فرصة مصر الذهبية: التعدين للقرن الحادي والعشرين
تمتلك مصر ما يمكنها من أن تحتل المركز الأول عالميًا في قطاع التعدين، إلا إنها بحاجة ماسة إلى إصلاح سياسات التعدين لجذب المزيد من الشركات وتشجيعها على الاستثمار في تنمية مواردها المعدنية. ما عليك سوى أن تلقي نظرة على قناع توت عنخ آمون لكي تدرك أن الذهب والمعادن الأخرى كانت موجودة وتم التنقيب عنها في الصحاري المصرية منذ عهد الفراعنة. هناك مخزونات وفيرة من الذهب والنحاس والفضة والزنك والبلاتين وغيرها من المعادن الأخرى الثمينة والأساسية في الصخور تحت الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء ضمن الحدود المصرية، وكلاهما يعد جزءًا من منطقة جيولوجية تعرف باسم الدرع العربي النوبي. ورغم ذلك، ظل قطاع التعدين في مصر خاملا تماما على مدار السنوات السبعين الماضية، إذ لا يعمل سوى منجم ذهب واحد فقط حديث بالقرب من مرسى علم.
أعلنت الحكومة مؤخرًا عزمها طرح مزايدة عالمية للتنقيب عن الذهب. ويعد هذا التوقيت مناسبا لصانعي السياسة في أن يعيدوا التفكير فيما يتعين القيام به لإنشاء صناعة تعدين ناجحة للقرن الحادي والعشرين، والتي يمكن أن تكون بمثابة حجر الزاوية للاقتصاد.
ومن الفوائد المتوقعة من ذلك زيادة الصادرات، وتعزيز الحصيلة الضريبية، وتحفيز الاقتصاد وخلق المزيد من فرص العمل والتدريب، لاسيما في صعيد مصر، والذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة. ويساعد الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التعدين وزيادة العائدات بالعملة الأجنبية، على تحسين التصنيف الائتماني لمصر، مما يقلل من تكلفة القروض الدولية.
ولا يتطلب إحياء هذا القطاع القديم إجراء إصلاح جذري، وخاصةً أنه لا توجد هناك أية مشكلات متراكمة في حاجة لمعالجتها.
يجب علينا أولاً أن نفهم أن النموذج الاستثماري لقطاع التعدين يختلف كثيرًا عن النموذج الاستثماري لقطاع النفط والغاز، على الرغم من أن كلا القطاعين يعتبران من الأنشطة الاستخراجية. وتنطبق الشروط التجارية وأطر العمل التي تحكم قطاع النفط والغاز على قطاع التعدين في مصر، وهذا لا يحدث في أي مكان آخر بالعالم. ويجرى التعامل مع شركات النفط العالمية، وفقا لنموذج يعرف باسم اتفاقية تقاسم الأرباح، والذي أثبت نجاحه في استخراج النفط والغاز في مصر على مدار عقود. ووفقًا لهذا النموذج، فإن المستثمرين في قطاع النفط قادرون على استرداد التكاليف التي يتحملونها في إطار زمني قصير نسبيًا، ويقومون بتقاسم الأرباح مع الحكومة، نظرًا للتكاليف التشغيلية المنخفضة نسبيًا لإنتاج النفط. إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على قطاع التعدين، نظرًا لارتفاع تكاليف التشغيل.
ينطوي النموذج الاستثماري لمجال التعدين على مجموعة مختلفة من المخاطر والتكاليف، إذ أن المراحل المبكرة من استكشاف المعادن مرتفعة المخاطر على نحو كبير، وذلك على غرار استثمارات صناديق رأس المال المخاطر في الشركات الناشئة. تفشل معظم مشروعات الاستكشاف. على سبيل المثال، 2% فقط من عمليات التنقيب عن النحاس عالميًا تنجح في الوصول لمرحلة التطوير إلى أن تصبح مناجم منتجة. نجد أن الشركات العالمية الكبيرة والغنية لا تأخذ زمام المبادرة للتنقيب والبحث بقطاع التعدين، ونجد بدلاً منها شركات التنقيب الصغيرة، وهذه هي الشركات التي لدى مساهميها شهية مرتفعة للمخاطر للحصول على عائد كبير. تقوم شركات التنقيب الصغيرة بجمع رأس المال من الأسواق المالية العالمية لتمويل أنشطة التنقيب. وكثيرًا ما تلجأ تلك الشركات مجددًا إلى الأسواق لزيادة رأس المال، وذلك على غرار الكثير من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. وتقوم الشركات الصغيرة عادةً بتطوير المشروعات إلى أن تصل إلى المرحلة التي يكون فيها المشروع قابلًا للتنفيذ، قبل نقل اكتشافها لشركات التعدين الكبرى التي لديها إمكانات أفضل لإدارة المخاطر. وعلاوةً على ذلك، فإن عملية التنقيب في حد ذاتها يمكن أن تكون بطيئة للغاية، إذ أن البحث عن كميات اقتصادية من المعادن من الناحية الفنية أكثر تعقيدًا وصعوبةً من البحث عن إبرة في كومة قش. ولذلك يجب أن تستوعب أطر العمل واللوائح التجارية هذا الميل للفشل وتشجيع التنقيب المحفوف بالمخاطر.
ويُطلق على الإطار التجاري الأفضل في القيام بذلك “نظام الضرائب والإتاوات”، وهو أحد المعايير الدولية. ويتناسب هذا النموذج الشفاف على نحو كبير مع خصائص قطاع التعدين، أكثر من نظام تقاسم الأرباح المستخدم في قطاع النفط. ووفقا لهذا النموذج، تتحقق أرباح الشركة من القيمة الإجمالية للمعدن مطروحًا منها التكاليف والضرائب والإتاوات. وهذا النموذج أقل تعقيدًا، ويقدم وضعًا قانونيًا مألوفًا، كما أنه يوفر مستوى الأمن والراحة اللازمين للمستثمرين لكي يلتزموا بالتنقيب طويل المدى الذي ينطوي على المخاطر. والأهم من ذلك هو أن هذا النموذج يحقق وبسرعة تدفق نقدي للحكومة، إذ أنه لا توجد فترات طويلة لاسترداد التكاليف كما هو الحال مع نموذج تقاسم الأرباح. ويمكن أن تستغرق عملية استرداد التكاليف في قطاع التعدين ما بين 10 إلى 20 عامًا، وذلك خلافًا لما هو الحال في قطاع النفط والغاز.
سيستفيد صانعو السياسات استفادةً كبيرةً أيضًا من خلال التفكير في إنتاج المعادن الأخرى إلى جانب “الذهب”. ينبغي عليهم أن يفكروا في منح امتيازات التنقيب التي تغطي جميع المعادن بمصر القابلة للاستخراج من الناحية الاقتصادية بما في ذلك الفضة والنحاس والزنك والرصاص والحديد، وكذلك الأحجار الكريمة مثل الزبرجد والزمرد. ويمكن أن يكون لدى مصر معادن مثل البوراكس والليثيوم التي لم يقم أحد بالتنقيب عنها حتى الآن. لذا فالأمر المهم الآن بالنسبة لمصر هو جذب العديد من شركات التنقيب المتنوعة للاستثمار في التنقيب عن تلك المعادن.
ولهذا، لا ينبغي تخصيص مناطق التنقيب لاستكشاف معدن واحد. فإلى أن يتم استكشاف الأرض على نحو منهجي، يجب أن تكون المناطق متاحة أمام أي جهة للتنقيب عما يمكن أن يتم العثور عليه. ففي كثيرٍ من الأحيان يتم اكتشاف معادن مصاحبة بكميات تجارية أكبر من المعادن التي كان المقصود التنقيب عنها في الأساس. فعلى سبيل المثال، من الشائع أن تعثر الشركات التي تقوم بالتنقيب عن الذهب على النحاس والفضة. فعندما تعثر شركة على مخزون تجاري من معدن النحاس، فينبغي أن يكون لديها قدر من المرونة يمكنها من أن تصبح شركة تنقيب عن النحاس وألا تكون مجرد شركة تنقيب عن الذهب.
إذا ما قامت مصر بإصلاح سياسات التعدين واعتماد إطار تجاري معترف به دوليًا، فسترسل إشارةً قويةً لمجتمع الاستثمار في مجال التعدين أنها ترحب بالأعمال التجارية وعلى استعداد للمنافسة عليها. وكما قال محافظ البنك المركزي مؤخرا في مقابلة مع نشرة إنتربرايز “المنافسة على الاستثمار العالمي مرتفعة، يريد الجميع جذب الاستثمارات لرفع معدل النمو وخلق فرص عمل”. ونحن في شركة آتون ريسورسيز لا يسعنا سوى الموافقة على ذلك. فنحن نؤمن بمصر وبإمكاناتها المستقبلية الهائلة لتطوير قطاع التعدين وفق المستوى العالمي وليناسب القرن الحادي والعشرين، والذي سيفيد المصريين لأجيال عديدة قادمة.
مارك كامبل يعمل رئيسا لمجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة آتون ريسورسيز المدرجة في بورصة تورونتو التي تعتبر من أكبر البورصات في كندا.