هل يملك جهاز حماية المنافسة سلطة تعطيل اندماج أوبر وكريم أو أي صفقة مشابهة؟
(خاص) هل يملك جهاز حماية المنافسة سلطة تعطيل اندماج أوبر وكريم أو أي صفقة مشابهة؟ كان هذا السؤال الذي تبادر إلى أذهاننا بمجرد أن أرسل جهاز حماية المنافسة العام الماضي خطابا شديد اللهجة يحذر فيه شركتي أوبر وكريم من غرامة تقدر بـ 500 مليون جنيه لكل منهما إذا ما قررت الشركتان إتمام الصفقة والتي أعلن عنها رسميا الشهر الماضي (pdf ). قد يكون تبادر إلى ذهنك نفس السؤال. توجهنا إلى فراس الصمد الشريك الإداري والمؤسس بمكتب ذو الفقار وشركاها للاستشارات القانونية والمحاماة للإجابة على هذا السؤال، والذي ألقى بدوره الضوء على الصفقة والأثار المترتبة عليها وعلى الصفقات الشبيهة المستقبلية لعمليات الدمج والاستحواذ وموقف جهاز حماية المنافسة منها.
كيف تستخدم ملعقة لتقطيع شريحة من اللحم؟ أو كيف استخدم جهاز حماية المنافسة التشريعات الخاصة بمواجهة التكتلات الاحتكارية لمراقبة ومراجعة عمليات الدمج والاستحواذ؟
البيان: في صبيحة أحد أيام شهر أكتوبر الماضي، استيقظنا على بيان من جهاز حماية المنافسة المصري، يحذر فيه شركتي أوبر وكريم من الاندماج قبل الحصول على الموافقات الرقابية من جهاز حماية المنافسة وإتمام الإجراءات التنظيمية المتعلقة بعملية الاندماج المزمعة والتي علم الجهاز بها من خلال وسائل الإعلام. القانون الذي استند الجهاز إليه يحمل الرقم 3 لسنة 2005 والخاص بمنع الممارسات الاحتكارية ينظر إلى أوبر وكريم ككيانين متنافسين يمثل اندماجهما شكلا من أشكال التواطؤ والاحتكار والذي يعاقب عليه بنص المادة 6 فقرة (أ) و(د) والتي تمنع التكتلات التجارية من أي إجراءات من شأنها الإضرار بالمنافسة واحتكار الخدمات. ولكن قرار الجهاز استند إلى المادة 20 التي تخول للجهاز التدخل إذا ما ثبت لها أن فعلا معينا يشكل انتهاكا للقانون أو يحتمل أن يشكل أضرارا وشيكة للمستهلكين أو المنافسة بالسوق.
لا يوجد في مصر حاليا قانون يسمح لجهاز حماية المنافسة أو يمكنه من مراجعة عمليات الاندماج أو الموافقة عليها أو رفضها سواء قبل إتمام الصفقة أو بعد الانتهاء منها. منذ تطبيق قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية منذ نحو 14 عاما، كان جهاز حماية المنافسة يقاتل ويضغط من أجل نظام التحكم المسبق في عمليات الاندماج. القانون نفسه جرى وضعه واعتماده بالأساس كأداة لمحاربة الممارسات الاحتكارية، مثل التكتلات التجارية أو مجموعة من التجار الذين يقيدون العرض من أجل رفع أسعار منتجاتهم بالاتفاق سويا. لا يوجد حتى الآن أي مؤشر ملموس وجاد على وجود نظام للرقابة المسبقة الشاملة على عمليات الاندماج في الأجندة التشريعية للحكومة.
الصلاحيات التي نجح الجهاز في اكتسابها بموجب القانون (كحل وسط) هو الصلاحيات اللازمة لجمع بعض المعلومات في المراحل اللاحقة لعملية الاندماج، والتي تتمثل في حجم الصفقة وذلك من أجل الاطلاع ودراسة الأسواق عند الحاجة. وتقضي المادة 19 من القانون أن يقوم أي شخص أو كيان يتجاوز رقم أعماله السنوي 100 مليون جنيه مصري بإخطار الجهاز بأي عمليات الاندماج والاستحواذ يقوم به خلال 30 يوما من التاريخ المحدد لدخول عملية الاندماج أو الاستحواذ حيز التنفيذ، حسبما يوضح نموذج إخطار الاندماجات والاستحواذات على موقع الجهاز. ووفقا للقانون، فإن عدم تنفيذ قرارات الجهاز بشأن عدم الإخطار سينجم عنه فرض عقوبات تتراوح بين 20 ألف و500 ألف جنيه. وبالتالي فإن القانون الحالي ليست لديه سلطة التصديق أو الموافقة المسبقة على عمليات الاندماج، والأمر كله يتعلق بإخطار الجهاز بالصفقة.
لذلك إذا كان السؤال هو هل ينبغي على القانون منع الاندماجات والاستحواذات التي تضر بالمنافسة قبل حدوثها أو تقييمها مسبقا واتخاذ تدابير وقائية، فإن الإجابة المفترضة وفقا للتشريعات الحالية هي لا، دعهم يندمجون ثم سيقوم الجهاز بمراقبة نشاط الكيان الناشئ عن الاندماج. وهو ما يطرح سؤال آخر وهو جدوى إلقاء عبء مراجعة ودراسة عدد لا حصر له من الصفقات على الجهاز، وإضافة مزيد من البيروقراطية في بيئة مشبعة بالأساس بهذا الأمر في اقتصاد تحركه استثمارات القطاع الخاص.
ونظرا لعدم وجود الأدوات التشريعية المناسبة حاليا، قرر جهاز حماية المنافسة أخيرا أن يتصرف وفقا للمتاح. واختار أن يتجاهل حقيقة أن قانون حماية المنافسة لا يسمح له بالرقابة المسبقة على عمليات الاندماج. وأعطى لنفسه صلاحيات تنظيمية أكبر من خلال التعامل مع نظام الإخطار الحالي بعد الاندماج الذي ينص عليه القانون واعتبره من الناحية العملية نظام رقابة مسبقة على عملية الاندماج، وهو الأمر الذي لا يفرضه القانون بالأساس.
ونحن لا نناقش هنا أو نجادل في فرضية أن جهاز حماية المنافسة يتعامل مع مشاكل قانونية تتعلق بمحاربة الاحتكار من عدمه. ولكن نسلط الضوء فقط على أن نهج الجهاز والذي يعبر عنه بيانه الصادر بشأن أوبر وكريم، قد يخلق مشكلات قانونية ومفاهيمية كبيرة. وعلى خلفية وقائع اندماج أوبر وكريم، قد يهاب البعض من التغير في فلسفة وسياسة الجهاز ويلجأون عمليا إلى الحصول على موافقة الجهاز مسبقا، لكن المشكلات القانونية والمفاهيمية المتعلقة بتفسير القانون تظل قائمة وموجودة.
وقد وجدت أن هناك أربعة إشكالية أساسية وهي: افتراضا الإدانة مقابل افتراض البراءة؛ البيان الصارم والقصد من القانون الحالي؛ إشكالية تطبيق تشريع منع التكتلات الاحتكارية على كيان واحد ناشئ بموجب الاندماج؛ عدم وجود إرشادات واضحة للكيانات الراغبة في الاندماج.
الإشكالية الأولى – افتراض الإدانة مقابل افتراض البراءة: الإشكالية الأولى هي أن القانون لا يعاقب أو يمنع الاندماجات تحت أي ظرف من الظروف، وهو في الواقع لا يضع عقوبات على الاتفاقات بين المنافسين في حد ذاتها. ويقع على عاتق الجهاز قبل إحالة “المتواطئين المفترضين” إلى النيابة العامة ضرورة إثبات وجود اتفاق بينهما ضمنيا أو صراحة، وأن هذا الاتفاق تسبب في ضرر للمستهلك نتيجة التلاعب بالأسعار وتزوير العطاءات أو الحواجز غير القانونية أمام الإنتاج. إن افتراض الإدانة لدى الطرفين اللذين يفكران في الاندماج يتعارض مع جميع مبادئ القانون الجنائي والقانون الدستوري على عدة مستويات. إن البيان الذي أصدره الجهاز ينقل فعليا عبء الإثبات ليضعه على عاتق الأطراف في عملية الاندماج بما يتعارض مع المبادئ القانونية المعمول بها والمبدأ العام الخاص بافتراض البراءة، وكل ذلك دون أساس أو مبرر في النص الجنائي نفسه. باستخدام منطق جهاز حماية المنافسة، فإن الجهاز يجوز له مقاضاة أي مجموعة من الأشخاص الطبيعيين الذين يقررون في أي وقت من الأوقات بدء عمل تجاري وأن يصبحوا مساهمين في شركة لأن هؤلاء الأشخاص الطبيعيين يمكن اعتبارهم منافسين بشكل افتراضي وكذلك المشروع المشترك فيما بينهم. في الواقع، لا يتطلب قانون حماية المنافسة أو قانون الشركات من مؤسسي أو مساهمي الشركة السعي للحصول على موافقة الجهاز كشرط أساسي لعملية الاندماج.
الإشكالية الثانية – نص القانون الحالي: يطلب القانون من أطراف عملية الدمج أن تقوم فقط بالإشعار في غضون فترة زمنية محددة من إتمام الصفقة دون انتظار الحصول على تصريح أو موافقة مسبقة من الجهاز (المادة 19). الفعل هو الذي يفرض عقوبات جنائية وبالتالي فهو قانون جنائي في جوهره. لا يمكن على أسس مبادئ القانون الأساسية تفسيره على نطاق أوسع يتجاوز الصياغة والنص الصارمين. إذا طلبت المادة 19 من القانون الأشخاص أو الشركات إخطار الجهاز بشأن الصفقة في غضون 30 يومًا من إغلاقها ومعاقبتهم إن لم يفعلوا ذلك، فكيف يمكن أن يحاكم الجهاز أي شخص قام بالإخطار في غضون الموعد المحدد. التفسير الدقيق لمواد القانون يخبرنا أنه لا يجوز عدم معاقبة أي شخص يعمل وفق أسس القانون ويرسل إشعارا بشأن الصفقة في غضون 30 يومًا من الإغلاق. وعلى نفس المنوال، فإن الشركة أو الكيان الذي لم يتواطأ مع منافسيه لرفع الأسعار أو الحد من المعروض في السوق يجب ألا يعاقب بموجب هذه الأحكام الصارمة والمحددة لمجرد الاندماج مع كيان آخر دون إخطار والحصول على موافقة مسبقة جهاز حماية المنافسة. ولكي يتمكن الجهاز من مقاضاة الكيانات المدمجة بموجب المادة 6، كان ينبغي إضافة مادة فرعية جديدة تنص بوضوح على وجوب اعتماد عمليات الدمج من قبل الجهاز وعدم توقف الأمر على الرقابة اللاحقة.
القصد من القانون: علاوة على ذلك، فإن النية الحقيقية وراء المادة 6 التي تنظم رقابة الجهاز على الصفقات، كما هو مبين بوضوح في صياغتها، هي السماح للمنافسين بالحصول على تصريح من الجهاز فيما يتعلق بترتيباتهم المتبادلة المستمرة التي يعتبرونها مفيدة للمستهلك والصناعة ككل، في حين يواصلون التنافس فيما بينهم كالمعتاد بما يصب في مصلحة المستهلك. في الواقع، لا يوجد شيء ضمني أو صريح في المادة المذكورة يتطلب من المنافسين الحصول على موافقة مسبقة الجهاز إذا كانوا يهدفون إلى الاندماج. يتمثل دور الجهاز في مجرد رسم الخط الفاصل بين ما يمكن للمنافسين القيام به لضمان استمرار المنافسة بما يحفظ التوازن في السوق. لا يوجد في المادة 6 من القانون ما يتطلب من أي طرف في عملية الاندماج إخطار الجهاز مقدمًا، وبالتالي يجب عدم التوسع في استخدام المادة المذكورة واستخدامها لفرض التزام لم يطلبه المشرع أو يفكر فيه.
الإشكالية الثالثة – تطبيق التشريع الخاص بمكافحة التكتلات التجارية على كيان واحد ناتج عن الاندماج، أي محاولة تطبيق المادة 6 – والتي تم صياغتها خصيصا لاستهداف مجموعة من المنافسين المتواطئين – على كيان واحد سينتج عن الاندماج. ويشبه هذا الأمر، كما في القانون الجنائي، باتهام شخص ما بالتآمر مع نفسه لارتكاب جريمة.
وذلك نحن بحاجة إلى لوائح تنظيمية محددة لمراقبة الاندماج: ما نفهمه هو أن المنطق الذي يتبعه جهاز حماية المنافسة، مهما كان يبدو أنه مثير للتساؤلات لأي مراقب خبير بقانون العقوبات ينظر إليه بعين محايدة، وهو أن الجهاز يرغب في محاكمة طرفي عملية الاندماج قبل استكمال تلك العملية على أساس أن هذا الاندماج ما هو إلا أحد أشكال التكتلات التجارية المتنكرة في زي عملية اندماج. ولو كان هذا المنطق سليما من المنظور العام لقانون حماية المنافسة، فلن تكون هناك حاجة إلى أي قانون محدد لمراقبة الاندماج يتطلب موافقة مسبقة، وهذه هي القاعدة “العالمية” الفعلية. وفي الواقع، فإن المادة رقم 7 من لائحة المفوضية الأوروبية لمراقبة الاندماج تقر صراحة بأن “المادتين 81 (و82) [من معاهدة الاتحاد الأوروبي] […] ليست كافية لمراقبة جميع العمليات التي يثبت أنها غير متسقة مع نظام المنافسة غير المشوهة المنصوص عليها في المعاهدة”. ولو كانت اللوائح التي تحظر تكوين التكتلات كافية لمنع “التركيزات” المسيئة، ما كانت المفوضية الأوروبية لتضطر أبدا إلى إصدار لائحة محددة لمراقبة عمليات الاندماج.
الإشكالية الرابعة – عدم وجود إرشادات واضحة لكيفية الحصول على الموافقة المسبقة على عملية الاندماج: فلنفترض مثلا، على سبيل الجدل، أن آلية الإعفاء المنصوص عليها في المادة السادسة (الفقرة 2)، والتي تسمح للأطراف المتنافسة بالحصول على الموافقة المسبقة من جهاز حماية المنافسة قبل إبرام أية اتفاقات ثنائية، فسنجد أنها لا تحدد الفترة الزمنية التي يجوز فيها الحصول على ذلك الإعفاء (في حال تم منحه) أو ماذا سيكون وضع ذلك الإعفاء في حال أصبح المتقدمون له جهات غير متنافسة عقب الاندماج. إن المادة السادسة (الفقرة 2) لا تقدم أي من الإرشادات الخاصة بمتابعة جهاز حماية المنافسة، ولا تحدد كذلك متى تصبح الاتفاقية المبرمة بين الأطراف المتنافسة غير مستوفية للمتطلبات التي تم منح الموافقة وفقا لها. كما أن المواد 15 و16 و17 من اللائحة التنفيذية للقانون تقوم بتنظيم الحالات التي يتم فيها منح الإعفاء من القانون إلى شركة بالقطاع الخاص تدير أحد المرافق العامة، في حين أن الإعفاء بموجب المادة السادسة (الفقرة 2) من القانون ليست متضمنة في هذا النظام الإجرائي أو مبينة في أي موضع آخر. ويمكن أن تكون هناك أسئلة عديدة تثار نتيجة لذلك مثل: هل تلك الإعفاءات التي يتم منحها لأطراف متنافسة تكون دائمة أو أنها تخضع لمراجعات على فترات زمنية؟ ما هي المستندات المطلوبة؟ كيف يتم التقدم له؟ وما هو آخر موعد للتقدم؟ وماذا عن آخر موعد للتقدم؟ وماذا عن التأخيرات من أجل المراجعة؟ لا يمكن الإجابة عن أي من هذه الأسئلة بشكل واثق وحاسم حتى من قبل أشد المدافعين عن موقف جهاز حماية المنافسة.
إن الظروف الحالية تفرض السؤال التالي: هل من الأفضل لطرفي أي عملية اندماج محتملة المضي قدما في تلك العملية ثم إخطار جهاز حماية المنافسة وفقا لنظام الإخطار الحالي أم أنه من الأفضل التقدم للحصول على موافقة الجهاز قبل اتخاذ أية خطوات ملموسة نحو الاندماج؟
إن النهج المتبع في الوضع الطبيعي هو القيام بالإخطار في حينة، بعد إتمام الاتفاق ودون الحاجة إلى الحصول على الموافقة. إلا أن إن هذا النهج، وفي ظل الظروف الحالية وبالنظر إلى أوجه القصور التشريعية الموجودة والنهج التدخلي المثير للتساؤلات لجهاز حماية المنافسة، تأتي معه مخاطر كبيرة. ففي حقيقة الأمر، يمكن أن ينطوي الدخول في عملية الاندماج دون التقدم للحصول على موافقة جهاز حماية المنافسة على مخاطر كبيرة بالتعرض للمقاضاة، خاصة إذا كان من المتوقع أن يصحب للكيان المندمج قوة سوقية كبيرة تفوق منافسيه بمجرد تكوينه. إلا أن المخاطرة المرتفعة والمتمثلة في التعرض للمقاضاة لا تعني أنه سيتم خسارة القضية أمام محكمة محايدة، ولكن تعني فقط أنه من المرجح أن يقوم جهاز حماية المنافسة بمقاضاة طرفي الاندماج أمام المحكمة. وليست هناك ثمة حالة سابقة على الإطلاق لكي يمكننا التنبؤ بما ستنتهي عليه القضية، ونحن لا نعرف ما إذا كان النائب العام والمحكمة الاقتصادية سيتفقان في النهاية مع جهاز حماية المنافسة في نهجهما وتفسيرهما لقانون مكافحة الاحتكار.
أما بالنسبة للنهج الآخر، والمتمثل في التقدم من أجل الحصول على موافقة جهاز حماية المنافسة، وهو النهج الذي اتبعته أوبر وكريم على ما يبدو، فيتمثل في إعداد ملف شامل والسعي للحصول على موافقة الجهاز قبل عملية الاندماج. وفي حال وافق جهاز حماية المنافسة عليه، على أساس الافتراضات الخاصة به وبعد المشاورات المجتمعية الشائعة، على أن اتفاقية الاندماج لا تعد تواطؤا ضارا، فعندئذ لا يجوز له مقاضاة طرفي الاندماج لمجرد اتفاقهما على الاندماج. ولكن الأمر وللأسف ليس بهذه البساطة، إذ أن جهاز حماية المنافسة قال، في بيانه بشأن اندماج أوبر وكريم، إنه سيصدر استنتاجاته في غضون 60 يوما من تاريخ تسليم جميع المستندات “المطلوبة” كما ينبغي. وهذا يعني أنه في حالة “عدم اعتبار أن المستندات قد تم تقديمها”، فإن فترة الستين يوما لن تبدأ. وقد تمدد عملية طلب وتوفير المستندات المطلوبة للحصول على موافقة جهاز حماية المنافسة عن طريق التقدم بطلبات وتوضيحات إضافية من قبل الجهاز وبالتالي تمديد العملية وتأخير الاندماج لفترة طويلة للغاية، حيث أن كل شيء يخضع لتقديره وحده.
وبافتراض الحصول على الموافقة، فهل ستكون دائمة ولا يمكن الرجوع فيها؟ ماذا سيحدث لو أنه تبين لجهاز حماية المنافسة أن الافتراضات التي تم على أساسها منح الإعفاء كانت خاطئة ولم يقم الطرفان بالوفاء بالتزاماتهما تجاه الحصول على هذا الإعفاء؟ هل يمكن لجهاز حماية المنافسة أن يتراجع عن موافقته على الاندماج؟ وهل يمكنه مقاضاة طرفا الاندماج وتغريمهما بموجب المادة السادسة؟
الشيء المؤكد هو أن جهاز حماية المنافسة ليس بإمكانه وليس لديه الأدوات اللازمة للتراجع عن موافقته على الاندماج. ولا يمكنه مقاضاة الكيان المندمج بدعوى التواطؤ مع نفسه بموجب المادة السادسة. إلا أن جهاز حماية المنافسة سيفترض أنه لا يزال بإمكانه ملاحقة المساهمين الأصليين في الكيان المندمج إذا تبين أن الافتراضات والضمانات التي تم منح الإعفاء بناء عليها زائفة أو مضللة أو أن الكيان المندمج لا يفي بالتزاماته تجاه الحصول على هذا الإعفاء. ولكن ماذا لو أن الكيان المندمج قد تم طرح أسهمه للاكتتاب العام على سبيل المثال ولم يعد هناك المساهمين الأصليين الذين وافقوا على دمج حصصهم لكي يتم مساءلتهم عن تصرفات الكيان المندمج؟
الحماية من الملاحقة المستقبلية؟ في جميع الحالات، تتمثل المعضلة الحقيقية التي تواجه طرفا عملية الاندماج إذا قررا اتباع النهج الثاني والتقدم بطلب للحصول على الإعفاء، في أنه لن يكون هناك في الواقع أي شيء يضمن عدم قيام جهاز حماية المنافسة بعد سنة أو سنتين بطلب مراجعة عملية الاندماج بناءً على موافقته المبدئية. وسيتعين على طرفي عملية الاندماج أن يقرا، وفقا لمتطلبات المادة السادسة، بأن الاندماج نفسه يفترض أنه يضر بالمنافسة ولكن هذا الضرر قد طغت عليه الفائدة التي يجلبها للمستهلكين و/أو الصناعة المعنية. وبالتالي، سيمنح جهاز حماية المنافسة سلطة مراجعة عملية الاندماج بعد إتمامها، وذلك من خلال الإرادة غير المقصودة بالفعل لطرفي الاندماج وقد يتمكن جهاز حماية المنافسة من إلغاء موافقته في المستقبل دون الحاجة إلى إثبات أن الكيان المندمج قد ارتكب أي شيء خاطئ من منظور مكافحة الاحتكار. قد يكون جهاز حماية المنافسة مدركا على الأرجح لضعف حجته القانونية، ولهذا وفي البيان الصحفي الذي نشره على موقعه على شبكة الإنترنت، كان الجهاز حريصا على الإشارة إلى أن أوبر وكريم اختارا “تعاقديا” الخضوع لسلطة مراجعة الاندماج الخاصة بالجهاز، وذلك من خلال تعليق تنفيذ عملية الاندماج حتى اكتمال المراجعة المذكورة. وفي نهاية المطاف، من المؤكد أن يكون جهاز حماية المنافسة سعيدا بتلك السابقة التي أوجدتها مبادرة أوبر وكريم، وقد يشعر بأن لديه السلطة والشجاعة للتعامل بنفس الطريقة مع الحالات المماثلة في المستقبل.
من بين السيناريوهات المستقبلية المحتملة هو أن أطراف الاندماج تقر للجهاز بأن فرضية معينة إذا حدثت ستضر بالمنافسة، وهو ما يمكن أن يستخدمه الجهاز ببساطة بعد ذلك لإثبات أن الأثر الإيجابي المأمول من الاندماج لم يتحقق. ويمكن للجهاز القول، على سبيل المثال، إن عملية الاندماج تمت الموافقة عليها على افتراض أن الأسعار لن تزيد، وأنه إذا ما ارتفعت الأسعار على خلاف ما وعد به مقدمو طلب الاندماج، فإن جهاز حماية المنافسة سيرغب في إلغاء موافقته وفقا لذلك. وحينها، ونظرا لأنه لا يمكن التراجع عن عملية الاندماج (في حال تم بالفعل إبرام اتفاقية الاندماج)، قد يخضع طرفا الاندماج إلى تحقيقات ومحاكمات، وهذا على الرغم من أن الزيادة في الأسعار ليست في حد ذاتها بمثابة فعل يعاقب عليه القانون، وأن طرفي الاندماج لم يعودا متنافسين وفق الواقع الجديد، أو أنهما لم يعودا أصحاب مصلحة في الكيان الذي يخضع للمحاكمة.
قانون بحكم الأمر الواقع: من الجدير بالذكر هنا أن أنه إذا أصبح من قبيل القاعدة أن يقوم طرفا عملية الاندماج بتقديم طلب للحصول على الإعفاء من أجل إتمام تلك العملية التي يتم دراستها، فإن قرار جهاز حماية المنافسة سيكون قد أدى إلى تعديل فعلي للقانون في غياب الإصلاح القانوني اللازم من قبل الجهة التشريعية والتي هي الكيان الوحيد المخول بسلطة إجراء تعديلات على القانون.
ينبغي القول بأن المخاوف التي لدى جهاز حماية المنافسة هي مخاوف مشروعة، فمن حقه أن يقلق بشأن تكون تركزات أو حدوث إساءة استخدام للقوة السوقية من جانب الشركات الضخمة. ولكن إلى أن تصدر مصر قانونا يمكن جهاز حماية المنافسة من مراجعة عمليات الاندماج والموافقة عليها وفقا للممارسات العالمية الشائعة، فإن اتباع النهج التدخلي المتحمس ولي اللوائح لاستخدامها لأغراض غير تلك المقصود منها لن يؤدي إلى شيء سوى تحقيق نتائج عكسية وخلق حالة لا داع لها من عدم التيقن وعدم القدرة على التنبؤ وحالة من الإرتباك والعداء تجاه المستثمرين المحليين والأجانب على السواء