الحرب تعيد رسم خريطة الطاقة في أوروبا
يستعد الاتحاد الأوروبي لإعادة رسم خريطته لإمدادات الطاقة مع احتدام الحرب في أوكرانيا. تعتمد أوروبا على روسيا في التزود بما يقرب من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ولكن بالنظر إلى الوضع الراهن وفقدان الثقة في نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جانب الاتحاد الأوروبي، فإن الاتحاد يتطلع الآن إلى تغيير هذا الوضع بشكل دائم. ومن المقرر أن تكشف المفوضية الأوروبية عن خطة لتقليل الاعتماد على واردات الطاقة الروسية الأسبوع المقبل، حسبما ذكرت مجلة نيو ساينتست.
قد يستغرق رسم خريطة إمدادات الطاقة الجديدة سنوات، لكن أوروبا تستعد أيضا للتخلي عن الغاز الروسي بسرعة إذا لزم الأمر. يعمل الاتحاد الأوروبي على وضع إجراءات طارئة لسيناريو صدمة الإمدادات، الذي يضع احتمالات أن تغلق روسيا صنابير الغاز في وجه أوروبا ردا على العقوبات الغربية، حسبما كتبت بلومبرج. وعقد وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا الأسبوع اجتماعا طارئا لمناقشة خطتهم البديلة للطاقة حال حذف الغاز الروسي من القائمة، على الرغم من أن روسيا لم تبد أي إشارات حتى الآن على دراستها لهذا الخيار بجدية.
سيتعين على أوروبا خفض استهلاكها بنسبة 10-15% على الأقل إذا قررت روسيا تعليق الصادرات تماما، ولكن حال أوفت موسكو بعقودها طويلة الأجل مع الاتحاد الأوروبي، "يمكن بسهولة تجديد المخزون المستنفد قبل موسم الشتاء التالي"، وفقا لدراسة أجراها مركز بروجل للأبحاث في بروكسل. ومع ذلك، فإن التحول إلى موردين بديلين ستكون له تكلفة باهظة، وقد تصل إلى 70 مليار يورو، أي ما يتجاوز سبع أضعاف التكلفة خلال السنوات السابقة.
حتى الآن، يتواصل تدفق الإمدادات الروسية ولكن الأسواق تتجاهل ذلك: أفلت قطاع الطاقة من العقوبات الغربية حتى الآن، وأدت حالة عدم اليقين بشأن الحرب إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ولم يكن النفط استثناء، إذ ارتفع خام برنت بنسبة 7.1% أمس عند 104.97 دولارا للبرميل.
الولايات المتحدة تتدخل في محاولة لتهدئة الأسعار: سيضخ أعضاء الوكالة الدولية للطاقة 60 مليون برميل من مخزونات النفط الطارئة في محاولة للنزول بالأسعار إلى ما كانت عليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب حالة الاتحاد قبل ساعات قليلة أن الولايات المتحدة ستساهم بنصف الكمية من احتياطيها الاستراتيجي.
لكن، من المستبعد أن تفعل أوبك بلس الكثير: من المتوقع أن يقوم التحالف النفطي بجولة أخرى من زيادات المعروض التدريجية في اجتماعه اليوم، إذ تكافح الدول الأعضاء بالفعل من أجل بلوغ الإنتاج المستهدفة حاليا. (أضف إلى ذلك: روسيا هي ثاني أكبر عضو في أوبك، ومن المفترض أن تكون الأكثر سعادة بمشاهدة خصومها الغربيين متأزمين).
وبالنظر إلى المستقبل، فإن فقدان الإمدادات الروسية سيهدد الأهداف الخضراء لأوروبا: تدرس ألمانيا توسيع نطاق استخدام الفحم كبديل للغاز الروسي، وفق ما قاله نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد والطاقة، روبرت هابيك، بحسب بلومبرج. يمكن لتمديد استخدام محطات الفحم في البلاد، التي تحصل على أكثر من نصف غازها من روسيا، إلى ما بعد عام 2030، وهو الموعد الذي حددته ألمانيا سابقا للتوقف عن استخدام الفحم نهائيا.
يؤكد قادة الاتحاد الأوروبي أن أفضل طريق هو تسريع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتشير تقارير صحفية إلى أن الخطة المقرر الكشف عنها الأسبوع المقبل ستشمل هدفا لتقليل استخدام الوقود الأحفوري بنسبة 40% بحلول عام. ورغم أن هابيك ذكر أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة لا يزال هو الهدف النهائي، فإن أولويته حاليا تظل تحرير ألمانيا من الاعتماد على الإمدادات الروسية.
الجزائر على استعداد للعب دور المورد البديل: الجزائر القريبة من أوروبا والغنية بالغاز الطبيعي مستعدة لزيادة صادراتها شمالا إذا تعطلت الإمدادات من موسكو، وفق ما قاله وزير في الحكومة الإسبانية، مشيرا إلى أن صادرات الدولة العضو في أوبك قد توقفت في السنوات الأخيرة، وأن الطاقة الإنتاجية الحالية مرتبطة بالفعل بعقود طويلة الأجل مع مشترين أوروبيين.
ماذا عن مصر؟ عقد وزير البترول طارق الملا الأسبوع الماضي محادثات مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة والمناخ كادري سيمسون، بشأن تصدير مصر المزيد من الغاز المسال إلى أوروبا، في ظل تصاعد التوترات في أوكرانيا، إلا أنه لم يعلن عن أي تطورات في هذا الصدد حتى الآن. وأشار مسؤولون مصريون في عدة مناسبات رغبتهم في زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، باعتبارها خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف مصر في التحول إلى مركز لتداول الغاز الطبيعي في منطقة البحر المتوسط. زيادة صادرات الغاز المسال ستعود بالنفع على مصر وعلى الاتحاد الأوروبي، وأيضا على دول شرق المتوسط، التي تستهدف إعادة تصدير إنتاجها من الغاز إلى أوروبا عبر محطات الإسالة في مصر. لكن مع وصول محطتي الإسالة في مصر إلى طاقتهما القصوى حاليا، فإن ذلك لن يكون الحل السريع الذي تبحث عنه أوروبا.