هجوم الأصوات المستنسخة

هل نشهد طفرة في برامج استنساخ الصوت؟ بات استنساخ الصوت باستخدام برامج الكمبيوتر لإنشاء نسخة اصطناعية ومطابقة من الصوت الحقيقي للشخص، أكثر تعقيدا على نحو ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية. تتسابق مجموعة من شركات التكنولوجيا لتطوير منتجات جديدة تتيح للناس استنساخ أصواتهم وتحقيق ربح من ذلك. لكن مع انتشار برامج استنساخ الأصوات انتشارا واسعا، نواجه بعض الأسئلة الصعبة التي تتعلق بقبول استخدام هذه النسخ والاستيلاء على البيانات الشخصية.
شهدت تكنولوجيا استنساخ الأصوات تطورا سريعا في الآونة الأخيرة: هناك فرق ضخم بين التكنولوجيا المستخدمة منذ أربع أو خمس سنوات والمستخدمة حاليا، حسبما قالت روبال باتيل، مؤسسة شركة "فوكال آي دي" لاستنساخ الأصوات رقميا (استمع 7:23 دقيقة). أوضحت باتيل أن الشيء الرئيسي هنا أن الأصوات المستنسخة هي في الواقع نمذجة للصياغة والإيقاع المميز للصوت، وهذه الأشياء هي أساس مصداقية أي صوت.
هل حلمت يوما باستنساخ نسخة من صوتك لأداء عملك بدلا منك؟ بينما الشخصية الشهيرة "Y" نائمة، يمكن أن يتجول صوتها خارجا لتسجيل إعلانات إذاعية أو قراءة كتب صوتية أو أكثر من ذلك، حسبما قال رئيس شركة الذكاء الاصطناعي فيرتون في حديثه لموقع أخبار التكنولوجيا ذا فيرج. ينظر أحد الممثلين والعاملين في مجال التعليق الصوتي لاستنساخ الأصوات باعتباره برهان على استمرار مستقبل مهنته، وذلك في حديثه لبي بي سي. يتوقع هذا الممثل تحقيق دخلا سلبيا من خلال إرسال نسخة صوت مستنسخة لأداء مهام عمله بدلا منه، خاصة إن تلقى عرضي عمل في الوقت نفسه.
بفضل التكنولوجيا، قد يستعيد المشاهير أصواتهم المفقودة: تمكن الممثل الهوليوودي فال كيلمر، الذي فقد صوته بعد عملية جراحية لاستئصال سرطان في الحلق في عام 2015، من استعادة صوته رقميا العام الماضي بمساعدة شركة البرمجيات البريطانية "سونانتيك". قالت الرئيسة التنفيذية للشركة زينة قريشي إن فريق عمل فيلم "Val" أراد أن يستعيد الممثل الأمريكي صوته حتى يتمكن من متابعة التمثيل.
كيف تستنسخ صوتك؟ تقول باتيل إنه يجري إدخال المواد الصوتية المسجلة لشخص ما في برنامج استنساخ الأصوات، إلى جانب نص لما يرغبون في قوله، مضيفة أن الشبكة العصبية للبرنامج يمكنها بعد ذلك تحديد ملامح الطريقة التي ينطق بها الشخص ويصدر الأصوات المختلفة وتعلم كيف يتحدث شخص ما. عادة ما تستخدم البرامج مثل تلك التي تستخدمها شركة فوكال آي دي "نموذجا أساسيا" للكلام والذي يمكن مطابقته بعد ذلك باستخدام البيانات الصوتية التي يجري إدخالها. كلما زاد حجم البيانات التي تدخل في البرنامج، كلما بدا الصوت المستنسخ مشابها للصوت الحقيقي، حسبما قالت باتيل، مضيفة أنه يمكن إنشاء أو استنساخ صوت باستخدام بضع دقائق أو ثوان من تسجيل صوتي للشخص.
كيف تستخدم؟ استنساخ أصوات بعينها تركيب الكلام أو الإنتاج الاصطناعي للكلام البشري، المسؤول عن جمل كالتي تقولها تقنيات المساعدة الصوتية مثل "سيري" أو "أليكسا". أطلقت فيريتون مؤخرا منصة باسم Marvel.AI تساعد المستخدمين على تخليق أصوات مستنسخة، ويمكنهم بعد ذلك الحصول على حق استخدامها لاحقا، حسبما كتب موقع ذا فيرج. والفكرة في مشروع فيريتون هو تخليق أصوات مستنسخة يمكن للمستخدم استعمالها في إنتاج مواد صوتية في الوقت الذي يحتاجه. وهناك أيضا فرصة أن يوما ما يمكن للعملاء شراء أو استخدام الأصوات المستنسخة المتاحة في مكتبة المنصة. وتتوقع فيريتون سوقا ضخمة لتلك الخدمة في المستقبل، خاصة أصوات المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، والرياضيين، والممثلين، وغيرهم من المشاهير.
ولكن تلك التطورات تأتي بمجموعة من الأسئلة الأخلاقية الجديدة، ومنها على سبيل المثال، هل يمكننا استنساخ أصوات أشخاص رحلوا عن عالمنا. في وقت سابق من هذا العام، أثيرت انتقادات واسعة عندما استخدم أحد الوثائقيات صوت مستنسخ للطاهي والرحالة الشهير الراحل أنتوني بوردين، حسبما كتبت أسوشيتد برس. ورفض مخرج الوثائقي مورجان نيفل أي انتقادات أخلاقية حول استخدامه صوت بوردين دون الحصول على موافقة. ومن جانبها، نفت أرملة بوردين بشكل قاطع مزاعم نيفل بأنه حصل على موافقتها للقيام بذلك.
وقد يفتح ذلك الباب لمزيد من الجرائم الإلكترونية: انتشار استنساخ الأصوات قد يسهل أيضا من ارتكاب أنواع من الجرائم السيبرانية ويصعب من الكشف عنها، حسبما كتبت بي بي سي. كان ينظر سابقا للمحادثات الصوتية على إنها دليل دامغ للتعرف على هوية الشخص، مقارنة برسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية القصيرة. ولذلك يمثل استنساخ الأصوات الآن تهديدا كبيرا في هذا الصدد، وكانت إحدى جرائم الاحتيال الكبرى في عام 2019 قد شهدت قيام موظف بريطاني بنقل 220 ألف يورو إلى حسابات المحتالين الذي استخدموا نسخة مستنسخة من صوت رئيسه في العمل. وبصورة متزايدة، ينصح الخبراء الأمنيون الشركات بمراقبة الملفات الصوتية للتأكد من أنها ليست مزيفة، ويحث اليوروبول دول الاتحاد الأوروبي على الاستثمار بقوة في تقنيات جديدة تساعد على اكتشاف التزييف العميق.