رسالة من HSBC مصر
الشرق الأوسط – محطة القوة التالية لريادة الأعمال؟
بقلم علي تقي، رئيس الخدمات المصرفية التجارية لدى بنك HSBC مصر
السؤال الذي يطرح عليّ كثيرا هو “ما المطلوب لبدء وإنشاء مشروع تجاري ناجح؟”
يرتبط هذا الأمر بشكل كبير وواضح بشخصيات وقدرات رواد الأعمال من الأفراد- فغالبا ما ينظر إلى سمات الثقة والمرونة ومهارات التواصل والانتباه إلى الأرقام ومتابعة فرص التسويق على أنها عوامل أساسية لتحقيق النجاح.
ولكن بنفس الوقت فإن خصائص المناطق الجغرافية والنظم البيئية التي نتواجد فيها وتسمح للمشاريع بالازدهار تعتبر حيوية أيضا.
لنأخذ الولايات المتحدة و المملكة المتحدة كمثال، حيث أمضيت فيهما جزءاً من مسيرتي المهنية، فهما مميزتان بتهيئة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي توفر نظاماً بيئياً مشجعاً للأشخاص الذين يريدون البدء بمشاريعهم التجارية.
أما في موطني الأصلي وعلى نحو مقابل، لا يتم النظر بشكل دائم إلى منطقة الشرق الأوسط، كمركز ديناميكي لبدء المشاريع الفردية و ذلك لأن ريادة المنطقة في إنتاج الطاقة على المستوى العالمي يساعد في تفسير هذا التصور – حيث يمكن لهذا القطاع ذي الأهمية الاستراتيجية أن يطغى حتما على باقي الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
ولكن تظهر الأرقام المستخلصة من الدراسة التي أجراها مركز أبحاث StartupBlink لخارطة النظام البيئي للشركات الناشئة على المستوى العالمي، أنه يوجد في منطقتنا 57 نظاماً بيئياً للشركات الناشئة مدرجة على مؤشر أفضل 1000 مدينة للشركات الناشئة. ومن حيث تصنيفات الدول العالمية، حلت دولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا ضمن المراتب الخمسين الأولى، بينما حلت مصر والبحرين والمملكة العربية السعودية ضمن المراتب الـ 75 الأولى.
وتشير هذه البيانات إلى أن الوقت قد حان لإعادة تقييم المناطق والبلدان والمدن التي يمكنها أن توفر (وسوف) توفر الأرض الأكثر إنتاجيةً لتنمية وتوسيع نطاق الأعمال التجارية. وتتميز منطقة الشرق الأوسط بتاريخها الجلي والواضح كمركز لجذب المشاريع الاستثمارية: ولقد كانت هذه المنطقة، الواقعة على مفترق الطرق والممرات التجارية التي تربط بين الشرق والغرب، محط تركيز للتجارة العالمية على مدى آلاف السنين. ويقوم رواد الأعمال اليوم في المنامة والدوحة ودبي والرياض والقاهرة بالسير على خطى أسلافهم من رواد الأعمال الذين عملوا على مدى قرون في الأسواق والموانئ في شمال إفريقيا والخليج العربي والمشرق وتركيا وما وراءها.
وتأتي الطفرة الحالية التي تشهدها أسواق البورصة في منطقة الخليج مع ارتفاع عدد عمليات الاكتتاب للطرح الأولي العام، مدفوعة من قبل المستثمرين العالميين الذين يرون الإمكانات الهائلة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط موطناً لبعض برامج التحول الاقتصادي الأكثر طموحا في العالم، مما يسهم في تسريع سياسات التنويع التي تعزز الصناعات والاستثمارات الجديدة – بينما تتزايد حالة عدم اليقين بالأوضاع الاقتصادية في أماكن أخرى من العالم.
ويشعر مجتمع رأس المال الاستثماري بالتفاؤل: حيث شهدت منطقتنا في العام الماضي أعلى مستوى على الإطلاق من تمويل رأس المال الاستثماري، حيث تدفق 2.6 مليار دولار على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال 155 صفقة.
وفي وقت سابق من هذا العام، أظهر تقرير صادر عن غرفة الاقتصاد الرقمي في دبي أن المركز المالي الإقليمي يمثل 57 في المائة من حجم التمويل الإقليمي، مما يعزز مكانته كمركز تكنولوجي. ويفيد التقرير بأن الأخبار المتعلقة بزيادة حجم التمويل تبدو جيدة على مستوى المنطقة، حيث تم جذب 9.1 مليار دولار أمريكي بشكل إجمالي. وبالتالي فإن البدء بتأسيس أعمال تجارية يعتبر البداية فقط لكن الأهم هو التوسع في هذه الأعمال وهو يمثل التحدي الأكثر أهمية – وتعتبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر كلها كجهات مفضلة للتوسع بالأعمال على نطاق واسع. ويمكن الاطلاع على تقريرنا بعنوان كيف يكون التوسع مقياساً للنجاح، الذي تم نشره في هذا الصيف.
وهنا في مصر، أنا واثق من أن النجاحات الأخيرة ستلهم الجيل القادم من رواد الأعمال. فلقد قمنا بتوفير الدعم لعدد من الشركات العاملة في القطاعات الناشئة من بينها الطاقة المتجددة مثل KarmSolar حيث نمت لتصبح شركة مزدهرة وتوفر خدماتها إلى أكثر من 600 عميل، وطموحنا هو جعل مصادر الطاقة المتجددة مصدراً رئيسياً لتوليد الكهرباء في جميع أنحاء العالم العربي. ولقد عقدنا شراكة مع جامعة النيل والبنك المركزي المصري، ضمن إطار برنامج رواد النيل، الذي شهد تخرج 12 شركة ناشئة، عبر مجموعة مختلفة من القطاعات، منذ بداية انطلاق البرنامج في عام 2019.
وبالنسبة لي، فإن المشاريع تعتبر جوهر التنمية البشرية، وهي تدعم التقدم الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. وعندما يتم تشجيع ريادة الأعمال على الازدهار ودعمها بشكل صحيح، فإنها تخلق حلولاً لمشاكل المجتمع وتمكين الأفراد من النمو بشكل فردي وكجزء من مجتمعهم. ويحتاج المجتمع اليوم لرواد الأعمال للابتكار لمواجهة تحديات الغد. ويسعدني أن أسير في رحلة رواد الأعمال إلى جانب العديد من العملاء، وأتطلع إلى دعم الجيل القادم من قادة الأعمال الطموحين من ذوي التفكير الدولي في السير قدماً لتحقيق هذه الغاية.