإنتربرايز.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
هذه النشرة اليومية تقوم بإصدارها شركة انتربرايز فنشرز لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني (شركة ذات مسئولية محدودة – سجل تجاري رقم 83594).
الملخصات الإخبارية والمحتويات الواردة بنشرة «انتربرايز» معروضة للاطلاع فقط، ولا ينبغي اتخاذ أية قرارات جوهرية دون الرجوع إلى مصدر الخبر بلغته الأصلية. كما أن محتويات النشرة تقدم “كما هي – دون استقطاع”، ولا تتحمل الشركة أو أي من العاملين لديها أو أية مسئولية تجاه دقة أو صلاحية البيانات الواردة بالنشرة باعتبارها ملخصات إخبارية.2022 Enterprise Ventures LLC ©
نشرة «إنتربرايز» الإخبارية تأتيكم برعاية «بنك HSBC مصر»، البنك الرائد للشركات والأفراد في مصر (رقم التسجيل الضريببي: 715-901-204)، و«المجموعة المالية هيرميس»، شركة الخدمات المالية الرائدة في الأسواق الناشئة والمبتدئة (رقم التسجيل الضريبي: 385-178-200)، و«سوديك»، شركة التطوير العقاري المصرية الرائدة (رقم التسجيل الضريبي:002-168-212)، و«سوما باي»، شريكنا لعطلات البحر الأحمر (رقم التسجيل الضريبي: 300-903-204)، و«إنفنيتي»، المتخصصة في حلول الطاقة المتجددة للمدن والمصانع والمنازل في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 359-939-474)، و«سيرا للتعليم»، رواد تقديم خدمات التعليم قبل الجامعي والجامعي بالقطاع الخاص في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 608-069-200)، و«أوراسكوم كونستراكشون»، رائدة مشروعات البنية التحتية في مصر وخارجها (رقم التسجيل الضريبي: 806-988-229)، و«محرم وشركاه»، الشريك الرائد للسياسات العامة والعلاقات الحكومية (رقم التسجيل الضريبي: 459-112-616)، و«بنك المشرق»، البنك الرائد بالخدمات المصرفية للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (رقم التسجيل الضريبي: 862-898-204)، و«بالم هيلز للتعمير»، المطور الرائد للعقارات التجارية والسكنية (رقم التسجيل الضريبي: 014-737-432)، و «مجموعة التنمية الصناعية (آي دي جي)»، المطور الرائد للمناطق الصناعية في مصر (رقم التسجيل الضريبي 253-965-266)، و«حسن علام العقارية – أبناء مصر للاستثمار العقاري»، إحدى كبرى الشركات العقارية الرائدة في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 567-096-553)، ومكتب «صالح وبرسوم وعبدالعزيز وشركاهم»، الشريك الرائد للمراجعة المالية والاستشارات الضريبية والمحاسبية (رقم التسجيل الضريبي: 827-002-220).