انسوا "الكمال".. الأهم أن نكون آباء جيدين بما فيه الكفاية
الضغط من أجل أن تكون والدا مثاليا يكون مرتفعا في أول أيام العام: مع تكوين أسرة ووصول الأبناء، تتغير قرارات العام الجديد تلقائيا من خطط التحول إلى إنسان أفضل إلى خطط لتكون أبا أفضل. ولكن بعد عامي الجائحة والاضطرار لتربية الأطفال وسط حالة طوارئ صحية عالمية، لا بد أن قوانا قد استنزفت إلى أقصى حد. كل الآباء يشعرون باستمرار أن عليهم بذل المزيد من أجل أبنائهم، لذلك نكون جميعا مرهقين طوال الوقت، ونشعر بالذنب دوما.
لكن ماذا لو قررنا التخلي عن هذا الضغط غير الواقعي، ووضعنا أهدافا عائلية قابلة للتحقق؟ دعونا نأخذ الأمور ببساطة هذا العام، ونفكر في أهداف مثل الحفاظ على الشعور بالتوازن، ووضع مستويات التوتر (والعصبية) تحت السيطرة، وجعل كل يوم أسهل قليلا.
لنبدأ بواحد من أكثر الموضوعات إثارة للجدل بالنسبة للآباء والأمهات: الشاشات، بما في ذلك التلفزيون والهاتف المحمول والكمبيوتر وغيرها. هل تشعر بالقلق حيال الوقت الذي يقضيه أطفالك أمام الشاشات؟ لو أنك شخص لديه أطفال الآن، فالأرجح أن إجابتك بنعم. ربما تكون قد سمعت عن التوصيات العالمية لتحديد الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات، ومن المحتمل أنك حاولت تنفيذها في منزلك. النتيجة؟ بالطبع البكاء، والانهيار، والشقاق بين الأشقاء، والرفض القاطع. دعونا نواجه الأمر، لا يمكن أن نتجنب الشاشات في عالمنا الحالي الذي تحركه التكنولوجيا، سواء كان هذا في اجتماع عبر زووم أو لعبة إلكترونية أو تواصل اجتماعي، أو حتى حلقة من مسلسل خفيف في الخامسة صباحا تساعدك على النوم نصف ساعة أخرى.
القاعدة رقم 1.. والوحيدة: النمو الصحي للطفل يتأثر بأبيه وأمه (نعم، أنت!) أكثر من أي شيء آخر. الأبوة والأمومة ليست مجرد سيناريو يمكن تطبيقه على الجميع، بل يجب تمرير كل الاقتراحات (بما في ذلك ما سنقترحه عليكم حالا) من خلال فلتر معين، يعتمد على حياتك وأوضاعك. بمعنى آخر، أنت من يحدد الطريقة الأصح للتربية.
بشرى سارة: تأثير الشاشات على أبنائنا لا يكون سلبيا طوال الوقت، بل إن هناك وجهة نظر تقول إن اعتياد الأطفال على التكنولوجيا وتمكنهم من التعامل معها سيكون مفيدا لهم في سوق العمل بالمستقبل، والتي غالبا ما ستكون رقمية بالكامل، إن لم تنتقل إلى الميتافيرس أصلا. وقد أثبت المحتوى التلفزيوني التعليمي، مثل برنامج "عالم سمسم"، أنه يساعد في تحسين السلوك ومهارات القراءة والكتابة والمهارات المعرفية للأطفال من سن ثلاث إلى خمس سنوات.
بمعنى أكثر تحديدا، ركز على جودة (وليس كمية) الوقت الذي يقضيه أبناؤك أمام الشاشات. ساعدهم على تحويل علاقتهم بالتكنولوجيا إلى علاقة صحية، من خلال تحقيق التوازن بين التعليم والترفيه. فبدلا من خوض معركة خاسرة مع أطفالك وحرق أعصابك في محاولة لفصلهم عن التكنولوجيا، جرب توجيههم نحو محتوى تعليمي ومفيد وممتع يناسب سن كل واحد منهم. التكنولوجيا تصلح مع أبنائك سواء كانوا صغارا أو كبارا، فالكبار أيضا هناك أدوات تساعدهم على التعبير عن مواهبهم والتعلم بطرق تفاعلية. النصيحة الأساسية هنا هي التركيز على عدم استخدام الشاشات في الأوقات التي فيها استفادة بدنية واجتماعية كبيرة، مثل تناول الوجبات (التي تعزز عادات الأكل الصحية) والنوم (مهم لإعادة البناء).
ابدأ بنفسك: من أجل مساعدة أطفالك على تحقيق علاقة متوازنة مع التكنولوجيا، لا بد أن تبدأ بتقنين استخدامك الشخصي لها. نحن نقضي معظم الوقت على هواتفنا، ونعمل أمام أجهزة الكمبيوتر حتى ساعات متأخرة، ونتصفح منصات التواصل الاجتماعي، ونشاهد مسلسلاتنا وأفلامنا المفضلة، لذا ليس من المستغرب أن يقلد الأطفال سلوكنا. نعرف أنه من الصعب مقاومة التقاط الهاتف حين تسمع إشعارا بوصول رسالة أو تعليق جديد، من الصعب التعهد بخفض الوقت الذي نقضيه نحن أمام هواتفنا (لقد حاولنا وأخفقنا)، لكن ربما يكون الأسهل أن نلتزم بالخروج مع أبنائنا مثلا بشكل منتظم. الخروج في الهواء الطلق أمر مفيد لجميع أفراد الأسرة، وضوضاء الشارع تنجح أحيانا في إسكات أصوات الإشعارات.
متى ما راودك الشك، عد فورا إلى القاعدة رقم 1.