إنتربرايز تحاور رائد المناخ للرئاسة المصرية محمود محيي الدين (الجزء الأول)
أزمة المناخ من منظور واقعي: مع اقترابنا من مؤتمر COP27 في نوفمبر، وبعد سبع سنوات من توقيع اتفاقية باريس للمناخ، لم يجر بعد تسوية العديد من القضايا الأساسية. ابتداء من من يتحمل المسؤولية، إلى من يتحمل فاتورة التمويل، إلى النقاش حول التكيف مقابل التخفيف. والأهم هل فات الأوان لمعالجة هذه القضايا؟
ربما لا يوجد من هو أفضل لمساعدتنا في فهم كل هذا أكثر من محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر COP27 وممثل مصر رفيع المستوى في الأمم المتحدة، الذي كان يعمل على هذه القضايا منذ ما قبل اتفاقية باريس للمناخ، وسيواصل دفع جدول الأعمال العالمي للعمل المناخي خلال السنوات القليلة المقبلة على الأقل. محيي الدين هو أيضا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومدير تنفيذي بصندوق النقد الدولي. وقبل اختياره رائدا للمناخ في مصر، كان محيي الدين يشغل منصب النائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي لخطة التنمية لعام 2030، حيث ساعد في تشكيل 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة، وهي المقياس العالمي للتنمية.
في الجزء الأول من مقابلتنا المكونة من جزئين، يشرح محيي الدين التحديات والتوقعات الأساسية التي تعامل معها بشأن أزمة المناخ. ويقدم طرحا واقعيا حول مدى بُعدنا عن الأهداف التي نسعى إليها.
أبرز ما جاء في الحوار –
- لا تتحمل الاقتصادات الناشئة أي مسؤولية حقيقية عن تغير المناخ، لكنها الأكثر تأثرا به.
- الاقتصادات المتقدمة لم تلتزم بمبلغ 100 مليار دولار سنويا، الذي تعهدت بها بشكل جماعي لمساعدة الدول النامية على التخفيف والتكيف. وتصل الفجوة الحقيقية، كما يقول محيي الدين، إلى تريليونات الدولارات وليس مليارات.
- اختزال النقاش حول تغير المناخ إلى “التخفيف” يخدم مصالح الاقتصادات المتقدمة.
- تولي محيي الدين منصب رائد المناخ رفيع المستوى في الأمم المتحدة يتسق مع اثنين من أبرز اهتماماته: إدارة الأزمات والتنمية المستدامة.
إنتربرايز: لنعد إلى البداية. كيف توليت هذا المنصب؟
محيي الدين: يعود هذا إلى عملية بدأت في مراكش بعد عام من اتفاقية باريس بشأن المناخ لعام 2015. مراكش هي المكان الذي أدرك فيه المجتمع الدولي حقا أهمية الجهات الفاعلة غير الحكومية، أي كيان أو وكالة ليست جزءا من مسار المفاوضات الرسمي. ويشمل ذلك مجتمع الأعمال، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، والهيئات الإدارية المحلية والإقليمية، وما إلى ذلك. لذلك فهي مساحة واسعة جدا من المشاركين.
ضمن ذلك، ينصب تركيزي بشكل كبير على جانب التنفيذ، وعلى تحويل كل شيء تتفق عليه الجهات الحكومية إلى واقع. أنا الشخص السابع الذي يشغل هذا المنصب، وهناك رائدان في كل مرة. لذلك أقوم بهذا العمل مع المسؤول من الدورة 26 لمؤتمر المناخ في جلاسكو، السيد نايجل توبينج، وفي العام المقبل يجب أن أقوم بهذا العمل مع رائد المناخ الذي ستختاره دولة الإمارات.
إنتربرايز: لماذا تراه التحدي المناسب لك؟ لماذا يروق لك هذا المنصب شخصيا؟
محمود محيي الدين: لأنه يتصدى لأزمة ويتعلق بالتنمية. بهذه البساطة.
لقد كنت أتعامل مع الأزمات والتحديات طوال حياتي المهنية. بعضها ذو طبيعة اقتصادية، وبعضها مالية واقتصادية واجتماعية، والآن المناخ.
والمناخ هو الأزمة الكبرى. كان لدينا بعض الأزمات العرضية قصيرة الأجل أو متوسطة الأجل، أزمة مالية أو أزمة ديون أو حتى جائحة، لكن أزمة المناخ طويلة الأجل، إنها متجذرة بعمق في التاريخ، إذ تعود إلى الثورة الصناعية الأولى. والمخاطر كبيرة جدا.
الأمر يتعلق بالسنوات التي أمضيتها في البنك الدولي، حيث عملت على أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. كان تركيزي دائما على التنفيذ والتمويل ومراقبة أنظمة البيانات ومساعدة العمل على المستوى الوطني والعالمي. عندما أتيحت لي الفرصة للقيام بهذا العمل، قلت: “هذه فرصة عظيمة للدخول في هذا المجال الذي كان له ديناميكيته الخاصة، ولكنه كان مدمجا إلى حد كبير في إطار التنمية المستدامة الذي كنت أعمل عليه”.
وهذا العمل له صلات عدة بمشكلات أخرى. فبينما يتسبب تغير المناخ في المزيد من الفقر، والمزيد من الهشاشة، وفقدان الفرص الاقتصادية، والتأثير السلبي على التنمية الاجتماعية، فإن حلول أجندة المناخ تتعلق بالاستثمار، وهو ما كنت أقوم به وأقوم بتنفيذه منذ سنوات عديدة.
لا تقتصر حلول تحديات المناخ على الاستثمار الضخم في التخفيف من أثر التغيرات، والاستثمار في الطاقة المتجددة، وفي التعامل مع تأثير الأزمة من خلال التكيف. يتطلب المزيد من الاستثمار في رأس المال البشري والقدرة على الصمود بشكل عام. يتبع البعض الآخر نهجا أكثر “اختزالا” للتعامل مع تحديات المناخ.
إنتربرايز: ماذا تقصد بالاختزال؟
محيي الدين: الاستدامة تعني التعامل مع جوانب مختلفة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك ديناميكيات الاقتصاد السياسي. هذا هو ما يميز بنية أهداف التنمية المستدامة. نحن بحاجة إلى القضاء على الفقر، ونحتاج إلى تحسين المساواة في المجتمع. لن يحدث ذلك إلا من خلال الاستثمار في الصحة والتعليم والبنية التحتية والبنية التحتية الرقمية والقدرة على الصمود (بما في ذلك المناخ والتنوع البيولوجي). إذا كنت تأخذ الأمر على هذا النحو، فهو يتعلق بنهج شامل ومتوازن للتحديات التي تواجه الناس وكوكبنا.
يخبرك النهج الاختزالي بشيء مختلف تماما. إنه يأتي من مجموعة من البلدان التي استفادت بالفعل من قدر كبير من التنمية في نموها الاجتماعي والاقتصادي. لديهم مستويات عالية من التعليم، ولديهم خدمات صحية جيدة، وتقدمهم الاقتصادي وتطورهم جلب لهم مستوى معيشيا مرتفعا. لقد حققت هذه البلدان الحد الأدنى الضروري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. إذا، ما الذي تبقى لديهم من تحديات سوى أزمة المناخ؟
هذا النهج يختزل المناقشة الكاملة حول الاستدامة ويحولها إلى إزالة الكربون والانبعاثات، واتخاذ تدابير مثل تسعير الكربون كمنهج إرشادي لأنشطتهم. وهذا يتناسب بشكل جيد مع أولوياتهم الخاصة للتنمية الاقتصادية في المستقبل.
إنتربرايز: ما هي تلك الدول؟
محيي الدين: دعنا نقول إنها الأكثر تقدما في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – نادي الدول الغنية.
إنتربرايز: وما هو النهج الشامل؟
محيي الدين: لنبدأ بأفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو أجزاء من شرق آسيا. تلك الدول لم تساهم حقا في الفوضى التي نعيشها، لكنها أكثر عرضة للصدمات. ربما تكون كل أفريقيا مسؤولة عن 3-4% من الانبعاثات، لكن أنظمة إدارة المياه تتعرض للخطر. تغير المناخ له تأثير شديد على المناطق الساحلية. تتعرض تلك المناطق لطقس شديد الاضطراب. لذلك عندما نتحدث عن المناخ في الاقتصادات النامية، نحتاج إلى نهج شامل للقيام بذلك. يحتاج هذا النهج إلى النظر لبلد أفريقي “تقليدي” قد يعاني أكثر من الفقر وعدم المساواة وجودة التعليم والخدمات الصحية والبنية التحتية غير الملائمة.
إنتربرايز: هذا هو النقاش حول التخفيف مقابل التكيف القائم الآن ..
محيي الدين: التخفيف مهم جدا. إنها مشكلة تشترك فيها الدول النامية مع الاقتصادات المتقدمة. لكن في العديد من الدول النامية، يكون التكيف على الأقل بنفس أهمية التخفيف. يتعلق الأمر بكيفية تعاملنا مع التأثير السلبي وتداعيات تغير المناخ. إنه يعني، ببساطة، تنفيذ جميع الأبعاد المتعلقة باتفاقية باريس، وليس التركيز فقط على المناخ.
ويعني أيضا كيف ندبر التمويل: كيف نستثمر لمعالجة أزمة المناخ والتنمية بدلا من الاقتراض أكثر.
إنتربرايز: فلنتحدث عن التمويل، إذن. كيف ندفع ثمنه؟
محيي الدين: نحن لا نفعل ما يكفي. هناك العديد من الاقتصادات المتقدمة المشاركة في هذا التقصير. اسمح لي أن أتحدث من البداية. بالعودة إلى عام 2009 في كوبنهاجن، كانت الفكرة أساسا أن الاقتصادات المتقدمة يمكنها دفع فواتير المناخ الخاصة بها، ولكن سيكون من الصعب على الاقتصادات النامية أن تفعل الشيء نفسه.
تفتقر الاقتصادات الناشئة إلى الموارد – وهي في الحقيقة ليست مسؤولة عن الفوضى التي تلحق بالمناخ. لذلك، عمليا ومعنويا، هناك حاجة لتدفق التمويل إليهم.
وهنا يأتي دور هذا الرقم البالغ 100 مليار دولار، فكرة أن الدول المتقدمة ستأتي معا بمبلغ 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 (والذي جرى تمديده حتى عام 2025) لمساعدة الاقتصادات الناشئة على اتخاذ إجراءات بشأن المناخ. يعرف اللاعبون القدامى في COP أن هذا الرقم الإجمالي كان الحد الأدنى. كان من المفترض في البداية أن تكون تمويلات عامة (في شكل منح) وتمويلات ميسرة للغاية.
لم يجر دفعها بالكامل. أقرب رقم وصلنا إليه هذا الرقم 100 مليار دولار كان العام الماضي، عندما قالت إحدى اللجان إن الاقتصادات المتقدمة تمكنت من المساهمة بنسبة 79% من الفاتورة. وشككت العديد من مراكز الأبحاث والمؤسسات في هذا الرقم، مع وجود إشارات بأنه كان هناك عد مزدوج ومتعدد.
إنتربرايز: ما هو الرقم الحقيقي إذن؟
محيي الدين: هناك من أشار بأنها أقرب إلى 20% وليس 80%. أنا أعتقد أن الفجوات الموجودة في نطاق تريليونات الدولارات. إن الخلاف حول رقم 100 مليار دولار كما لو كان يحل الأمر برمته هو خطأ. ويشتت الانتباه. لا تفهموني خطأ: هناك الكثير من الأشخاص الذين يأخذون هذا الرقم على محمل الجد. ودون هذا الرقم، لا يمكن للعديد من كيانات تمويل التنمية والمناخ القيام بعملها. تعتمد العديد من الدول منخفضة الدخل إلى حد كبير على هذا الرقم.
هذا الرقم البالغ 100 مليار دولار هو رمز للثقة – إنه رقم صغير بكل المقاييس. إذا لم تتمكن من تحقيق ذلك، كيف يمكنني الوثوق في أنك ستتعامل مع الرقم الأكبر المطلوب – عشرات الدولارات لتحويل الطاقة والتكيف معها؟ من المهم أيضا أن تتذكر أنه يمكن الاستفادة من هذه الدولارات. يمكن أن ينتج دولار 2 3 4 5 دولارات أخرى، اعتمادا على نموذج التمويل.
آمل أن نستفيد جميعا من تجربة ما بعد عام 2009 وأن تكون النتيجة أن يكون لدينا رقم أكثر واقعية لعالم ما بعد عام 2025 – وأن تكون لدينا آلية لتشجيع المشاركة. سنحتاج أيضا إلى نوع من عمليات المراقبة. في نهاية المطاف، تأتي هذه الأموال من الاقتصادات الغنية بمحض إرادتها.
إنتربرايز: من الذي لا يدفع فواتيره؟
محيي الدين: أنا لست في مجال التسمية والتشهير. لذلك سأقول هذا: هناك بعض الدول، بما في ذلك الدول الاسكندنافية والأوروبية الأخرى، الذين يدفعون فواتيرهم بشكل جيد. أنظر إلى تقرير معهد التنمية الخارجية: فالسويد وفرنسا والنرويج واليابان وهولندا وألمانيا والدنمارك كلها تسير في الاتجاه الصحيح للتقدم نحو دفع نصيبها العادل. الاخرون؟ هم أقل من 20%. بعض أغنى الدول قريبة من 5%.
أريد أن أؤكد أنه مهما كان الرقم الجديد لعام 2025 وما بعده، فنحن بحاجة إلى الاتفاق عليه قريبا. وبحاجة إلى الاستفادة من الدروس التي تعلمناها حتى الآن، نحتاج أيضا إلى التفكير في فجوات تمويل التنمية. توسيع نطاق التمويل لتناول مسألة التنمية لا يعني تشتت التركيز أو إضعاف المسؤولية، هذا إقرار بالواقع على الأرض في الاقتصادات الناشئة.
إنتربرايز: هل هنا يحدث “التقييم” الذي تحدثت عنه؟
محمود محيي الدين: كلفت رئاسة COP27 ورئاسة COP26 لجنة مستقلة بقيادة فيرا سونجوي ونيكولاس ستيرن تعمل بجد لإنهاء عملية التقييم التي ستقدم مخططا حول كيفية توحيد عملنا بشأن تمويل المناخ والتنمية.